دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- نشأ المصور جيمي ماكغريغور سميث في المملكة المتحدة، وكان خبيرًا بالكنائس التقليدية وهندستها المعمارية التاريخية. لكن في عام 2018، حين انتقل مع عائلته إلى فيينا بالنمسا، لاحظ أنّ الكاتدرائيات والكنائس في جميع أنحاء أوروبا مبنية وفق الطراز المعماري الخمومي أو الوحشي (الذي يستخدم الخرسانة الخام) للقرن العشرين.
أثار هذا الأمر دهشته، وخطّط للقيام بسلسلة رحلات قطار عبر أوروبا لمعرفة المزيد عن أماكن العبادة الحديثة هذه. وعلى مدار أربع سنوات، قام ماكغريغور سميث بتصوير قرابة 200 كنيسة في ثمانية دول، صُمّمت وبُنيت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وفي حديث لماكغريغور سميث مع CNN، قال: "رغم أنّ (الكنائس) يبلغ عمرها الآن 50 عامًا، إلا أنها ما زالت تمنحك هذا الشعور بالانتقال إلى مكان خالد في المستقبل".
أما عصارة هذا الترحال فتلقفتها صفحات كتاب جديد بعنوان "الحداثة المقدسة: العناق المقدس للعمارة الحداثية"، ضمّ بين دفتيه 139 صورة فوتوغرافية لهذه المباني المذهلة، وأعمال النحت الراقي، والهندسة والعمارة، بقدر ما هي هياكل تم إنشاؤها لغرض روحي.
وبين هذه الصور يبرز النمط الخرساني المثلث الذي اعتمد في كنيسة ماريانو دي مونتي غريسا، في مدينة تريستي الإيطالية، الذي تم الانتهاء من بنائها في عام 1965، والتصاميم الداخلية الكهفية البسيطة لـChristi Auferstehung Kirche في كولونيا الألمانية المنجزة في عام 1970، والمناظر الجوية للهيكل الشبيه بالكونسرتينا لـMehrzweckhalle der Schulschwestern في غراتس النمساوية التي افتتحت عام 1979.
قال ماكغريغور سميث، الذي تُعرض صوره الفوتوغرافية من المشروع حاليًا في TU Wien (جامعة فيينا للتكنولوجيا): "تحاول الكنائس دومًا استحداث هذا الواقع البديل، لذلك عندما تدخل إليها، فإنك تُقدّر القوة التي تتجاوز التجربة اليومية. فأنت على وشك الدخول إلى عالم مخدّر".
قد لا تبدو المؤسسة التقليدية للكنيسة الشريك الأكثر طبيعية للهندسة المعمارية الحداثية، إلا أن أثر وإرث الحرب العالمية الثانية يوفر سياقًا اجتماعيًا وتاريخيًا مهمًا لظهورها. في المجمع الفاتيكاني الثاني، التقى الأساقفة من جميع أنحاء العالم الكاثوليكي، في مدينة الفاتيكان بين عامي 1962 و1965، وناقشوا الطرق التي يمكن للكنيسة من خلالها المضي قدمًا للتكيف مع عالم متغيّر على نحو مضطرد. وكان أحد المواضيع الذي بحث فيه التصميم المعماري للكنيسة.
وأشار ماكغريغور سميث إلى أنّ "الكنائس الكاثوليكية والإنجيلية أرادت التطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتفاؤلاً. فبعد صدمة الحرب، كان هناك العديد من الكهنة الشباب الراغبين بالعمل مع أفضل وأذكى المهندسين المعماريين الحداثيين".
تحمل نتائج هذا التعاون بعض القواسم المشتركة، بحسب ما جاء في كلام النص المرافق للصور الفوتوغرافية. إذ بنيت العديد من الكنائس التي تم تصويرها من الخرسانة أو تتميز بكثافة، وهي مادة رخيصة الثمن، وكان أحد المهندسين المعماريين يستخدمها لتجربة واختبار تصاميم جديدة رائدة.
"(المهندسون المعماريون) يستخدمون تعبير الخرسانة حين يمكنك إنشاء نماذج وأشكال لم تكن ممكنة سابقًا. ولفت ماكغريغور سميث إلى أنه "يمكنك سحب المساحة ودفعها داخل الإطار وخارجه وإنشاء واقع لم يكن ممكنًا على الإطلاق في الهندسة المعمارية العادية أو التصميم العادي".
وأضاف:"هذا ما أحبه في الكثير من هذه المباني، كم تبدو صعبة وغير واقعية. أعتقد أن الهدف دفع الناس إلى نسيان الحياة اليومية العادية، وتقدير الواقع الذي يتجاوز ما يمكن أن توفره حواسهم لهم عادة".
وأشار ماكغريغور سميث إلى العمارة الأبوفاتيكية، المتمثلة بفكرة أن اللغة البشرية والمفاهيم لا يمكنها تصوير عظمة الله بدقة، لذا كانت مهمة المهندس المعماري استخدام اللغة المرئية والتصميم لوصف ما لا يوصف. لعب استخدام المساحة السلبية، واللعب بالضوء والظلام، والشعور بالمعرفة المطلقة أدوارًا مهمة في تصميم هذه الكنائس.
كما واجه ماكغريغور سميث، بصفته المصور، تحديًا مماثلاً في التقاط هذه المساحات بالكاميرا. "الجميع يحاول بطريقة ما التعبير عما لا يمكن التعبير عنه، أو يحاول بطريقة أو بأخرى التقاط لمحة من مشهد جميل وقوي لا تستطيع الكلمات العادية وصفه".
وفيما كان يصور الكنائس التي شكّلت مشروع "الحداثة المقدسة"، تذكر ماكغريغور سميث كيف كانت في كثير من الأحيان هادئة، خالية من الحشود أو التجمعات الكبيرة التي عجّت فيها سابقًا.
وأعرب عن حبه "لتصوير السكون الفارغ لهذه الأماكن. بالنسبة لي، من العار أن هذه الأيقونات المعمارية الرائعة لا تحظى بالتقدير الكافي وغير مأهولة"، مضيفًا أنه غالبًا ما كان يحضر نهاية القداس، من دون وجود أي شخص آخر.
وتابع: "كانت فترة التصميم هذه وسيلة لإعادة الناس إلى الكنيسة وإصلاح صورتها. والآن نحن في وضع أصبحت فيه هذه الكنائس فارغة بمعظمها".
ومع تزايد العلمانية في أوروبا، تعكس كنائس "الحداثة المقدسة" ماضي المؤسسة وحاضرها ومستقبلها في آن واحد. بالنسبة إلى ماكغريغور سميث، توفر هذه المساحات إمكانيات لإشراك المجتمعات بطرق مختلفة، مع الدين، والتصميم، وكليهما.
لكن، كما هي الحال مع ظهور الكنائس الحداثية في فترة ما بعد الحرب، فإن هذا يتطلب التكيّف. وخلص إلى أنّ "الدين، عن عمد، واع للموضة. يجب على الكنيسة دومًا أن تظل حاضرة ومواكبة، وإلا فإن أبناء الرعية سيرحلون عنها".