دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في فبراير/شباط، استقلّ الفنان وصانع الحبر توماس ليتل شاحنته، وقام بجولة حول ولاية كارولينا الشمالية بهدف رسم 20 صورة صغيرة دقيقة للمناظر الطبيعية الأمريكية. تمثّل كل لوحة مدينة في ولايته التي شهدت عمليات إطلاق نار جماعي في عام 2023.
تُعد لوحات أبراج المياه ولافتات الشوارع والواجهات المبنية من الطوب بمثابة سجل بصري دقيق لكن مروع للعنف في الولايات المتحدة، وتم تصويرها مع الشعور بالغياب والخسارة. لكن المصدر غير المتوقع لألوان ليتل يجعل مشاهده أكثر قوة، إذ أن الأصباغ صُنعت من مركبات كيميائية للبنادق، تم إخراجها من التداول ثم إذابتها في محترفه.
لأكثر من خمس سنوات، يطبق ليتل هذا النوع من الكيمياء، حيث اشترى المسدسات والبنادق الآلية من محلات الرهن، وقام بإذابة الأجزاء الثقيلة من الحديد في الحمض لتكوين كبريتات الحديد، وهي أساس كتابة الأحبار، وأصباغ الفنانين باللون الأسود الداكن والأحمر الصدئ، والأصفر الدافئ. وباعتباره ابنًا لصانع أسلحة، فإن هذه الممارسة تعتبر حقًا مكتسبًا بالنسبة له، حيث يحول القطع العنفية إلى مواد تعبيرية.
وفي حديث له مع CNN، أوضح ليتل أن الحبر مادة غامضة مصنوعة من أي شيء غني بالأصباغ بالإضافة إلى الصمغ العربي. ويمكن صنع الحبر من التوت، والأوراق، والمعادن.
وأصبح ليتل مهتمًا بصنع أحبار ذات أساس حديدي، من الأجزاء الحديدية للأسلحة النارية. ومن خلال خلط كبريتات الحديد مع حمض التانيك الذي يستخرجه ليتل من طبخ نبات السماق، يحصل الحبر على ظله العميق، الذي يصبح داكنًا على سطح الورقة بمجرد تعرضه للأكسجين.
وقال ليتل: "لطالما كنت مهتمًا بالكيمياء، وأثار اهتمامي تاريخ الحبر، ولأنّ والدي كان صانع أسلحة، كان هناك دائمًا الكثير من أجزاء الأسلحة المنتشرة حولنا. لذا كان الأمر نوعًا ما هو الأمر العملي لاستخدامها. ولكن بعد ذلك أدركت مدى قوة استخدام سلاح وتحويله إلى مادة للكتابة أو مصدر فني.
بصفته رسامًا، كان ليتل يشعر في كثير من الأحيان كما أن ليس لديه أي هدف يطمح إليه، لكنّ تحويل الأسلحة إلى حبر أعطاه إحساسا بالهدف.
وأعرب عن رؤيته بأنها "تبدو وكأنها عملية علاجية للمجتمع، إذ تتمتع بهذا (الجانب) الرائع، والسحري، والتحويلي".
المناظر الطبيعية "المسكونة"
خلال رحلته في أنحاء ولاية كارولينا الشمالية، شعر ليتل كما لو أن المشاهد التي رسمها، والتي كانت تحتوي كل منها على بقايا أسلحة، كانت مسكونة بالأشباح. (لم يرسم ليتل المواقع الدقيقة لكل حادثة إطلاق نار، إذ وجد أنّ ذلك "قاتم جدًا"). وكانت المدن العشرين موطنًا لـ33 من حوادث إطلاق نار الجماعي، في العام الماضي.
يتم تعريف المصطلح على أنه إطلاق نار أدى إلى إصابة أو مقتل أربعة ضحايا بالحد الأدنى. وحصلت 656 عملية إطلاق نار في جميع أنحاء البلاد. وتُوفي قرابة 43 ألف شخص بسبب إصابات بالأسلحة النارية بجميع أنحاء الولايات المتحدة في عام 2023، وفقًا لما ذكرته قاعدة بيانات "Gun Violence Archive".
وخلّف العنف المسلح آثارًا عميقة في حياة صانع الحبر، إذ قُتلت إحدى صديقاته المقربات هيلين هيل، في نيو أورليانز خلال عام 2007 عندما دخل شخص غريب المنزل الذي كانت تتقاسمه مع زوجها وابنها الصغير، وأطلق النار عليها في منتصف الليل. ولم يتم فك لغز جريمة قتلها إلى الآن.
يتذكر ليتل قائلاً: "لقد ترك ذلك فجوة كبيرة بداخلي، ولدى عائلتها.. ومجتمعها". وتابع: "استغرق الأمر مني سنوات لتخطي هذه الصدمة الكبيرة".
بالنسبة له، فإن صناعة الحبر ليست مجرد ملجأ، بل أداة صغيرة للمساعدة على موازنة حجم الحيوات التي وضعت البنادق حدًا لها.
وأضاف ليتل: "الحبر نوع من استحضار الأرواح. الموتى يتحدثون إلينا من خلال الحبر.. عبر وثائق تعود إلى مئات السنين. هناك القليل من العدالة الشعرية في استخدام الأدوات التي تُسكت الناس، وتخطف أصواتهم من العالم بغية الحفاظ على صوت للمستقبل".
استخدام "قوس قزح حديدي"
قام ليتل أخيرًا بتفكيك مسدس بيريتا .45، ومسدس سميث آند ويسون .38، ومسدس AR-15. وأنتج الحبر السائل القياسي الخاص به للبيع على دفعات أكبر، حيث يبيع بالمجمل حوالي 2000 جرة منذ أواخر عام 2022، ويتقاضى عمولة لصنع مسحوق الأصباغ السوداء، والصفراء، والحمراء، التي تستغرق وقتًا أطول، وتتطلّب إجراءات ومكونات أخرى.
ويعني العمل بشكل صارم مع أصباغ ليتل بمثابة العمل باستخدام لوحة ألوان محدودة، يسميها "قوس قزح حديدي" يتكونّ من الأسود، والأحمر، والأصفر. يتضمن اللون الأزرق غاز السيانيد، وهو ما يعترف ليتل بأنه ليس مستعدًا تمامًا لتجربته.
نظرًا للوقت والعمل اللازمين لصنع الأصباغ، فإن شركة Little تنتجها فقط على "دفعات خاصة" للفنانين الذين يبحثون عنها.
وتستخدم كريستينا كوان، وهي رسامة جدارية مقيمة في أتلانتا، غالبًا الحبر الأكريليكي. تواصلت كوان مع ليتل مباشرة على منصة "إنستغرام" للاستفسار عن شراء كمية أكبر بكثير من الحبر الذي يصنعه عادة من الأسلحة. واستخدمت حبره القياسي في رسمها، واختبرته لأنها تسعى لاستخدامه في عملها.
وقالت كوان في مقابلة مع CNN: "لقد أنجبت طفلاً في عام 2020، ومنذ أن أصبحت أماً، ما زلت أخشى اليوم الذي سأضطر فيه للتحدث مع طفلي حول الاستعداد لتفادي إطلاق النار.. في الأماكن العامة أو في المدرسة”.
أعربت الفنانة الأمريكية الكورية المقيمة في مدينة شيكاغو الأمريكية، آرام هان سيفوينتس، عن مخاوف مماثلة بشأن الحفاظ على سلامة طفلها، خصوصًا مع ارتفاع جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين في عام 2020، وكانت هان سيفوينتس، تعمل على تأثيرات العنف المسلح خلال العام الماضي، وطلبت من ليتل أن يصنع صبغة حمراء من مسدس AR-15 لعرض قادم في متحف الحرية الوطني في فيلادلفيا. وأوضحت في حديث مع CNN أن أوقيتين فقط من المادة سمحت لها بصبغ قطعة قماش ضخمة يبلغ طولها 9 × 35 قدمًا.
ولا ينسب الفضل إلى الفنانين الذين يعمل معهم لمساعدته على فهم أهمية صناعة الحبر، حيث قال إنه غالبًا ما ينغمس في العملية اليومية من دون أن يكون لديه الكثير من الوقت للتفكير.
وأكدّ: "في كثير من الأحيان، يتعيّن علّي أن أصنع دفعة أخرى من الحبر، كما تعلمون، فقط أضع هذا المسدس في الحمض. لذا من الجيد دومًا أن أسمع رأي الفنانين فيما أفعله، ولماذا هو مهم بالنسبة لهم".