دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قد تكون بلدة "غاندر" في كندا، بمنحدراتها الصخرية، وغاباتها الخضراء، والمساحات المنبسطة من الريف التي تندمج مع المياه الزرقاء، موقعاً غير ملائم لاحتضان مطار دولي.
ولكن، يُعتبر الطرف الشمالي الشرقي من هذه الجزيرة الصخرية الكندية من أهم وجهات الطيران في العالم.
ومن هنا، بدأ الطياران البريطانيان ألكوك وبراون أول رحلة طيران عبر المحيط الأطلسي بدون توقف، كما أنه المكان الذي بدأت منه أميليا إيرهارت العديد من رحلاتها.
ونشأ المطار من بدايات رحلات الطيران المبكرة هذه، وبحلول منتصف القرن، مر العديد من الأشخاص عبر ممرات مطار "غاندر" الدولي.
وفي الأعوام الأخيرة، لعب مطار "غاندر" دور البطولة في مسرح برودواي بنيويورك وفي "ويست إند" بلندن، بفضل المسرحية الموسيقية "Come From Away"، وهي عبارة عن عرض حائز على جائزة "توني" يُظهر كيف أصبح المطار ملاذاً لـ7 آلاف نازح من ركاب الطائرات عند إغلاق المجال الجوي الأمريكي في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001.
تاريخ غير عادي
وتعد أكثر المطارات ازدحاماً اليوم مراكز نقل تخدم العواصم الصاخبة، أو الولايات المترامية الأطراف.
ولكن، لدى بلدة "غاندر"، التي تحتضن اليوم أقل من 12 ألف شخص، قصة مختلفة قليلاً.
ويتذكر أحد السكان المحليين، جاك بينسنت، الذي يدير جمعية مطار "غاندر" التاريخية الآن، خلال مقابلة مع CNN في عام 2019، عندما لم تكن البلدة موجودة أصلاً.
ووُلد بينسنت خلال الحرب العالمية الثانية، وكان والده يعمل في المطار، الذي افتتح عام 1938.
وعاشت العائلة في مباني تتواجد في الموقع.
وخلال الحرب، أصبح مطار "غاندر" مركزاً عسكرياً، إذ أنه كان ينقل الطائرات عبر المحيط الأطلسي للمساعدة في الحرب.
وفي وقت السلم، ومع ازدهار الطيران، وكون السفر عبر القارات أصبح أكثر شيوعاً، بات المطار محطة للتزود بالوقود للطائرات التجارية.
وسرعان ما أصبح المطار يتعامل مع 13 ألف طائرة سنوياً، وربع مليون مسافر.
وفي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، نمت بلدة "غاندر" حول المطار لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العمال، وكان الطيران جزءاً من الحمض النووي للبلدة منذ البداية.
ومع ذلك، لم يتغير المطار كثيراً منذ أيامه العسكرية، وقررت الحكومة الكندية بناء صالة أنيقة كلّفت 3 ملايين دولار.
أوقات متغيرة
وأدى المحرك النفاث إلى ثورة في قطاع السفر.
وفجأةً، لم يعد التزود بالوقود ضرورياً، وتجاوزت المسارات الجوية "غاندر"، لتتجه مباشرةً إلى الولايات المتحدة.
ولكن، ظل المطار مزدحماً في النصف الأخير من القرن العشرين، وبحلول الألفية الجديدة، اختفت البلدة عن الرادار، وأصبح القليل من الأشخاص لديهم القدرة على تحديد موقعها على خريطة العالم.
المسافرون على متن الطائرة
وكان كلود إليوت عمدة بلدة "غاندر" بين عامي 1996 و2017.
وبدأ يوم إليوت في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001 بشكلٍ عادي، بحسب ما قاله لـCNN في عام 2019.
وفي غضون ساعات، اهتز العالم على خبر الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة.
وأُلغيت الرحلات المتجهة إلى المجال الجوي الأمريكي، كما تمت إعادة توجيه الطائرات التي كانت في الجو.
وكان كيفن تورف من تكساس على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية متجهة من باريس إلى نيويورك مع حبيبته آنذاك.
وكانت قصتهما واحدة من بين العديد من القصص في المسرحية التي عُرضت في برودواي.
وكانت رحلة تورف واحدة من بين 38 طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة اضطرت للهبوط في "غاندر"، ما أدى لاحتضان المطار لـ 7 آلاف شخص.
وسرعان ما اتضح أن الطائرات لن تتحرك لبعض الوقت.
وفي هذه الأثناء، بدأ العمدة، وأهالي "غاندر" في إعداد الطعام، والمأوى للنازحين.
وكان مع تورف كاميرا رقمية اشتراها مؤخراً، وشجعه ذلك على توثيق ما كان يحدث داخل الطائرة، حتى اللحظة التي غادر المسافرون فيها.
وقال تورف: "كنا نشعر بالإرهاق. ولكن، بعد أن تجاوزنا نقطة الأمن، بدا الأمر كما لو أننا دخلنا في حفلة مُفاجِئة، وكان هناك مئات الأشخاص بالداخل، مع وجود الطعام على الطاولات. وفي كل مكان يمكنك تخيله، كان الأشخاص يقدمون للناس الطعام والشراب".
وهكذا، أدت فترة مظلمة من التاريخ الحديث إلى واحدة من أكثر القصص الحميمية، وغير المتوقعة في الوقت ذاته.
وقال إليوت إن قرار الترحيب بالنازحين بأذرع مفتوحة كان بديهياً، وهو أمر يتعلق بالآداب الإنسانية، وهذه هي الرسالة التي يرغب من جمهور عرض "Come From Away" أن يأخذوها معهم للمنزل.
نمو سياحي
وأدى النجاح العالمي لـ"Come From Away" لإعادة بلدة "غاندر" الواقعة في جزيرة "نيوفاوندلاند" إلى خارطة السياحة، وأكّد تورف: "هناك قدر هائل من الجمال في نيوفاوندلاند".
وأشار إليوت إلى أن الناس يريدون رؤية المطار، ورؤية جمال "نيوفاوندلاند"، والأهم من ذلك كله، فإنهم يرغبون في مقابلة الأشخاص.
ولكن، لا يزال مطار "غاندر" يكافح لإيجاد دورًا في قطاع الطيران المتغير.
وفي الأعوام الأخيرة، شهد المطار عدداً من الطائرات الخاصة مقارنةً بالطائرات التجارية.