دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لطالما أثارت الحشرات شعور الاشمئزاز والانزعاج عند بعضنا، ولكن هذه اللقطات الواضحة والمفصلّة بشكل لا يصدق تبعث انطباعاً مختلفاً عن المعتاد. وفي هذه السلسلة بعنوان "وحوش صغيرة"، يبرز مصور وباحث سعودي جمال وتفاصيل أكبر رتبة من عوالم الحشرات، أي عالم الخنافس.
وفي حديثه مع موقع CNN بالعربية، قال المصور السعودي المتخصص في التصوير بتقنية الماكرو، والحائز على العديد من الجوائز الدولية، مفيد أبو شلوة، إنه قرر أن يتحدى "رهاب الحشرات" وأن يكسر مخاوف الاقتراب من الحشرات التي راودته أيام الطفولة من خلال التخصص في هذا المجال الصعب.
وأوضح أبو شلوة، وهو باحث علمي في سلوك الحشرات، أن التصوير بتقنية الماكرو، الذي يعرّف بالتصوير الفوتوغرافي للأجسام ضئيلة الحجم من مسافة قريبة للغاية، يعد من التخصصات الصعبة في مجال التصوير الفوتوغرافي، إذ يتطلب الكثير من الوقت والصبر.
ويسعى أبو شلوة، البالغ من العمر 35 عاماً، من خلال لقطاته الدقيقة ذات الجودة الاحترافية إلى "نقل رسالة مفادها التفكر في إتقان خلق الله، حيث عجزت العين البشرية عن رؤية هذا الجمال، وهذه التفاصيل الدقيقة بالشكل التي تنقله عدسات الكاميرا"، وفقاً لما ذكره.
وبالنسبة إلى أبو شلوة، فإن "عوالم الحشرات هي عوالم بلا حدود، وكلما أبحر الإنسان في اكتشاف خفايا هذه العوالم عبر تقدّم العلم والتقنيات الحديثة، يصبح الموضوع أكثر تعقيداً".
وخلال تجربته في توثيق الحشرات التي استمرت لـ9 أعوام، يخطر في ذهن المصور عدة تساؤلات عندما يتواجد في بستان محدود المساحة، ومنها ما الذي يحدث الآن أسفل أقدامنا في هذه العوالم الخفية؟ وما هو سلوك هذه الكائنات وطريقة تواصلها؟ وهل تمتلك لغة للتواصل فيما بينها كما يحدث مع البشر؟
وكانت بداية أبو شلوة من محيط بيئته القريبة من منزله في منطقة الخويلديه، والتي تقع شرق السعودية، وهي عبارة عن قرية محاطة بواحة من البساتين غنية بالحياة الفطرية، وهي موطن لتنوع كثيف من العوالم الصغيرة التي لا يزال بعضها غير مكتشف، ويعود ذلك لقلة التخصص في المحيط العربي في هذا الشأن.
وبشكل عام، قام أبو شلوة بتوثيق عدة أنواع من الحشرات، ولكن أبرزها كان لمجموعة كبيرة من الخنافس الجعالية وخنافس الجوهرة.
ويعود اختيار المصور لهذين القسمين من الخنافس إلى أن بعضها مدرج في القائمة الحمراء "المهددة بالانقراض" بسبب الصيد الجائر لنوع خنافس الجوهرة بغرض استخدامها للزينة وصنع الحلي من ألوانها المتقزحة واللامعة، وفقاً لما ذكره المصور.
ومن أجل الحصول على مجموعته المتنوعة، سافر أبو شلوة إلى العديد من الغابات حول العالم، بما في ذلك الغابات المطيرة في إندونيسيا، وماليزيا، وبابوا غينيا الجديدة، وسويسرا، والغابات الفرنسية، وكانت الغابات النمساوية كالكالبن والمناطق الريفية المحيطة بها من أهم المواقع التي شملتها رحلاته.
أما فيما يخص استعداد أبو شلوة لتوثيق هذه الكائنات، فإن التخطيط المسبق باختيار المكان والزمان للتصوير يعد أمر ضروري.
وقال أبو شلوة: "لا يمكن اختيار يوم تكون الأجواء فيه عاصفة أو حتى ممطرة"، مضيفاً "أُفضّل التصوير قبل وقت الشروق بساعة عندما تكون بعض الحشرات ساكنة".
كما أشار أبو شلوة إلى أهمية اختيار ملابس معينة للحماية من بعض الحشرات الضارة خلال التصوير، وكذلك من أجل التمويه من خلال اختيار ألوان معينة مقاربة لألوان الطبيعة.
وقد واجه أبو شلوة العديد من التحديات والمواقف الصعبة أثناء التقاط الصور للحشرات، ومن بين أبرزها عندما تعرض للدغة عقرب خلال إحدى رحلاته للغابات الفرنسية، وكان المصور قد اقترب للكائن الذي كان يتغذى على إحدى الحشرات، وقد حالفه الحظ بإصطحاب صديقه المتخصص من سكان المنطقة، الذي قدم له اللقاح المطلوب لتفادي وقوع أي صدمة بعد الإصابة.
وأوضح المصور أن الحشرات بشكل عام هي أول الكائنات التي ظهرت فوق سطح الأرض منذ حوالي 435 مليون عام، ويركز المصور على توثيق الخنافس خصيصاً إذ أنها تمثل أكبر رتبة من الحشرات.
وأشار المصور إلى أن بعض العلماء يعتقدون أن الخنفساء الحديثة ظهرت قبل 140 مليون عام، ولكن الأبحاث الحديثة التي جرت عام 2007 أظهرت أن تاريخها يرجع إلى العصر البرمي في حقبة الباليوزوي، أي حوالي 265 إلى 300 مليون عام.
ولاقت أعمال المصور صدى واسع في غالبية المواقع المتخصصة في مجال التصوير، ومن بين أكثر الصور التي لاقت صدى واسع كانت صورة لحشرة الآفة سوسة النخيل الحمراء، إذ حاز هذا العمل على 23 جائزة، وآخرها المركز الأول في جائزة ماريا لويزا الإسبانية في نسختها الـ 30 لعام 2020.
كما حاز هذا العمل، للحشرة التي تعد أخطر الآفات التي تهاجم النخيل بالسعودية، على المركز الأول ضمن مشروع "وحوش صغيرة" في مسابقة أقيمت بروسيا العالم الماضي، التي تفوقت على 391 ألف صورة مشاركة من 172 دولة حول العالم.