دبي، الإمارت العربية المتحدة (CNN) -- من داخل مخبأ تحت الأرض بإضاءةٍ خافتة، اتخذ 12 من القادة العسكريين القرار للقيام بأكبر عملية استسلام شهدها التاريخ العسكري البريطاني.
وفي تمام الساعة 9:45 من صباح يوم 15 فبراير/شباط عام 1942، وافق الملازم آرثر بيرسيفال و11 من كبار الضباط على تسليم قوات الإمبراطورية البريطانية، والتي بلغ عددها أكثر من 120 ألف في ماليزيا وسنغافورة، إلى اليابانيين، والذي كان عدد قواتهم أقل من نصف عدد القوات .
واتخذ القادة هذا القرار الحاسم من داخل مخبأ عسكري سري ومحصن تحت الأرض، يعرف باسم "Battlebox"، وقد تحول إلى متحف أسفل هضبة فورت كانينج في سنغافورة.
وبعد قضاء طاقم بيرسيفال 70 يوماً في ظروف الحرب الوحشية، نفدت الذخيرة ومؤونة الطعام والشرب.
وأوضح مدير متحف "Battlebox"، جيا أيادوراي، أن "الدفاع الأساسي عن الإمبراطورية البريطانية كان يعتمد على الدفاع عن سنغافورة. ومن هناك، تستطيع بريطانيا أن تمتد إلى كامل إمبراطوريتها في آسيا" ،ولكن الاستسلام سرعان ما أصبح الخيار الوحيد.
ولم يقتصر قرار بيرسيفال على فتح أحلك فصل في تاريخ سنغافورة الحديث، بل تسبب أيضاً في تفكك الإمبراطورية البريطانية.
ويشير اسم "Battlebox" إلى مخبأ هضبة فورت كانينج، الذي اُنشئ في عام 1938، ليكون بمثابة مركز قيادة سري للغاية ومقاوم للقنابل أسفل هضبة فورت كانينج. وأصبح مركزاً للتجسس البريطاني وصنع القرارت على مستوى عالٍ خلال حملة الملايو ومعركة سنغافورة، حيث أصبح القادة البريطانيون على دراية من التقدم الياباني في المنطقة.
ومع ذلك حققت اليابان النصر في ديسمبر/كانون الأول عام 1941 عندما قررت قواتها مهاجمة سنغافورة من ماليزيا وليس عن طريق البحر في نفس اليوم الذي شنت فيه هجومها على ميناء "بيرل هاربر" بالولايات المتحدة.
وبينما كان بيرسيفال وفريقه يستعدون لليابانيين لمهاجمة الشمال الشرقي لسنغافورة، جاءت القوات اليابانية من الشمال الغربي، حيث كان لدى البريطانيين دفاعات قليلة.
وخاضت معركة سنغافورة، والتي تعرف أيضاً باسم خريف سنغافورة، في الفترة من 8 إلى 15 فبراير/شباط عام 1942. واستولى الجيش الياباني على مخبأ "Battlebox" بعد استسلام سنغافورة.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نُسي المخبأ لعدة عقود، إذ أخفت الشجيرات الضخمة مدخله.
واكتشف الموقع في الثمانينيات، عندما صادفه صحافي وكتب مقالاً عن أهميته لصحيفة "ستريتس تايمز".
ومع تركيز سنغافورة على النمو، تم تجاهل فكرة إحياء ذكرى الماضي، بحسب ما قاله أيادوراي.
ويقول أيادوراي إن سبب وجود متحف "Battlebox" نشأ من الرغبة في فهم تعقيد الحرب وإجراء حوار بنّاء حول الأحداث الماضية المؤلمة. وفي حين لم يتم الكشف عن أي من حقائق الحرب، إلا أن أيادوراي يقول إن Battlebox يهدف إلى الاستفادة من فعل الاحتفاء بذكرى الماضي لبناء مستقبل أفضل.
ويقول أيادوراي: "لدينا التزام تجاه أولئك الذين عاشوا الحرب، وأولئك الذين كانوا يرتدون الزي العسكري خلال الحرب".
ويوضح أيادوراي أنه "لا نريد تمجيد الحرب، بل الاعتراف بها كتضحية، ولتحسين العلاقات الدولية، وخلق بيئة مواتية أكثر للسلام".
وخلال السنوات المقبلة، يهدف متحف "Battlebox" إلى إقامة صالات عرض جديدة تركز على سنوات ما بعد الحرب، وعلى الطريقة التي صاغت بها سنغافورة طريقاً إلى الاستقلال في 9 أغسطس/ عام 1965. ولكن في الوقت الحالي، يريد أيادوراي أن تقوم الشخصيات والتحف داخل المتحف بفتح التصورات حول الحرب.
وفي النهاية يقول أيادوراي إنه "عندما تغادر متحف Battlebox ستتغير نظرتك للحرب وفهمك لتعقيدها وما مر به هؤلاء الرجال. وستشعر بتقدير على المستوى الإنساني لما حدث".