دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في كتاب التصوير الفوتوغرافي الجديد الخاص به، وثق المصور الأمريكي بايرون سميث الأوكرانيين خلال محاولتهم الهرب بأي وسيلة ممكنة، سواء داخل سيارات مع كلابهم الأليفة، أو بانتظار ركوب القطارات إلى بولندا، أو ببساطة اللجوء إلى الشوارع وهم يحملون معهم الأطفال الرضع وحقائب الظهر.
وبصفته مصورًا صحفيًا تركز أعمال سميث غالبًا على محنة المهاجرين، وهي مهمة أخذته من مخيمات اللاجئين اليونانية إلى معركة الموصل التي سيطر عليها داعش في العراق خلال عامي 2016 و2017.
ومن إسطنبول في تركيا، قال سميث لـCNN: "أشعر أنه إذا رأيت جميع هؤلاء الناس يفرون، فسيكون من الزيف بالنسبة لي أن أتعاطف معهم حقًا إذا لم أذهب لأرى ما الذي يهربون منه".
ويوثق الكتاب الذي يحمل عنوان "Testament ‘22" رحلات سميث عبر أوكرانيا في العام الذي أعقب الغزو الروسي غير المبرر في فبراير/شباط عام 2022، ويُعد بمثابة صورة تأملية لأمة في حالة حرب.
ويجمع الكتاب المكون من 192 صفحة بين الألوان واللون الأحادي، والتحدي واليأس، والأمل والخوف.
وتكشف صور المصور الأمريكي الأكثر قتامة عن رعب الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الجانبين.
وفي ضاحية إيربين في العاصمة كييف، تقوم السلطات بإجلاء مدني على نقالة بجوار جسر نصف منهار، وفي بوتشا القريبة، حيث يُتهم الجيش الروسي بارتكاب آلاف جرائم الحرب، يغطي حفّار القبور وجهه، ويبدو أنه غارق في الحزن.
وفي مكان آخر بين الصور الـ 136 التي يضمها الكتاب، توجد جثة هامدة لرجل مجهول قُتل بقصف روسي. وقال سميث عن الصورة، متذكراً كيف حوصر هو ومجموعة صغيرة من الصحفيين وسط معركة استُخدم فيها قصف الهاون في إيربين: "كنا في أرض لم يطأها أحد، لم يكن هناك سوانا والجثث وسط الحديقة. نسمع القتال في الشوارع، وتختبئ بعد سماع أصوات أشياء تتطاير فوق رأسنا. لا نعرف ما هي. ولا نعرف ما قد تكون".
وأضاف، وهو لا يزال منزعجاً بشكل واضح من الحادث: "من الصعب حتى تذكر ذلك الوقت".
ومع ذلك، يمكن للحرب أن تبرز أسوأ وأفضل ما في الإنسانية، وتسلط صور سميث الضوء على المجتمع، والرحمة.
وتشمل الصور مدنيون يقومون بإزالة الأنقاض لإعادة بناء منازل الجيران؛ وأطفال يصنعون مأوى من صناديق الذخيرة الروسية المهملة، وسباحون مسنون يغطسون في المياه المليئة بالألغام قبالة أوديسا، رغم أن الشرطة المحلية تمنعهم من القيام بذلك.
وقال سميث: "هذا يجسد الروح التي وجدتها، من خلال الناس على الخطوط الأمامية وصولًا إلى الناس الذين يمارسون حياتهم اليومية".
وبدأت رحلة سميث من جنوب شرق بولندا، بعد أيام قليلة من الغزو الروسي الكامل، حيث بدأ في توثيق تدفق الأشخاص الفارين غربًا من أوكرانيا. وسرعان ما عبر المصور الحدود وشقّ طريقه إلى كييف، عبر مدينة لفيف.
وجاب سميث أوكرانيا في مهام مختلفة. ويقدّر أنه قطع نحو 10 آلاف ميل في السنة الأولى من الحرب.
وكونه يعمل بشكل مستقل، فهذا يعني أن سميث كان عليه أن يتحمل عبء الخدمات اللوجستية والبحث عن عمل، وكانت رحلاته في جميع أنحاء البلاد تعتمد غالبًا على "كم من المال أو الوقت لديه"، حسبما قاله.
لكن ذلك منحه الحرية في العثور على قصص أقل شهرة، وغالبًا ما كان يزور مدن ساحة المعركة بعد أشهر من تحريرها لتجميع الأحداث.
وقال: "العديد من زملائي مصورون صحفيون، يتواجدون هناك لالتقاط الصور كل يوم للصحف. ثم تنشر (صورهم) على الصفحات لذلك اليوم... أما أنا فلدي المزيد من الوقت للعودة ومحاولة تقديمها بطريقة مختلفة"، واصفًا كتابه بأنه "شكل أبطأ من الصحافة".
وأوضح أنه أراد أن يكون "أكثر منهجية في طريقة تغطيته لهذا الصراع، دون القفز من حدث كبير إلى آخر"، وأضاف: "أردت أن أعطي الناس نظرة أكثر هدوءًا، وربما أكثر رصانة، لكل شيء".
وصدر الكتاب تزامنًا مع يوم استقلال أوكرانيا، ويتخلله لحظات هادئة وحميمة وملاحظات مكتوبة بخط اليد تعرض ذكريات سميث الشخصية.
ورغم عدم ترتيبها زمنيًا، فإن الصور تأخذ القراء إلى ما أسماه سميث "سردًا عاطفيًا"، حيث تبدأ بمشاهد إطلاق الصواريخ وفرار الناس خلال الأيام الأولى للحرب.
وتُظهر صورة أخرى امرأة تودع شريكها، الذي قُتل لاحقًا، عند معبر الحدود مع بولندا. وأوضح سميث: أنها "واحدة من آخر الصور التي جمعتهما معًا. لذا (في الكتاب) فهي تنبئ بكل الظلام الذي سيأتي".
وأشار عنوان الكتاب إلى قصيدة "My Testament" (وصيتي)، التي كتبها الشاعر الأوكراني تاراس شيفتشينكو في عام 1845، يطلب فيها أن يُدفن بين الحقول، والأنهار، والسهوب في "بلده المحبوب أوكرانيا". ويتذكر المصور الأمريكي قراءته لتلك القصيدة عندما غامر لأول مرة بزيارة كييف.
وذكر سميث أن "القصيدة في الأساس وصية شيفتشينكو الأخيرة"، مضيفًا: "خلال توجهي إلى منطقة الحرب هذه، وسط الغزو الروسي، وجدت أنه ليس لدي في الواقع وصية لنفسي، أو لوالدي أو عائلتي، أو حتى أي شيء أتركه حقًا لأي شخص".
وأضاف أنه سرعان ما أصبح الركيزة الأساسية للقصة.
وبالمثل، يُعد الكتاب بمثابة شهادة لشعب أوكرانيا، الذي شعر سميث بأنه مضطر لمشاركة قصصه مع العالم.
ومن جهته، يعتقد ناشر الكتاب، فيرلاج كيتلر، أن أعمال سميث الفوتوغرافية يمكن أن تعزز "الأدلة الساحقة" على الجرائم التي ارتكبتها روسيا.
وقال سميث: "لم يطلب مني أحد رسميًا تقديم أعمالي، ولكن عرضت صوري في الكونغرس الأمريكي، وكان السفير الأوكراني لدى الولايات المتحدة حاضرا"، لافتًا إلى أنه "على مستوى ما، أصبحت الصور أمام أعين صناع السياسات، وهو حلم بالنسبة لأي مصور، لأنك تشعر وكأنك تحدث نوعًا من التأثير بالفعل".