تصاميم مقاومة لتغيرات المناخ .."الحضارة الإنسانية ستعيش أكثر على سطح الماء قريبًا"

ستايل
نشر
8 دقائق قراءة
تصاميم مقاومة للمناخ قيد التجربة.. "الحضارة الإنسانية ستعيش أكثر على الماء قريبًا"
صورة لمركز ماكوكو الموسيفي العائم (Makoko Floating Music Hub) في لاغوس، نيجيريا.تصوير: Courtesy NLÉ

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بينما تسعى البشرية إلى معالجة أزمة المناخ، ثمة حقائق تتعلّق بمناخنا المتغيّر علينا التعايش معها.

وترتفع مستويات البحر بوتيرة متسارعة، إذ حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن مجتمعات ودول بأكملها قد تختفي في العقود المقبلة نتيجة لذلك، لافتًا إلى أن هذا الخطر الكبير قد يطال نحو 900 مليون شخص تقريبًا يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة.

وعانت الكثير من المجتمعات بالفعل من فيضانات مدمرة، لكن عوض بناء جدران بحرية لمحاولة إبعاد المياه، أو رفع المنازل على ركائز متينة، فإن بعض المهندسين المعماريين يقومون بتضميم منشآت للعيش على سطح المياه.

وكانت المقترحات الخاصة بالمدن العائمة "المقاومة للمناخ"، ضمنًا مستوطنة طموحة للمحيطات في كوريا الجنوبية وأخرى كبيرة تكفي لإيواء 20 الف شخص في جزر المالديف، قد تصدّرت عناوين الأخبار. لكن المشاريع الحالية، من لاغوس إلى روتردام، تُظهر كيف يمكن أن تبدو الحياة على المياه، وبطرق يمكن توسيع نطاقها.

ويستضيف متحف المعهد الجديد "Nieuwe Instituut" في المدينة الهولندية روتردام، معرض"Water Cities Rotterdam" الجديد الذي يعرض أعمال NLÉ، أي أسلوب معماري وضعه كونليه أدييميه (Kunlé Adeyemi) الذي كان يبحث ويختبر العمارة العائمة في جميع أنحاء العالم.

وأُنشئت سلسلة من الأجنحة العائمة ضمن مشروع "Makoko Floating School" الذي نال استحسان النقاد في أمستردام ولاغوس.

مدن عائمة
صورة جوية لمركز ماكوكو الموسيقي العائم (Makoko Floating Music Hub). تصوير: Courtesy NLÉ

وماكوكو تُعد منطقة مركزية في لاغوس، بنيجيريا، حيث يعيش آلاف الناس في هياكل خشبية عشوائية قائمة على ركائز متينة في البحيرة، ومستوحاة من المستوطنة، حيث شيّد أدييميه مدرسة لسكانها، في عام 2012.

وفي حديث مع CNN، أشار المهندس المعماري إلى فيضان هائل ضرب لاغوس في عام 2011، قائلًا: "غطت المياه شوارع بأكملها، وأدركت حينها أنّ المدن ستغرق، لكن سكان ماكوكو كانوا يتأقلمون بالفعل".

وكان في الإمكان الوصول إلى المدرسة الخشبية المثلثة على شكل حرف A بواسطة القوارب، وتضم فصولًا محمية، ومساحة لعب مشتركة لعشرات الأطفال. وعوض الوقوف على ركائز متينة، كان الهيكل يطفو على قاعدة براميل بلاستيكية. (انهارت المدرسة بعد بضع سنوات، رغم أنّ NLÉ أوضح أن الهدف منها كان دومًا أن تكون مؤقتة، وزعم أنّ نقص الصيانة والإدارة الجماعية أدى إلى تدهورها).

وتعلّم أدييميه من هذا المشروع والأبحاث الجارية الواردة في كتابه الجديد "مدن المياه الأفريقية"، كيفية تطوّير أسلوب نظام ماكوكو العائم (MFS)، وهو مجموعة من الهياكل الخشبية المستدامة التي يمكن تجميعها بسرعة وتفكيكها أينما ومتى لزم الأمر. وتتميز بنظام معياري، مع وصلات فولاذية أكثر كفاءة، ومصممة بشكل كبير لاستيفاء قوانين البناء الأوروبية.

مدن عائمة
تم إنشاء معرض "Water Cities Rotterdam" بالتعاون مع المهندس المعماري كوليه أدييميه (Kunlé Adeyemi) وشركته NLÉ التي تتخذ من أمستردام مقرًا لها، ويضم سلسلة من الأجنحة العائمة.تصوير: Courtesy NLÉ

ويتكون نظام ماكوكو العائم (MFS) من أجزاء مسبقة الصنع ومسطحة يمكن إنشاؤها بواسطة فريق مكون من خمسة أشخاص خلال أسبوعين، من دون استخدام معدات ثقيلة أو رافعات. وأشار أدييميه إلى أنّ "هدفنا إيجاد حل شامل لا يهمل أي شخص في هذه المرحلة من التكيّف مع المناخ، وللتأكد، بالتوازي مع تطور العالم، أنّه لدينا القدرة على مساعدة المجتمعات الأكثر ضعفًا".

ويقدم النظام نسخًا صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم من الهيكل المثلث الشكل A. ويعتقد أدييميه أنه يمكن استخدام نظام ماكوكو العائم لمجموعة متنوعة من الأغراض، من الإسكان إلى التعليم، وهو "حل يمكن تطبيقه عالميًا". ولقد قام ببناء النظام في بلدان مختلفة، بينها إيطاليا، وبلجيكا، والصين، بهدف اختباره في مختلف الظروف المناخية والمائية.

وفي عام 2021، ترسخ هذا المفهوم بشكل شبه دائم في مينديلو، وهي مدينة ساحلية في جمهورية الرأس الأخضر قبالة سواحل غرب إفريقيا، على شكل "مركز موسيقى" عائم. وينتشر المركز الثقافي عبر ثلاثة أجنحة مثلثة من الخشب والصلب، ويضم مساحة للأداء، وحانة، ومطعم، واستوديو تسجيل، وجميعها عائمة في البحر، ومتصلة بالشاطئ عبر ممر.

تعلّم العيش مع الماء

وربما يكون عرض نسخ عن نظام ماكاكو العائم الخاص بأدييميه الآن في روتردام مناسبًا. وتُعتبر روتردام المدينة الأكثر عرضة لارتفاع المياه في هولندا. ومع وجود 90٪ من المدينة تحت مستوى سطح البحر، فإن مشهد العمارة العائمة لا يُعتبر بالأمر الجديد. إذ يمكن العثور على أمثلة من العديد من شركات التصميم التي تتصارع مع مستقبل مائي في جميع أنحاء المدينة.

أما أحد المشاريع الذي اكتمل هذا العام، وأُطلق عليه اسم "Nassauhaven"، فيضم 17 منزلًا عائمًا أنشأتها شركة محلية "Public Domain Architects". وفاز التصميم بمسابقة أقامتها حكومة المدينة لتطوير مشروع تجريبي للعمارة العائمة يمكن أن يساعد على ضمان مستقبل روتردام.

وقال بيتر فيجدور، الرئيس التنفيذي لشركة "PDA"، لـCNN: "نحن في مدينة دلتا ومستويات المياه تتغير". ولفت إلى أن الاهتمام بالمباني العائمة تزايد في السنوات القليلة الماضية، وتم افتتاح مجمع مكاتب عائم ومزرعة عائمة في المدينة، أيضًا.

مدن عائمة
أطلق على مشروع Nassauhaven السكني في مدينة روتردام الهولندية اسم "الشارع العائم".Credit: Public Domain Architects

وأعطي مشروع "Nassauhaven" لقب أول منطقة سكنية عائمة في المدينة.

وتقوم المنازل الخشبية على عوامات خرسانية متصلة بأعمدة بأرضية المرفأ، وبواسطة ممرات على الأرض. ترتفع وتنخفض بلطف مع حركة المد والجزر اليومية، بينما تظل مستقرة ومريحة للسكان.

وتم تصميم المباني كي تكون محايدة من حيث الطاقة، وتتمتّع بميزات الاستدامة مثل الألواح الشمسية، وتدفئة الكتلة الحيوية، وتنقية مياه الصرف الصحي في الموقع.

ورأى فيجدور أن البناء على الماء هو أحد الخيارات القليلة المتبقية عندما يتعلق الأمر بالسكن الجديد في روتردام. ويعتقد أنه أكثر مرونة من مجرد إنشاء حواجز لإبقاء المياه بعيدًا عن المباني على الأرض. وأوضح: "على سطح الماء، يتواجد الأشخاص في أكثر الأماكن أمانًا للتكيّف مع المناخ".

وتعمل شركة "PDA" على المزيد من المشاريع العائمة، في بنغلاديش بالإضافة إلى أخرى في روتردام. وتأمل الشركة أيضًا بتوسيع برنامج "Nassauhaven" التجريبي، إذ قال فيجدور: "نود الآن إنشاء مربع عائم صغير يتألف من 100 منزل تقريبًا".

وتتمتع أداييميه بخطط مماثلة لحي نظام ماكوكو العائم في أمستردام، حيث تعمل شركته على توسيع نظام الهياكل العائمة لتشمل "كاشطات المياه" متعددة الطبقات.

ويعتقد أدييميه أنه إلى الآن، لم يكن هناك ما يكفي من الأبحاث حول كيفية البناء والعيش على سطح المياه، التي تشكل 70٪ من سطح الأرض. ويهدف العمل المعروض في متحف المعهد الجديد (Nieuwe Instituut)، وفي الكتاب الجديد للمهندس المعماري، إلى البدء بسد هذه الفجوة في ضوء ارتفاع مستويات سطح البحر.

وخلص أدييميه إلى القول إنه "في المستقبل القريب، ستعيش الحضارة الإنسانية أكثر على سطح الماء".