دمشق، سوريا (CNN) -- يطل شهر رمضان بموسمه الخامس بتوقيت الحرب، بينما يمضي السوريون أيّام شهر الصيام، في وسط حالةٍ من التكيّف والاعتياد على ظروفٍ بالغة الصعوبة والتعقيد، هذا ما توحي به جولات CNN بالعربية في أسواق دمشق، حيث تبدو السلع الغذائية متوفرّة، وحركة البيع والشراء جيّدة، رغم غلاء الأسعار، وعدم تناسبها مع مستوى الدخل، فضلاً عن استمرار تأرجح سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار.
ويبدو وضع الكهرباء بدمشق أفضل حالاً هذا العام مع انخفاض عدد ساعات التقنين، لكّن معاناةً جديدة أضيفت إلى قائمة معاناة سكان العاصمة بانقطاع الماء لأيّام مطلع شهر رمضان عن عدّة أحياء رغم موسم الأمطار والثلوج الغزيرة في الشتاء الماضي.
الحالة في حلب عاصمة الشمال السوري؛ تبدو أكثر إيلاماً وسوءاً، ويلخصّها أحد السكّان في تدوينةٍ نشرها عبر حسابه على موقع "فيسبوك" بالقول: "شوب+ مافي كهرباء+ بنشرب مي سخنة بعد 17ساعة صيام+ مافي نت+ مي كل عشرة إيام مرة+ معارك طاحنة= حلب".
كذلك تستمر معاناة سكّان المناطق الساخنة بين أطراف الصراع مع الحصار، كما في مخيم "اليرموك" للاجئين الفلسطينن بدمشق، مع ندرة المياه والكهرباء، وتبقى صناديق المساعدات الغذائية الشهرية: "التي تصل بصعوبة السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة"، هذا ما يخبرنا به أيهم الأحمد أحد سكّان مناطق المخيم أثناء تواصلنا معه عبر "فيسبوك"، ويؤكد على كلامه سائق التاكسي أبو مهنّد الذي تمكّن من النزوح مع عائلته إلى مدينة "جرمانا" قبل فترة طويلة، بينما لايتوقف عن تقصي أخبار أصدقائه الالقين هناك، يقلنّا بسيّارته بعد يومٍ رمضاني طويلٍ، يتحسّر على الشوراع التي تلفّها العتمة، ويتذكّر ليالي رمضان في "شارع لوبية" بالمخيّم حينما كانت "دمشق تنام، والمخيّم وسكّانه يأبون النوم، وكأنّهم يحرصون على الاستمتاع بكل دقيقة حتى مطلع الفجر."
لكّن العتمة ليست سيدّة الموقف في دمشق هذا العام، فبعد الإفطار تشهد المقاهي ازدحاماً ملفتاً، بينما تشّن بعض المطاعم الراقية بالعاصمة حملتها "على الدولار"، وتقدّم إفطاراتٍ رمضانية، بموائد مفتوحة، أسعارها تبدو مناسبةً لأبناء الطبقة الوسطى الآخذة بالضيق، كذلك عادت الخيم الرمضانية بعد سنواتٍ من الغياب، ولو على نطاقٍ ضيّق مع تغطياتٍ إعلاميّة توحي باعتياد الحرب.
ولكن، هل ما ذكرناه يأتي في باب التكيّف والاعتياد حقّاً؟، يجيب ماهر (26 عاماً) على سؤال CNN بالعربية قائلاً: "لا ، فازدحام الأسواق لا يدل على حياة روتينية في دمشق دون أن يشوبها ألم أو حزن، لأن نسبة 3 في المائة من سكان المدينة ممن يعيشون ظروفاً اقتصادية جيدّة نوعاً ما، كافية لكي تملأ الأسواق والمطاعم، لكن ماذا عن الـ 97 في المائة، فالمدينة تعجّ بما يزيد على الـ 5 ملايين نسمة، العديد منهم نازحون ووافدون من مناطق ساخنة."
خمسة مواسم لرمضان مرّت على سوريا وسط أحداثٍ ساخنة تحولّت إلى حربٍ مريرة. ما الذي يختلف إذاً في ظروف الشهر الكريم هذا العام مقارنةً بمواسم رمضان الماضية؟ يجيب ماهر: "رمضان 2011 كان شهر الصدمة إن صح التعبير، حيث كنّا مقبلون خلاله على مرحلة جديدة، وفي 2012 كان رمضان الفقدان، حيث خسرنا كل شيء تقريباً، ثم أتى رمضان الحرب 2013، بينما كانت المعارك على أشدّها، وبدا رمضان العام 2014 بحالة من الاعتياد والتكيّف، أما في العام الحالي، فهو رمضان الخوف من كل شيء، من الماضي الذي ذهب، والحاضر المعاش، والمستقبل المخيف، فالحرب أصبحت راسخة، ولم تعد حدثاً عارضاً، ربما اعتدنا الموت، لكننا لم نعتد الخوف بعد، ويزداد خوفنا من المجهول، البقاء، السفر، السكون، العاصفة، الغلاء صوت الرصاص، وسيارات الإسعاف، ونشرات الأخبار، وحتى إشعارات الهاتف والفيسبوك!."
ماذا عن اجتماع الأهل على مائدة الإفطار، أليس ذلك نعمةً يفقتدها الكثيرون؟ يرد على سؤالنا الطالب الجامعي الذي مرّ بظروفٍ صعبةٍ جداً قادته مع عائلته إلى النزوح، والتنقّل بين أكثر من منزل: "نعم، يجتمع من تبقى حول المائدة، ويطول الصمت والشعور بالحسرة على الأماكن الفارغة."
بموازاة كل هذا الألم ألا يوجد أي فسحةٍ للتسلية في رمضان؟، ربمّا تلعب المسلسلت دوراً في ذلك، يجيبنا: "كنّا نظنّ أن الدراما السوريّة قادرة على تسليتنا قليلاً، أو إبعادنا عن جو الحرب المشؤوم، لكنّ ذاكرتنا توقفت عند آخر موسم جميل من (مرايا) ياسر العظمة، ولا زلنا نتمنى لو بقيت (دنيا) بجزء واحد، أو توقفت (بقعة ضوء) مع إطلاق أول رصاصة، أو ربما تمنينا أن يتوقف الزمن على أنغام (الفصول الأربعة) أو عند (الخوالي)، أو الجزء الأول من باب الحارة بأحسن الأحوال.