دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما كُلّف المصمم الإيطالي جياكومو مور بصنع أثاث لمدرسة بأحد الأحياء الفقيرة في نيروبي بكينيا الخريف الماضي، أدرك على الفور ما يريد أن يصنعه، أي قطع من الأثاث عملية وسهلة التجميع.
وقال مور خلال زيارة CNN إلى الاستوديو الخاص به في ميلانو بإيطاليا: "كانت كلمة التبسيط هي الكلمة التي تبادرت إلى ذهني على الفور"، مضيفًا: "كنت أعلم أنه يتعين علي الالتزام بالأساسيات والتفكير في الإنتاج بأكمله بطريقة أولية".
وبالفعل، تبدو المجموعة الناتجة عن الأسرّة، والمقاعد، والطاولات بسيطة من حيث البناء والتصميم.
ويمكن بناء الأثاث الذي صممه مور في الموقع باستخدام قطع خشبية يمكن للسكان المحليين قطعها بأنفسهم اعتمادا على المخططات.
ولا يتطلب التجميع سوى عدد قليل من الأدوات الأساسية - إزميل، ومربع النجارة، وقلم رصاص - وذلك بفضل نظام قابل للتكيّف من المفاصل المتشابكة.
وأوضح مور أن الجوانب العملية لهذه العناصر، التي تتألف من خطوط من دون زخرفة، لم تمنعها من أن تصبح مدعاة للفخر بالنسبة لطلاب أكاديمية "Why Not Academy"، وهي المدرسة الابتدائية التي صُممت من أجلها.
وأضاف أنه "تصميم مخصص لإفادة المجتمع، لذلك يضع الوظيفية في المقام الأول ولكنه في الوقت ذاته لا يتنازل عن الشكل. إنها فكرة متواضعة".
البناء من أجل المجتمعات ومعها
نتج مشروع مور، الذي أُطلق عليه اسم "التصميم من أجل المجتمعات"، عن تعاونه مع منظمة "LiveInSlums"، وهي منظمة غير حكومية إيطالية تعمل في المستوطنات الحضرية غير الرسمية من حول العالم.
وأشارت مديرة المنظمة، سيلفيا أورازي، إلى أنه من المهم أن يشارك طلاب المدرسة في ماثاري، أحد أقدم الأحياء الفقيرة في نيروبي، في عملية صنع الأثاث وأن يكون لهم رأي في كيفية تصميم مساحاتهم.
وقالت أورازي لـ CNN في مقابلة عبر الهاتف: "لا نريد أن نأتي ونصلح أي مشكلة مطروحة ونغادر. الهدف الأساسي من LiveInSlums هو العمل جنبًا إلى جنب مع السكان لضمان حدوث التغيير وفقًا لشروطهم الخاصة".
ودعت المنظمة غير الحكومية مور إلى العاصمة الكينية العام الماضي لتجميع النماذج الأولية إلى جانب مجموعة من 8 أفراد من السكان المحليين.
ويتذكر المصمم قائلاً: "ذهبت مع نموذج المخطط وبعض الرسومات. لكن أعمال التجميع أجريت كتمرين جماعي. انتهى بي الأمر بقضاء ثلاثة أيام فقط في المدرسة، لذلك، بنيت كل قطعة بالكامل بواسطة الأشخاص الذين عملت معهم".
وأضاف: "كان ضمان قدرتهم على بناء القطع بشكل مستقل أمرًا أساسيًا. لقد قدمت لهم المخططات فقط".
وكان كيفن أوتشينج، وهو صانع أرضيات من البلاط، أحد العمال الذين شاركوا في بناء النموذج الأولي.
وأوضح لـ CNN عبر الهاتف من ماثاري: "بعد أن شرح مور خطوات بناء الأثاث، كان من السهل إلى حد ما المضي قدمًا من دونه"، لافتًا إلى أن "العملية برمتها كانت بديهية للغاية. لقد استغرق الأمر يومًا واحدًا فقط للتعلم، وهو ما كان مفاجئًا للغاية".
وفي إيطاليا، يدير مور فريقًا متعدد التخصصات من صانعي الأخشاب في الاستوديو الخاص به في ميلانو، والذي يتحول أيضًا إلى ورشة عمل.
ولفتت أورازي إلى إن النهج العملي الذي يتبعه المصمم هو السبب وراء اختيار منظمة "LiveInSlums" له لإنجاز المشروع.
وأضافت: "لقد كان المرشح المثالي بالنسبة لنا، لأنه يفهم الخشب ويعرف كيفية التعامل معه، موضحًا أنه"في ماثاري، لا يمكننا الوصول إلى الكثير من المواد الأخرى، لذلك كان علينا التأكد من أن المبدعين المشاركين سيشعرون بالراحة ضمن هذه الحدود".
وبمجرد عودة مور إلى إيطاليا، قام أوتشينغ، الذي لم يسبق له العمل مع الخشب من قبل، بإرسال مقاطع فيديو وصور للمصمم على منصة "إنستغرام" للتأكد من أنهم ما زالوا يقومون بالأمر بشكل صحيح.
وقال أوتشينج: "يقوم بالرد، ونواصل البناء. كان كل شيء سلسًا جدًا. لقد جعلني أشعر بالفخر الشديد لأنني أتقنت ذلك بسرعة".
وحتى الآن، قامت أكاديمية "Why Not Academy" بتركيب عشرات من العناصر الخاصة بمور في المقصف والمسكن الخاص بها.
وكانت المفاصل المستخدمة خالية من الغراء ومستوحاة من تقنيات النجارة التي استخدمها المصمم منذ فترة طويلة في الاستوديو الخاص به. وأوضح مور أن "المفاصل المتشابكة غالبا ما تُستخدم في الخزانات بسبب قوتها وجاذبيتها".
وأضاف: "لقد قمت بإعادة تفسيرها بطريقة لا تتطلب سوى عدد قليل من الأدوات وقمت بتبسيط التقنية بأكملها إلى أقصى الحدود. الأمر أشبه بالبناء بقطع الليغو".
ورغم أنه يمكن تأمين المفاصل من دون الحاجة إلى أدوات تثبيت معدنية، إلا أن مور يطلب من القائمين على تجميع الأثاث أن يقوموا بدق أربعة مسامير داعمة بكل قطعة في النهاية "لمزيد من الأمان"، رغم أنها "في الواقع ليست" ضرورة "من حيث الاستقرار الهيكلي.
في مرحلة التخطيط، قام المصمم بالبحث عن نوع الخشب الذي سيكون متاحًا بسهولة في ماثاري - وبالتحديد الأوكالبتوس - وقام بتصميم القطع وفقًا لذلك لضمان الاستدامة وقابلية التوسع على المدى الطويل.
ويمكن استبدال الأجزاء الخشبية الفردية في حالة تلفها أو تعرضها للعوامل الجوية، ويمكن أيضًا استخدامها في أنواع مختلفة من الأثاث، بحسب الحاجة.
ورغم التصميمات الأساسية، إلا أن المظهر كان مهمًا أيضًا. وقال مور: "كان من المهم بالنسبة لي أن أقدم شيئًا يبدو جيدًا، رغم بساطته من الناحية الجمالية".
ويأمل مور أن يستخدم أثاثه في أجزاء أخرى من العالم بموارد محدودة. ومع ذلك، فإنه يركز حاليًا على تعاونه التالي مع "LiveInSlums"، والذي سيشهد عودته إلى ماثاري في يناير/ كانون الثاني لإعادة تصميم مطبخ المدرسة.