دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بدأت الفنانة الكورية الجنوبية ميونغي كانغ رسم لوحتها "زمن الكاميليا" أواخر ثمانينيّات القرن المنصرم، إذ كانت تقطن في الدائرة 19 في مدينة باريس الفرنسية، حيث تتردّد بانتظام على لوحتها، العمودية حينها، لإضافة بعض ضربات ملوّنة من فرشاتها أو رسم الزهور.
وتتذكّر كانغ خلال مقابلة لها مع CNN "أرغب في العودة إلى هذه اللوحة مع أسئلة كثيرة تراودني وذكريات سفر".
ولم تشعر أنّ لوحتها أنجزت، فتخلّت فعليًّا عنها ولم تعد إليها حتى وصلت إلى جزيرة جيجو التابعة لكوريا الجنوبية عام 2007. وهناك أحسّت بضرورة العودة إلى هذه اللوحة التي جلبتها معها واستكمالها. إنّما غيّرت وجهتها هذه المرة وجعلتها أفقية تقليدية.
وقالت: "فقط عندما جلبت اللوحة إلى جيجو في فصل الربيع حتى امتلكت الشجاعة للعودة إليها مجدّدًا، بعد عشر سنوات"، مضيفةً: "يمتلئ محترفي بزهور الكاميليا، وعليه بدأت بنقل العناصر المحيطة بي إلى اللوحة".
واحتاجت ميونغ كانغ إلى عقد آخر حتى تُنهي لوحتها البالغة الرقة، التي تعرض حاليًا في صالة للفنون التشكيلية "فيلبين" (Villepin) في هونغ كونغ. ويُصوّر هذا العمل الفني ليس فقط الزهور الزاهية التي تحمل اللوحة اسمها، إنّما أيضًا مرور الوقت.
وحول هذا الأمر، قالت كانغ: "لا يَسعُني تفسير ذلك"، مضيفةً: "أحسست أنّ هذه اللوحة يجب أن تُستكمل على هذا النحو. وثقت باللحظة. إدراك اللحظة المناسبة من قبلي كان مهمًّا كي أرسم مختلف هذه الأجزاء، حتى أنجزتها".
وتابعت: "لا أتجرأ على القول إني رسمت الوقت، هذا غرور، لكن الوقت كان حاضرًا في كل ما رسمته"، موضحة: "سمحتُ لنفسي أن أكون يدَين للوقت، أمتثل له، ولا أحاول التلاعب فيه".
وهذه المقاربة العفوية هي سمة كانع، التي يكشف فنّها الخفِر بتألّقه، علاقتها المتشعّبة مع الطبيعة. وهي حاليًا في منتصف سنواتها السبعين وفي استطاعتها قضاء سنوات لرسم لوحة واحدة ، إذ أن خلف ضربات فرشاتها الرقيقة في غالب الأحيان بمثابة مسار تصفه "بالمكثف جدًا".
وتشرح لـCNN: "أنظر إلى اللوحات وأشعر بأنّها لم تنتهِ بعد. قد لا أتمكّن من النوم بعد إدراكي ذلك". وتستطرد قائلة "إنها تتحرّك وتتطوّر باستمرار، وفي بعض الأحيان ينتابني هذا الشعور بأنها لم تُنجز. أتمنى أحيانًا احتساء كأسًا من المشروب حتى أنساها، لكن هذا مستحيل. أحتاج دومًا إلى محاولة حل بعض الأمور الصغيرة التي أراها أمامي كل يوم".
ثم فجأة، وفي لحظة غير مخطّط لها تكتشف أنّ لوحتها انتهت، وحان وقت تذييلها بتوقيعها.
الطبيعة هي كل ما يحيط بنا
ويتراءى للناظر إلى لوحات كانغ للوهلة الأولى أنّها تجريدية، بيد أنّها تستند في غالب الأحيان إلى ما يحيط بعالمها. لكن لوحاتها الأشبه بالمناظر الطبيعية، لا تنقل مشهدًا معينًا بذاته، بل تمزج مشاهد عدة، وذكريات، وأحاسيس.
وقالت كانغ، التي تكتب الشعر أيضًا، لـCNN: "كل لحظة، منذ أن أفتح عيناي حتى أبدأ بالرسم، هي جزء من لوحتي". وأضافت: "حتى الذكريات التي قد تعود إليّ منذ سنوات عشر، على غرار مشهد زهور الكاميليا، أضمّنها لوحتي".
وتابعت: "لا يوجد وسيلة مجازية واحدة تعبر عمّا أرسم. الأمر بمثابة تراكم مشاهدات، كأن أرسم السماء مثلًا، عندها أنقل المشهد كاملًا، عوضًا عن نقل زهرة كاميليا بذاتها أو صخرة".
وتتوزّع لوحات معرض ميونغي كانغ الأخير على طبقات صالة العرض الثلاث التي تجمع أعمالًا لها أنجزتها في السنوات العشر الأخيرة، بينها لوحة "زمن الكاميليا". ويُساعدها قضاء الوقت مع لوحاتها على التركيز على نحو أدق على الموضوع الذي يكون ضبابيًا في البداية.
ويعتبر مدير صالة العرض أرتور دو فيلبين، أنّ الجمالية في أعمال كانغ تقع في "التفاصيل" الصغيرة.
وقال لـCNN: "في إمكانك رؤية مستويات عدة في لوحتها، فضربات فرشاتها تكون حيوية وسريعة أحيانًا، وتعكس جزءً من شخصيتها"، متابعًا: "وأحيانًا أخرى تكون الألوان زاهية جدًا، ثمّ تتلاشى في أوقات أخرى. هذه القدرة على تجسيد حيوات عدّة بأوقات مختلفة، هي ما أجده مذهلًا في أعمالها".
وتعيش ميونغ كانغ وتعمل بين جزيرة جيجو وباريس. أمّا عن علاقتها بمحيطها، فترى هذه الرسامة أنّه "في أذهاننا، تتكونّ الطبيعة من عشب، وأشجار، وزهور. لكنّ الطبيعة هي كل شيء. الناس، والمدينة، والتاريخ... الطبيعة هي جسر عبور يتيح إقامة حوارات بين كل شيء".