دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بوجوه تعلو محيّاها الضحكات، يُعرف أهل الصعيد في مصر ببساطة العيش، لكن يجهل الكثير من الناس مُعاش أهل الصعيد وموروثاتهم الشعبية.
هذه المنطقة الواقعة جنوب مصر، التي تُعد موطنًا للعديد من آثار مصر القديمة، تقع ضحية الأدوار السلبية في أعمال السينما والدراما المصرية، التي تصوّرها على أنها بؤرة لأشكال الرجعية، مثل القتل الانتقامي الذي يعرف بـ"الثار".
من هذا المنطلق، نشأت فكرة منصة تحمل عنوان "بشر الصعيد" Humans of Upper Egypt، على غرار المدّونة المصوّرة الشهيرة "بشر نيويورك" Humans of New York، بهدف تغيير هذه النظرة النمطية.
وفي مقابلة مع CNN بالعربية، أوضحت المؤسِّسة المشاركة لمنصّة "بشر الصعيد" Humans of Upper Egypt، فاتن أبو بكر، أنها انضمت عام 2020 إلى المنصة التي أسسها محمود هواري عام 2011، بهدف "تصحيح المفاهيم وكسر الصورة النمطية المأخوذة عن صعيد مصر، المتمثلة في حصر مجتمع بأكمله بالفقر، والجهل، والمرض، والثأر وغيرها من صور التخلّف والرجعية".
وأشارت أبو بكر إلى أنّ صعيد مصر، الذي يُعرف أيضًا بمصر العليا، كان ولا يزال "أصل ومنبع الحضارات والفنون، كما أنه مسقط رأس العديد من الشعراء، والعلماء، والمثقفين الذين أضافوا إلى البشرية"، حسبما ذكرته.
وتطمح المنصة إلى تعميق التواصل بين مختلف طوائف المجتمع من خلال توثيق التراث الجنوبي بمختلف أنواعه، ونشر القيم، والثقافة، والعادات والتقاليد في مجتمع صعيد مصر، من خلال التصوير الفوتوغرافي والسينمائي وغيرها من الوسائل البصرية الممكنة، والأدوات اللوجستية المتاحة، للتأسيس لذاكرة بصريّة تساهم في الحفاظ على التراث الصعيدي.
وأضافت أبو بكر: "في اعتقادنا، الصورة هي العنصر الرئيسي لتحسين المجتمع ورفع قيم الإنسانية".
وتتناول منصة بشر الصعيد - Humans of Upper Egypt العديد من المواضيع والقضايا التي تخص حياة أهل صعيد مصر بمختلف جوانبها، إذ تدرس المجتمع بعاداته وتقاليده، وأزيائه، واحتفالاته، ولكنته، وعمارته، وفق أبو بكر.
وتشرح أبو بكر عن دور المنصة بالقول: "ببساطة نحن نربط بين الماضي والحاضر وندرّس سلوك الإنسان، ومدى تأثير البيئة المحيطة عليه في تكوين شخصيته ورؤيته، وبالتالي تأثيره على تلك البيئة"، مضيفةً أن ما تقوم به المنصة أشبه بدراسة الإنسان ولكن من خلال الصورة أي ما يعرف بالأنثروبولوجيا البصرية.
وتتابع: "ما نراه على منصة Humans of Upper Egypt ليس مجرد صورة إنّما أصل وتأصيل للحكاية، حكاية بشر مصر العليا".
وبالطبع، لم يخلُ إنشاء مثل هذه المنصة من التحديات، لعلّ أبرزها أنّ المؤسس، هواري، لم يجد بداية جهًة تتبنى هذه الفكرة وتبادر إلى تمويلها، لذلك تكبّد عناء هذا الدور من منطلق إيمانه بهذه القضية، التي يطمح أن يصل صداها إلى العالم، على حد تعبير أبو بكر.
وعلى سبيل المثال، من ضمن القضايا التي ناقشتها المنصة توثيق الألعاب الشعبية التراثية، وبعد بذل مجهود كبير والتجوال في صعيد مصر، تمكن هواري، من توثيق عدد كبير من الألعاب الشعبية، من ضمنها لعبة التحطيب، والتي قامت منظمة اليونسكو بتسجيلها في ما بعد ضمن قائمة التراث اللا مادي، وفقًا لما ذكرته أبو بكر.
من وجهة نظر أبو بكر، تساهم الصور في تكوين الذاكرة من خلال تخليد الأحداث والمواقف حتى وإن رحل أصحابها وانتهى زمنهم، حتى وإن ماتوا، تبقى الصورة بمثابة الشاهد الوحيد على أنهم "يومًا ما كانوا هنا"، على حد تعبيرها.