دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في يناير/ كانون الثاني 2022، بدأ فريق من المطوّرين، والمهندسين المعماريين، والاستشاريين البيئيين العمل على مشروع يمتد لـ50 عامًا، يهدف لبناء شبه جزيرة من صنع الإنسان تبلغ مساحتها 271 فدانًا، وصُمّمت من أجل حماية مدينة كوبنهاغن من ارتفاع منسوب مياه البحر.. وفي حال اكتمال المشروع، سيصبح من أحد أكثر مخططات البنى التحتية طموحًا وإثارة للجدل في الدنمارك حتى الآن.
وترى شركة التطوير العقاري "By & Havn" أنّ التصميم الذي يشبه الرأس، والمعروف باسم "Lynetteholm"، ضروري لحماية المدينة الساحلية، ويسلّط الضوء على تاريخ كوبنهاغن المليء بالعواصف الخطيرة والفيضانات الشديدة. وقال هانز فاسيوس، مدير الشركة، خلال زيارته للموقع إن "التوقعات المناخية لا تتحسّن، لذا علينا تغيير الواقع، إذا استطعنا".
لكن المشروع البيئي الذي تبلغ كلفته ملايين عدة من الدولارات أثار انتقادات شديدة، لا سيّما بين مناصري المناخ.
وأشار المعارضون لمشروع "Lynetteholm"، إلى أنّ ما يثير قلقهم في بناء شبه الجزيرة يتمثل بالضرر الذي سيلحقه المشروع فعليًا بالموائل، وتلوّث المياه المحيطة، وتسمّم موانئ المدينة، والإخلال بتوازن الملوحة الدقيق في بحر البلطيق.
وقوبل قرار الموافقة على مشروع "Lynetteholm" من خلال تصويت برلماني في يونيو/ حزيران 2021، بغضب عام واحتجاجات، وحتى محاولة اتخاذ إجراء قانوني. إذ توجّهت مجموعة "أوقفوا لينيتهولم!" على "فيسبوك" إلى خارج البرلمان الدنماركي للتظاهر ضد المشروع.
وفي يونيو/ حزيران 2021، قدمت منظمة المناخ "Klimabevægelsen" دعوى أمام البرلمان الأوروبي تزعم فيها أنّ الحكومة الدنماركية انتهكت قانون الاتحاد الأوروبي من خلال عدم إجراء أي تقييم مناسب للأثر البيئي الناتج عن مشروع "Lynetteholm"، ورفضت المفوضية الأوروبية الشكوى في سبتمبر/ أيلول.
وخلال حفل وضع حجر الأساس للمشروع الذي أقيم في يناير/ كانون الثاني 2022، تجمعّ المتظاهرون حول عمدة كوبنهاغن صوفي هيستورب أندرسن، ووزير النقل في المدينة بيني إنجيلبريشت، والرئيسية التنفيذية لشركة By & Havn، آن سكوفبرو، أثناء جرفهم رمزيًا لأكوام لينتهولم الترابية الأولى. حتى أن أحد المتظاهرين تمدّد على الأرض أثناء التصوير، بحسب ما نقلت صحيفة "كوبنهاغن بوست" المحلية.
ارتفاع منسوب مياه البحر
وتتوقّع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ارتفاعًا بمستوى سطح البحر العالمي من 9 إلى 12 بوصة إضافية بحلول عام 2050، بالإضافة إلى ارتفاع من 8 إلى 9 بوصات منذ الثورة الصناعية. وتتوقّع الأبحاث أن تكون كوبنهاغن إحدى أكثر المناطق تضررًا جرّاء ذلك، حيث ترتفع أجزاء من المدينة بضعة أقدام فقط عن سطح البحر.
وقال فاسيوس: "ستغرق أجزاء كبيرة من كوبنهاغن والمناطق المحيطة بها"، لافتًا إلى أنّ "المترو (قطار الأنفاق) سيغرق بأسوأ الحالات، وسيتوقفون عن العمل لمدة عام. وستتضرّر كوبنهاغن بشدة".
ورغم عدم وجود الكثير لرؤيته حتى الآن، إلا أنّ تصاميم مشروع "Lynetteholm" تحدّد شبه الجزيرة على شكل جناح الخفاش مع سد غربي صغير يحمي ميناء المدينة. وسيواجه خط ساحلي اصطناعي مضيق أوريسند المائي المتّصل ببحر البلطيق.
ويأمل مهندسو المناظر الطبيعية أن يكون هذا مثالاً على "التصميم التكيفي" القابل للتعديل مستقبلًا، بدلاً من جدار البحر الخرساني النموذجي. ويعتقد المصمّمون أنّ ساحل "Lynetteholm" من صنع الإنسان سيمتص ويبدّد الموجات المرتقبة، إسوة بالدور الذي يلعبه الشاطئ الطبيعي الذي يُخفّف ويعكس طاقة الأمواج القوية. لكنّ يرى المهندسون المعماريون أنّ الخط الساحلي الواسع والخشن سيكون تعزيزه أسهل بكثير.
وأشار أوليه شرودر، الشريك في "Tredje Natur"، إحدى شركات الهندسة المعمارية المشاركة في المشروع: "بدلاً من الارتفاع الرأسي، نتوسّع".
وأضاف أنه "لو كان جدارًا عموديًا سيكون هشًا في مواجهة ارتفاع منسوب البحر فوقه بفعل الأمواج". وتابع: "لكن هنا، يمكننا تجميع الأمواج بشكل أفضل من خلال منظر طبيعي للشاطئ يمتصّها، وذلك بفضل مقاربة أقرب للطبيعة".
وبالتوازي، يأمل مهندسو المناظر الطبيعية أن يؤدي الخط الساحلي للمشروع، الذي وضعوا تصوّره، وأطلقوا عليه اسم "مسار المشهد الطبيعي"، إلى تعزيز التنوع البيولوجي على مدى السنوات العشر إلى الثلاثين التالية من خلال استحداث مزيج من الأراضي المسطحة، والغابات، والشواطئ.
وقال شرودر: "تمحورت الفكرة حول احترام الطبيعة الأساسية التي كانت هنا قبل مجيئنا".
ومن المقرر بناء 35 ألف منزل جديد على الأراضي المسطحة في "Lynetteholm"، رغم أنًّ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ تنصح بعدم إجراء تطورات جديدة في "المواقع الساحلية المكشوفة"، إلا أنها توصي بمشاريع البناء التي تعطي الأولوية لحماية النظم البيئية. وأوضح شرودر: "نحن ننشئ موائل طبيعية أو اصطناعية لتأمين بيئات للأسماك، والمحار، والأعشاب البحرية"، لافتًا إلى "أنّه ليس مجرد تصميم، بل هو مخطط لمسار سيتطور بمرور الوقت".
المشاكل
أما الانتقادات الموجهة للمشروع متعددة الأوجه، حيث أعرب معارضو مشروع "Lynetteholm" عن مخاوفهم من أن تصبح شبه الجزيرة مثالاً على سوء التكيف.
وقد أثار موقع المشروع المختار انتقادات بشأن التهديدات المحتملة للتوازن الملحي الدقيق للمياه المحيطة، التي قد تقتل الكائنات الحية المحلية، وتدمّر الموائل. واضطرت شركة "By & Havn" أيضًا إلى تغيير خطط البناء بعدما زعم المتظاهرون أنّ إغراق التربة المحفورة في موانئ المدينة قد يلوث المياه، ويلحق الضرر بالحياة البرية.
وإلى ذلك، أثارت ميزانية المشروع المتغيرة قضية أخرى. حيث قُدرت كلفة البناء الأولية بـ2.4 مليار كرونة دانمركية (حوالي 350 مليون دولار)، ثمّ ارتفعت إلى 3.4 مليار كرونة دانمركية (حوالي 492 مليون دولار)، وفقًا لمتحدث باسم المشروع.
وقال نيكولاس وولهيد، أحد أعضاء مجموعة الاحتجاج، إن الشباب المعارضين للمشروع "يشعرون بأن وكالتهم تنتزع". وأضاف أنّ "الخطط التي يتم وضعها تربطهم بميزانية تتراوح بين 70 أو 100 عام مقبلة".
فجر جديد لتصميم المناخ
وليس "Lynetteholm" المشروع الوحيد من نوعه في أفق كوبنهاغن. وفي الواقع، من المقرر بناء أرخبيل كامل من صنع الإنسان بالميناء في السنوات التالية. وقد تمّ تطوير المشروع أيضًا مع مراعاة ارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات الحضرية، من قبل شركة "MAST" المعمارية التي تقوم حاليًا بوضع نموذج أولي لمنصات الأجنحة العائمة التي تأمل بإمكانية استخدامها يومًا ما لبناء منازل على الماء.
وفعليًا تم الانتهاء من بناء أول جزيرة تُسمى CPH-Ø1، في عام 2018.
ومن الواضح أن ثمة موجة جديدة من الهندسة المعمارية تركز على المناخ. والمزيد من الشركات باتت تختار المواد المعاد تعديل وجهة استخدامها للتخفيف من أثر الطوارئ البيئية، أو اختبار تقنيات البناء المتطورة، على غرار شركة "MAST"، للتكيف بشكل أفضل مع الظروف المختلفة. ويسعى مهندسو المناظر الطبيعية، على غرار من يقفون وراء مشروع "Lynetteholm"، حتى يكونوا أكثر مرونة مع واقع التغيّر المناخي، من خلال وضع تصميم تكيفي.
وبينما يبدو ألًّا عودة حاليًا عن هذا القرار، حيث أن المرحلة الأولى من بناء "Lynetteholm" تمّت جدولتها وتكتمل بحلول مطلع عام 2023، فإن أحد أكبر تحديات المشروع ستتمثل بإقناع الجمهور. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن شركة "By & Havn" أنها ستعقد اجتماعات للمواطنين مع 66 عضوًا من الجمهور في كوبنهاغن والمنطقة المحيطة، سعيًا منها لمحاولة التخفيف من الانتقادات المتزايدة.
وأكدّ فاسيوس: "ما زلت أعتقد أن البرلمان والبلدية يشكلان دعمًا لنا". وأوضح أن ثمة "شريحة معارضة من الدنماركيين لهذا المشروع، بالتأكيد، هناك الكثير من الأفراد ضدنا، وقد يكون لديهم أفكارهم الخاصة. بعض الناس الذين يعيشون هنا لا يعتقدون أن هذا عامل جذب، ويمكنني تفهّم ذلك".