دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- ما هو أقصى حدٍ للتحمل لديك؟ وهل أنت ممن يكملون المسير حتى وإن بلغوا حالة الحضيض، أم من الذين يستسلمون في المواقف الحرجة؟
راودت هذه الأسئلة مهندسة العمارة المصرية المقيمة في دبي، رشا القاضي، والتي رغبت بأن تتحدى نفسها، وأن تختبر قدرتها القصوى على الاحتمال، بعد أن أخبرها كثيرون بأنها قد لا تتحمل كثيراً.
وفي حديث مع CNN، تقول رشا، التي أسست شركتها الهندسية الخاصة في دبي منذ بضعة أعوام:"لطالما كنت شخصاً مهتماً باللياقة البدنية، لكن لم أقم بتحدٍ قياسي أو ما شابه من قبل. خطرت لي فكرة تسلّق قمة عالية، وكانت جبال الهيمالايا أول شيء خطر على بالي."
قد يهمك أيضاً: تعرّف إلى أول عربي يتسلق قمم العالم السبع
ووقع اختيار رشا على معسكر قاعدة جبل إفرست، الذي يقع على ارتفاع 5650 مترا فوق سطح البحر. وتعتبر هذه القاعدة الأخيرة قبل الوصول إلى قمة إيفرست، التي تعلو عن القاعدة حوال ثلاثة آلاف مترٍ إضافية.
وتذكر رشا الأيام الأولى بعد اتخاذها قرار الوصول إلى القاعدة، وتقول:"أخطأت بإعلام المدربين الرياضيين الذين أعرفهم عن نيتي الصعود إلى قاعدة جبل إفرست، لأنهم شككوا بقدراتي، ونصحوني بأن أحاول صعود قمة أقل ارتفاعاً. لكن، زاد هذا التشكيك من عزمي على الوصول، وأول أمر قمت به هو حجز مكان في رحلة ذاهبة إلى المعسكر!"
خمسة أشهر للاستعداد
وكان تاريخ الرحلة التي اختارها القاضي على بُعد خمسة أشهر فقط. وتقول القاضي: "كوني مهندسة معمارية، أول أمر قمت به هو وضع خطة."
ويتطلّب صعود القمة نوعاً خاصة من التدريبات، خاصة وأن الانحدار العالي ليس أكبر تحدي يواجه المتسلقين، الذين يواجهون انخفاض نسبة الأكسجين في الهواء قرابة الـ 70 في المائة مع زيادة الارتفاع. ومن أقسى نتائج نقص الأكسجين هو داء المرتفعات، الذي تتراوح أعراضه ما بين الدوار، والغثيان، والإقياء، وضيق التنفّس.
قد يهمك أيضاً: وجهة ركوب الأمواج هذه "تتربع" وسط منطقة الشرق الأوسط
وبدأت بالتمرن لساعتين يومياً، مركزة على تمارين القلب والشرايين. لكن، لم يكن هذا كافياً، لأنها بحاجة لتهيئة رئتيها على بذل الجهد في وسط تنخفض فيه نسبة الأكسجين بنسبة 70 إلى 80 في المائة.
تقول رشا: "نُصحت بأن أتدرب عن طريق صعود السلالم، وارتديت قناعاً يغطي أنفي وفمي أثناء التمرين لتعويد رئتي على قلّة الهواء." وحالفها الحظ بإيجاد حجرة تابعة لإحدى النوادي الصحية في دبي، يمكن تعديل مستويات الأكسجين فيها لتحاكي مختلف الارتفاعات.
وتذكر رشا يوم التمرين الأول في حجرة الأكسجين: "ضغطت على نفسي بالتمرين حتى بدأت بالشعور بالغثيان. حينها علمت أنني على الطريق الصحيح!"
واختبرت رشا مختلف مشاعر الغثيان خلال تدريبها في الحجرة، التي كانت تتمرن فيها حتى ثلاث ساعات يومياً. وكانت تزيد من انحناء جهاز المشي ما بين 50 إلى 100 متراً يومياً، بحسب تجاوب جسمها.
ولم تغيّر رشا شيئاً في حميتها، سوى زيادة كمية الكربوهيدرات في حميتها قبل أسبوع من الرحلة، لأن الكربوهيدرات هي مصدر الطاقة الأساسي خلال الرحلة، التي لا يقدّم فيها سوى أطباق الأرز والبطاطس والشعيرية.
قد يهمك أيضاً: هذه وجهة عشاق الأدرينالين والإثارة..بالعالم العربي
الرحلة هي الهدف وليست القمة
ولأن مقصدها وراء هذا الهدف كان تحدي نفسها، لم تتخذ رشا شريكاً لها خلال التدريب أو خلال الرحلة، وفضّلت التركيز على نفسها.
تذكر رشا: "هدفي كان اكتشاف طبيعة الهيمالا التي أعشق، والاستمتاع بالرحلة، والتعرف إلى حدّ التحمّل لدي، حتى وإن لم أبلغ القمة."
وانطلقت الرحلة إلى قاعدة قمة إيفرست عن طريق نيبال.
وتذكر رشا أن ظروف الرحلة كانت أقسى مما تخيّلت. وبعد أن انخفضت نسبة الأكسجين في الهواء، بدأت بمد جسمها بحاجته من الأكسجين عن طريق رشف كميات قليلة من المياة باستمرار. وتضيف: "وصلت الحرارة إلى 20 درجة دون الصفر، وكان الطعام وظروف النوم أسوأ بكثير مما توقعت."
وبعدما أصابها الزكام، كانت على وشك الاستسلام والتوقّف عن المسير."سألت نفسي لماذا أفعل هذا بنفسي، وكنت على وشك الإستسلام. لكن، كنت أعلم أن الوصول إلى الهدف مقترن بحالتي الذهنية بنسبة 80 في المائة. عليك أن تحرر نفسك من كل شيء باستثناء فكرة أنك ستنجح في الوصول!"
اختبار لقوّة الشخصية، لا العضلات
وبعد ثمانية أيام من التسلّق لسبع أو ثماني ساعات يومياً، وصلت رشا ومجموعتها إلى القاعدة.
وتذكر الشابة المصرية أن أسعد لحظة في تجربتها كانت عندما بدأت بالنزول ونظرت خلفها، لترى مدى ارتفاع المكان الذي وصلت إليه، مضيفة: "هذه التجربة اختبار للشخصية، التي قد تمنع صاحبها من الإكمال إن لم تكن قوية بالقدر الكافي!"
واستغرقت رحلة النزول خمسة أيام. وبلغ مجمل تكاليف الرحلة، من تدريب ومعدات وأجرة الرحلة وبطاقات السفر، حوال الـ 13 ألف دولار.
وفي الختام، تقول القاضي "علّمتني الرحلة أن أثق بنفسي، وأن لا أثأثر بالطاقة السلبية التي قد يبثها الآخرون من حولي. واليوم، عندما تواجهني أي صعوبة، أذكر نفسي بأنني بعد وصولي إلى قاعدة قمة معسكر قاعدة جبل إفرست، ليس هناك أمرٌ لا أستطيع إنجازه!"
وتشاهدون مقتطفات من رحلة رشا إلى قمة معسكر قاعدة جبل إفرست في معرض الصور أعلاه: