عمّان، اﻷردن (CNN)-- رغم مرور عشر سنوات على الحرب في سوريا، لم يغب عن بال الأردنية وداد قعوار الرائدة في حفظ الثوب العربي وذاكرته التراثية في بلاد الشام، أن تروي فصلا من تلك السيرة على طريقتها الخاصة، لتضيف ركناً في مركز "طراز للثوب العربي – بيت وداد قعوار" بمشروع توثيقي جديد للثوب السوري يحمل اسم "مجد سوريا"، إلى جانب مجموعاتها الخاصة النادرة، من اﻷثواب الفلسطينية واﻷردنية وغيرها، التي ناهز عددها الـ 3 آلاف قطعة.
ولا تخطئ عين الزائر في المعرض الذي تجوّل فيه موقع CNN بالعربية، برفقة المديرة التنفيذية الإبنة الدكتورة ماري قعوار، جمالية المعروضات واحتفاظها بحالتها منذ عام 2010، وهو العام الأخير الذي زارت فيه مع والدتها مدينة حلب، حيث اﻷسواق القديمة التي كانت مخزن أسرار المعرض اليوم. ولم يتوقف شغفها باقتناء الأثواب السورية والأقمشة من مختلف أماكن نشأتها في المدن السورية آنذاك.
ويكشف المعرض الذي تأخر استقباله للزوار رسمياً بسبب جائحة فيروس كورونا، عن الوجه البهيّ لتراث تلك المناطق التي حاولت بشاعة الحرب طمسها بحسب قعوار الإبنة، إذ قالت إن المعرض هو تكريم للسوريين وحضارتهم في كل أنحاء العالم، وأن الرقة وإدلب وغيرها ليست عبارة فقط عن مجازر وداعش.
ويحاكي المعرض بأركانه المتنوعة، الأسواق القديمة ودكاكينها، والحمام الشامي العام، وتجهيزات العرائس، وأنماط الحياكة، والأقمشة، ونماذج الأثواب السورية، حيث تم اقتناء أغلب ما هو معروض خلال رحلات قعوار المولودة في طولكرم إلى سوريا، منذ السبعينيات حتى ما قبل الحرب بعام فقط.
وزاد شغف الباحثة قعوار التي تُعد اليوم، مرجعاً من أهم مراجع تراث فلسطين والأردن، مع نشوب الحروب في المنطقة والخشية من ضياع الهوية التراثية، منذ إقامتها في مدينة بيت لحم قبل حرب العام 1948، عندما كانت نساء قراها يتبضعن كل سبت من سوق المدينة، ويرتدين أثوابهن وحليهن، قبل أن تشردَهن الحرب إلى المخيّمات.
وتنحدر أصول اﻷثواب الفلسطينية واﻷردنية من سوريا، بوصفها منشأ الحياكة، والأقمشة، والنسيج، بمختلف أنواعه، ومركزاً لتجارتها تاريخياً عبر طريق الحرير.
وكان تصنيف اﻷقمشة والأثواب السورية في المعرض، جهداً ذاتياً لتعذّر توثيق مصدر كل ثوب وصاحبه الأصلي، بخلاف المجموعة الفلسطينية واﻷردنية وفقا لقعوار، إذ اشتُريت من أسواق الحميدية، ودمشق، وحلب، وغيرها وليس من أصحابها الأصليين.
وبين كل قطبة وتطريزة في اﻷثواب، ثمة خيوط منسوجة بعبق كل قرية ومدينة سورية، من إدلب وحلب شمالا مروراً بمنطقة القلمون ودمشق، وصولاً إلى حوران جنوباً، والرقة شرقاً.
ويمكن للزائر التعرف إلى منسوجات سورية شهيرة، كالصرما الذي يعتمد تقنية التطريز بخيط حريري لامع، والأغباني المكوّن من القطن والمطرّز بالحرير الذهبي، والبروكار أو الجاكار، المكون من القطن أو الصوف أو الحرير المزخرف.
ويمكن إيجاد ما يشبهه في الصين، وإيران، وإيطاليا، وفرنسا، ولكن ما يميز السوري منه وفقاً لقعوار، أنه ينسج يدويا حتى اليوم في الشام. كما يعد "التاي داي"، من أنواع النسيج الشهيرة بتقنية الطباعة بقوالب بعد صباغتها.
وتعكس القطب أو الغرز في اﻷثواب المعروضة مهارات وفنون متعددة، فمنها غرزة الطوب، والعروة، والسلسلة أو الغباني، والغرزة الفلاحية المصلّبة وغرزة هيكل السمكة، والغرزة المربعة المدورة، واللف، والريش وغيرها، فيما كانت معظم التطريزات حتى بداية القرن العشرين، تستخدم خيط الحرير السوري خاصة في حلب.
وفي تناغم لافت بين أركان المعرض، تعبّر التصاميم واﻷقمشة المعروضة، عن المناسبات التي نسجت من أجلها، بين الأعراس واللباس التقليدي اليومي لأهالي القرى والأرياف أو سكان القصور في العهد العثماني، أو حتى أثواب الحمام الشامي، والعباءات الحريرية، والقمباز.
وتعود سنوات حياكة أغلب القطع في المعرض، إلى العشرينيات، والثلاثينيات، والأربعينيات من القرن الماضي. ويضم المعرض نماذج ﻷثواب منطقة القلمون التي تميّز لباسها بالبنطال "السروال"، والمزين بتطريزات حول أطرافه، بينما تميزت الأثواب بالأكمام الطويلة المستقيمة.
أما اﻷثواب المثلثة الحادة كالأجنحة، فكانت تُرتدى خلال الأعراس في المناسبات.
أما لباس مناطق أرياف وقرى دمشق والجنوب، فاتسمت بالثوب الكلاسيكي المعروف بالشرش والمطرّز من كل اﻷطراف مع ياقة صغيرة، ويزين بقطع قماش ملونة، مخيطة على قماش الثوب نفسه، فيما امتازت منطقة شمال ووسط سوريا كما في مناطق خان شيخون والسخن، حصرياً، بالتنانير تحت الثوب، المنسوجة من الساتان الأسود، فيما تزخر الواجهة الأمامية والخلفية والجوانب بالتطريز.