دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كان الغروب مظلمًا وهادئًا يبعث الخوف في النفس في فبراير/ شباط، وتحديدًا قبل 10 أسابيع من عيد الفصح، عندما شقّ مجموعة من الرجال يحملون المشاعل، طريقهم نحو مقبرة قريب.
سيشاركون في الوليمة التي ستقام مساءً، يشرب نخب الأموات بعيون دامعة، وينشدون ترانيم مقدسة، ويرقصون بحلقة دائرية حول النار. ويضاء مدفن تلو الآخر كل قبر بشعلة مصنوعة من خشب البتولا المجفف في المنزل.
ويمثل هذا اليوم بداية لامبروبا، وهي طقوس سنوية تقام لتأمين ربيع خصب، وإحياء ذكرى الموتى، بالمعنى الحرفي والمجازي. وتعتبر إحدى التقاليد العديدة المستمرة في سفانيتي النائية، الممتدة على مساحة واسعة، قممها مكلّلة بالثلوج وممراتها مغطاة بأشجار التنوب في مرتفعات جورجيا.
تربط هذه البقعة من الأرض سلسلة من قرى القرون الوسطى الصغيرة، وتشتهر المنطقة بثقافة المرتفعات المتميزة والعادات الشعبية الغامضة واللغة المحلية القديمة. ولا شيء يجسّد سفانيتي أكثر من مئات الكوشكيبي (أبراج المراقبة التي تعود إلى العصور الوسطى) المنتشرة في الجبال المحيطة.
وبسبب الطبيعية الوعرة والعزلة الشديدة، تعتبر زيارة هذه المنطقة حلمًا جريئًا لهواة المشي في الطبيعة. ومن يتجوّلون خلال صيف سفانيتيي في جبال الألب يتطلعون إلى تعقّب أحد المسارات المتشابكة العابرة للقرى القديمة ذات المناظر الخلابة، وللكنائس المتداعية، والمروج المنمقة وذات الأفق الحدودي الواسع المطلّ على جبال القوقاز.
ويستغرق المسار الأكثر شهرة بين 3 و5 أيام، ويبدأ في قرية ميستيا الصغيرة والجذابة، حيث تنتشر أبراج سفان الخلابة المعرّضة للانهيار بين القمم الشاهقة.
وبدلاً من نصب خيمة، فإن عددً القرى المنتشرة على طول الطريق يسمح للرحالة المبيت في المنازل التي تفتح أبوابها لهم، حيث ينتظرهم طعام ساخن وكحول ذي معدلات مرتفعة.
وتقع بين هذه القرى على بلدة، تعتبر ملاذًا صغيرًا هادئًا، وغنيًا بالمواقع التاريخية، مثل كنيسة القديس جورج التي تعود إلى القرن الثاني عشر.
وفي النهاية، يصل المسافرون إلى أوشغولي، وهي مجموعة قرى تتفيّأ جبل شخارا العظيم. وحافظت هذه المنطقة على طابعها في المجمل منذ بنائها في القرن الثاني عشر، حيث ما برحت تصدح أصوات الأطفال في الأرجاء وهم يتسابقون على الخيول من دون سرج.
وعلى تلة أوشغولي المنفردة، ستجد كنيسة لاماريا الأرثوذكسية المتواضعة المبنية في القرن العاشر، وسميت على اسم آلهة سفان القديمة، ومثال دائم للازدواجية الحية في المنطقة.
ثقافة متنوعة
"خوتشا لاداغ" هي التحية المحلية ليوم جيد.
تقطعت بهم السبل في براري الجبال لعدة قرون، وتجنبت سفان العديد من الفتوحات والحروب التي دمرت الأراضي المنخفضة في جورجيا.
وبسبب عزلتها عبر التاريخ، استطاعت أن تكتسب ثقافة ولغة على النحو المحدد في منظرها الطبيعي. ونجت اللغة المحلية، سفان، بفضل التقاليد الشفوية، وهي بمثابة شهادة أخرى على مرونة المنطقة. قد تكون هذه اللغة مهددة بالانقراض، لكن التراتيل المتنوّعة اللحن حافظت عليها باللون الكهرماني.
ولا تزال مجموعة من الرجال يرتدون معاطفهم الصوفية الملونة، مع خناجر منقوشة تتدلى من الخصر، ويتجمعون معًا لإصدار ألحان من الحكايات الشعبية، وترانيم الطقوس في موطنهم الأصلي، سفان.
ولطالما كانت سفانيتي بأكملها بمثابة مخبأ للآثار والكنوز، التي غالبًا ما يتم إحضارها من الأراضي المنخفضة في أوقات الحرب لحفظها.
ويشعرنا وجود مئات من أبراج القرون الوسطى، التي يزيد بعضها عن ألف عام، بأنّ سفانيتي أشبه بملحمة تولكين، وليس مكانًا متواجدًا في أوروبا الحديثة.
وكانت هذه الأبراج بمثابة تحذير للغزاة، وأماكن سكن لعائلات بأكملها. ولا تزال العديد من هذه الأبراج تسهر على أمن سفانيتي.