دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- على الحافة الشمالية الشرقية لصحراء قطر الشاسعة، تفسح الأراضي المسطحة الصخرية المجال لمساحات كبيرة من النباتات الغنية والممرات المائية المتعرجة.
وعلى طول مصب المد والجزر، تبرز جذور شبيهة بالقلم الرصاص من الأرض الموحلة لتوفير الأكسجين للشجيرات الكثيفة، حيث ينزلق عدد لا يحصى من كائنات سرطان البحر داخل وخارج الجحور البارزة.
وتُعد محميات المانغروف في منطقة الذخيرة من بين المواقع الطبيعية الأكثر قيمة في الخليج، وواحدة من الوجهات الأكثر شعبية لسكان المدن الذين يتطلعون إلى الاسترخاء من حياة المدينة، وكذلك للسياح الباحثين عن فترة راحة خضراء.
وهذه الغابات المحمية هي بمثابة موطن لشجرة المانغروف الرمادية أو البيضاء التي أصبحت من بين الأنواع السائدة في المنطقة.
وتوفر غابات المانغروف موطنًا قيمًا لأنواع كثيرة من الأسماك، والقشريات الساحلية والبحرية، وملاذًا لطيور النحام، ومالك الحزين، وغيرها من الطيور الموسمية.
وقال محسن اليافعي، أستاذ البيئة البحرية بجامعة قطر وعالم البيئة البارز، لـ CNN إن أشجار "المانغروف تعد واحدة من أهم النظم البيئية في هذه المنطقة"، موضحًا أن غابات المانغروف تعمل كنظام دفاع طبيعي ضد ارتفاع مستويات سطح البحر وتآكل السواحل، وتدعم التنوع البيولوجي، وتساعد في الحفاظ على مستويات عالية من مخزون الصيد من خلال رعاية الحياة البحرية.
ويقول اليافعي: "لقد وجدنا للتو أكثر من 30 نوعًا من الأسماك في غابات المنغروف"، مضيفًا أن "هناك عدة أنواع من سرطان البحر، وأكثر من نوع واحد من الروبيان والحبار، جميع الأنواع تأتي لتتغذى في هذه المنطقة".
التجديف بالكاياك
وتقع شمال مدينة الخور على بعد حوالي 60 كيلومترًا من العاصمة الصاخبة الدوحة، ويمكن الوصول إلى منطقة أشجار القرم بسهولة بالسيارة، فقط ضع في اعتبارك أن الرحلة تتطلب بضعة كيلومترات من القيادة على الطرق الوعرة.
وبمجرد الوصول إلى هناك، فإن أفضل طريقة لاستكشاف المناظر الطبيعية الخصبة (عندما يكون هناك مد مرتفع) هي التجديف بواسطة قوارب الكاياك.
وهناك العديد من منظمي الرحلات وشركات السفر للاختيار من بينها والحجز مقدمًا.
جزيرة بن غنام
ويتواجد خيار آخر مفضل أي زيارة غابات المانغروف القريبة في جزيرة بن غنام، والمعروفة باسم "Purple Island".
وكانت تقليديًا مكانًا للعبور استخدمه غواصو اللؤلؤ والصيادون منذ عام 2000 قبل الميلاد، حيث كانت الجزيرة موقعاً لإنتاج الصبغ الأحمر الأرجواني منذ قرون.
وبحسب متاحف قطر، كشفت الحفريات عن مجموعة من بقايا لما يقدر بنحو 2.9 مليون صدفة منفردة مجروشة لحلزونات بحرية، بالإضافة إلى وعاء كبير من الخزف ربما استخدم لنقع الرخويات المجروشة.
وتقول ميراج قريش من "365 Adventures"، وهي إحدى الشركات التي تقدم رحلات صباحية ومسائية إلى منطقة المانغروف، لـ CNN إن "سبب آخر لاسم الجزيرة يأتي من الزهور الأرجوانية العديدة التي تتفتح كل ربيع".
ويتميز هذا المكان المناسب للعائلات بممشى خشبي طويل يربط الجزيرة بشاطئ والعديد من التلال الصغيرة مع منحدرات الحجر الجيري، وهو مثالي للنزهات الهادئة أثناء انخفاض المد والجزر، ومشاهدة الحياة البحرية والطيور (خلال فصل الشتاء القطري).
ويمكن الوصول إليه أيضًا بالسيارة، ولكن ضع في اعتبارك أنه سيتعين عليك إحضار الإمدادات الخاصة بك حيث لا توجد مرافق متاحة على الجزيرة.
تخزين الكربون
وكانت المنطقة على مر السنين محور العديد من عمليات التنظيف التطوعية التي تهدف إلى إزالة النفايات الصلبة مثل البلاستيك والزجاج وزيادة الوعي حول أهمية النظم البيئية لأشجار المانغروف، خاصة في المنطقة التي تحد فيها الظروف الصحراوية القاسية للغاية من نمو الغطاء النباتي.
ولطالما أشار العلماء إلى فوائد التنوع البيولوجي لأشجار المانغروف، بما في ذلك قدرتها على العمل كنظم ترشيح لتحسين جودة المياه عن طريق امتصاص الملوثات، فضلاً عن لعب دور رئيسي في مكافحة تغير المناخ بسبب معدلات عزل ثاني أكسيد الكربون العالية.
ويقول دانييل مورديارسو، العالم الرئيسي لدى مركز أبحاث الغابات الدولية (CIFOR) لـ CNN: "لكل وحدة مساحة، تخزن أشجار المانغروف الكربون ثلاث إلى أربع مرات أعلى من أي نظام بيئي أرضي. لذلك، فإن الحفاظ على غابات المانغروف سليمة، واستعادة تلك المتدهورة، أمران أساسيان للتخفيف من آثار تغير المناخ".
أشجار المانغروف "تستحق الحماية"
وعلى الصعيد العالمي، تغطي أشجار المانغروف مساحة تقل عن 15 مليون هكتار، أو تقريبًا من مساحة اليونان، في أكثر من 120 بلدًا استوائيًا وشبه استوائي، وفقًا لليونسكو.
وتحذر المنظمة من أن هذه النظم البيئية تختفي بمعدل ثلاث إلى خمس مرات أسرع من الخسائر الإجمالية للغابات في جميع أنحاء العالم.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة أن بعض البلدان فقدت أكثر من 40% من أشجار المانغروف بين عامي 1980 و2005، في كثير من الحالات بسبب التطورات الساحلية، وتغير استخدام الأراضي وتربية الأحياء المائية التجارية الواسعة.
كما تعرضت أشجار القرم لضغوط شديدة في قطر، حيث تُعد منطقة الذخيرة حاليًا آخر نظام بيئي من هذا القبيل.
ويقول اليافعي: "لقد فقدنا معظم الشعاب المرجانية في المنطقة، وفقدنا معظم الأعشاب البحرية ؛ وآمل أن نتمكن من حماية أشجار المانغروف المتبقية"، مشيدًا بجهود الدولة في الحفاظ على البيئة، بما في ذلك أعمال إعادة الزراعة، لحماية النظم البيئية.