دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لِقرون خلت، احتلّت قلاع القرون الوسطى الضخمة، والمعزولة، والشاهدة على الحروب والانتصارات، مكانًة خاصة في المخيّلة الغربية، فهي تستحضر التاريخ، والفانتازيا، والحرب، والرومانسية في آن. كما أنّها شكّلت خلفيات للأعمال التاريخية، وكتب الأطفال، وكتيبات السفر، والأزياء.
لكن الكاتب والمصوّر فريديريك شوبان، في كتابه الأخير، "العصر الحجري: قلاع أوروبا القديمة"، لم يقدم الصورة النمطية المألوفة، واستخدم النثر والتصوير الفوتوغرافي للربط بين العصور الوسطى والحداثة.
وقال لـCNN إنّه "بدلاً من النظر إليها على أنها بقايا تاريخية، رغبت في بناء صلة بين العمارة البدائية للغاية وأسس ومبادئ الحداثة التي أُرسيت في مطلع القرن العشرين، وذلك من خلال الأعمال النظرية لأدولف لوس، أو لو كوربوزييه"، مشيرًا إلى أنّ المنظّرين والمهندسين المعماريين المؤثرين ناهضوا الزخرفة والأشكال النظيفة المبجّلة.
وأوضح شوبان أنّ "الشكل يتبع المبدأ الوظيفي له، وهذا الأمر معبّرٌ عنه بدقة في هذه العمارة البدائية للغاية".
وبُنيت القلاع للمرة الأولى في القرن العاشر كبديل للمباني الخشبية، حتى تكون مساكن محصّنة للطبقة الحاكمة. وطغى مبدأ الحماية على التصميم، فبُنيت الأبراج العالية لحماية السكان من التهديدات الخارجية، بينما لعبت البحيرات المحيطة بالقلاع دورًا دفاعيًا بدلاً من المسطحات المياه، وتكيفت التصاميم حتى تلائم قواعد الحرب المتغيرة، أو الاحتياجات المنزلية لسكان القلعة.
ويُعتبر "العصر الحجري" هو كتاب شوبان الثاني، بعد الأول بعنوان "المنشآت الشيوعية الكونية المصوّرة" (CCCP: Cosmic Communist Constructions) الصادر عام 2011، وهو كتاب أنيق استغرق إنجازه سبع سنوات من البحث في الهندسة المعمارية التي طبعت الاتحاد السوفييتي والتصوير.
لكن شوبان حمل آلة تصوير كبيرة الحجم من أجل كتابه الثاني، وسافر إلى المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، ودول البلطيق ومناطق أخرى، وصوّر أكثر من 200 قلعة، بُنيت بين القرنين العاشر والخامس عشر.
وعند اختياره النهائي للصور التي ضمّنها كتابه، قدّم شوبان مواقع القلاع المؤثّرة، وبساطة عمارتها على أهميتها التاريخية، حتى تتماشى وموضوعه الأساس. ورأى أنّ ذلك "يتعلّق بالسياق أكثر من المباني نفسها"، لافتًا إلى أنّ القلاع "الأكثر أهمية بينها هي تلك المعزولة فعلًا، بحيث ينتابك شعور بأنك تكتشفها للتو".
دور القلاع.. وتطوّرها إلى قصور
وكعادته، التقط شوبان صورًا للقلاع كلّما اقترب منها، ووثّق عظمتها عندما دخلت حقل نظره لأول مرة. وتبدو قلعة غريمبورغ في ألمانيا مثلًا، للوهلة الأولى داكنة وسط الطبيعة البيضاء المحيطة بها المغطاة بالجليد، بينما تفصل بحيرة هادئة المصوّر عن قلعة "ستاكر" في اسكتلندا. وأمل شوبان بنقل "اللحظات الاستثنائية لرؤيتك الأولى للمنشأة".
وأوضح: "غالبًا ما أقوم بتصوير القلعة عن بُعد، لأنك تكتشف المباني عن بُعد، في العادة"، مشيرًا إلى أنّ هدفه دعوة الناس للسفر معه.
وأُعجب المصوّر على نحو خاص بقصر كيريبوس المبني من الحجر الرملي المدمّر في جنوب فرنسا، وقلعة مانكيوسبيزيه بأفيلا في إسبانيا، التي بُنيت من الغرانيت المحلي، والقلاع التي تعكس ارتباطًا طبيعيا بمحيطها، و"تبدو كأنها تنبثق من الأرض"، على حد تعبير شوبان.
وقُسّم الكتاب إلى فصول بحسب الموضوع، وتناولت أصول وتطوّر القلاع، والسياق الجيوسياسي لتطوّرها، ثم هجرها لاحقًا. وبينما تتشارك المنشآت التي التقط شوبان صورها أوجه الشبه من حيث المواد والتصاميم الأساسية، فقد وجد أنّ تنظيمها من خلال اتباع تسلسل زمني يمثّل تحديًا.
وقال: "من الصعب جدًّا ربطها بفترة زمنية محدّدة لأنّ القلاع الأوروبية التي كنت أصوّرها بُنيت في القرون الوسطى، أي حوالي القرن العاشر، غير أنّها شهدت تحوّلات كبيرة على مرّ القرون".
وعلى سبيل المثال، فإن القلاع التي صوّرها شوبان في وايلز المبنية في القرن الثالث عشر طرأ عليها تعديلات عبر الزمن حتى تتماشى مع تطور الأسلحة واستراتيجيات الحرب.
كما أن الكاثوليك أعادوا تصميم القلاع المغربية في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل جذري، واستولوا عليها في ما بعد. ومع اقتراب عصر النهضة، وانتفاء تهديد الغزو شبه المستمر، أدخلت عناصر زخرفية إلى القلاع، وتوسّعت النوافذ حتى تصبح كبيرة لتسهيل انتقال القلعة إلى قصر.
وأوضح شوبان أنّه "لم يعد هناك سبب منذ مطلع القرن الخامس عشر، لتبقى مهمة هذه القلاع دفاعية، لذلك تحوّلت إلى قصور، أو هُجرت حتى تتلاشى".
ورأى أنّ تقسيم القلاع بحسب الموقع بلا جدوى، ذلك أنّ الحدود الأوروبية شهدت تحوّلا مستمرًا عبر القرون التي تناولها الكتاب. ورأى أن كثرة حملات الغزو يفسّر مسار القلاع النورماندية خلال حقبة الحروب الصليبية بين إنجلترا الحديثة والشرق الأوسط، والتزاوج بين الممالك انعكس أيضًا على أساليب العمارة التي استُخدمت على نطاق واسع وتكيفت حتى تتوافق مع اللهجات المحلية.
ولكن، في النهاية، هذه الفجوة لجهة التماسك البصري يعتبرها شوبان مصدر جذب، وليس إخفاقًا، إذ قال: "لقد تأثرت كثيرا بمروحة الاختلافات أكثر من أوجه الشبه"، مشيرًا إلى أنّ التصنيف الكبير جدًا لتلك القلاع جعل التعامل مع الموضوع أكثر صعوبة، لكنه في الوقت عينه أكثر إثارة للاهتمام.