دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لطالما حظي نهر النيل باهتمام حكام مصر على مر العصور، إذ يعد النيل بمثابة شريان الحياة في مصر، وتعتمد عليه حياة المصريين بشكل أساسي، لذا تعدّدت المقاييس التي أقيمت على طول نهر النيل، حتى أنشئ مقياس النيل بجزيرة الروضة في العصر العباسي.
ويقع بناء مقياس النيل الأثري في الطرف الجنوبي لجزيرة الروضة بمدينة القاهرة، ويُعد ثاني أقدم أثر إسلامي في مصر.
وفي حديثه مع موقع CNN بالعربية، يقول المصور المصري، الذي يعمل كمفتش آثار بمركز تسجيل الآثار بالقلعة، حمادة الطيار، إن الهدف من توثيق مقياس النيل هو نشر الوعي الأثري بين أفراد المجتمع، ومتابعة التغيرات التي تطرأ عليه.
ويعود تاريخ مقياس النيل إلى العصر العباسي، عام 861، في عهد الخليفة المتوكل على الله العباسي، أي منذ أكثر من ألف و150 عام، بحسب ما قاله الطيار.
وجاء بناء مقياس النيل بجزيرة الروضة في إطار حرص المصريين على متابعة وقياس منسوب نهر النيل على مر العصور. ولم يبق من المقاييس التي بناها المصريون قبل الإسلام وبعده الكثير نظراً لتعرضها للتدمير نتيجة فيضانات النهر، بحسب موقع وزارة الآثار.
واستخدم المقياس قديماً لقياس فيضان النيل، وعلى أساسه كان يتم تحديد الضرائب للعام الزراعي المقبل، ويعرف بعدة أسماء منها، "المقياس الهاشمي"، و"المقياس الكبير"، و"المقياس الجديد"، و"مقياس الروضة"، وكان بلوغ النيل 16 ذراعاً يعد بشرة بوفاء النهر وإيذاناً ببدء الإحتفالات التي اختلفت من عصر لآخر، بحسب ما قاله الطيار.
وأسُس مقياس النيل على يد عالم الرياضيات والفلك أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني، إذ كلفه الخليفة المتوكل على الله بالإشراف على بناء مقياس منسوب مياه نهر النيل بعاصمة مصر الإسلامية، الفسطاط، فأشرف عليه وأنجز عملية بنائه.
وخضع مقياس النيل للعديد من عمليات الترميم في العصر الطولوني، والفاطمي، والمملوكي، والعثماني.
ويتألف بناء المقياس من بئر حُفرت في باطن الأرض من مستويين، ويدور حول جدرانها من الداخل سلم حلزوني يصل إلى القاع، وفي المنتصف يقف عمود القياس، ويتصل البئر بالنهر من خلال 3 فتحات بمستويات مختلفة فوق بعضها البعض حتى يظل الماء ساكناً في البئر.
ويدل التدرج في سماكة الجدران على معرفة المهندسين في العصر الإسلامي بالنظرية الهندسية الخاصة بازدياد الضغط الأفقي للأتربة، كلما زاد العمق إلى أسفل.
ويشرح الطيار أن العمود الرخامي يعلوه تاج روماني، ويبلغ طوله 19 ذراعاً، أي 10 متر ونصف، حفرت عليه علامات القياس، ويرتكز على قاعدة من الخشب، ومثبت أعلاه برباط خشبي مجوف ومحشو بمادة الرصاص، ويتوسط العمود بئر مربع مشيد بأحجار مهذبة في بنائها، بحيث تزيد سماكتها كلما زاد عمق البئر.
واستمر المقياس في أداء مهمته حتى عهد قريب من بناء السد العالي، والذي حجز الفيضانات عن الأراضي المصرية، بحسب موقع وزارة الآثار.
ويوضح الطيار أن الصور الفوتوغرافية تعد مرجعاً لإعادة بناء وترميم ثاني أقدم نماذج العمارة الإسلامية في مصر في حالة وقوع أي أضرار.
ويرى الطيار أن مصر بحاجة إلى الاهتمام بالآثار الإسلامية والقبطية، إذ يصب أغلب الاهتمام في مصلحة الآثار الفرعونية، بحسب ما قاله.