دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يقضي الأمريكي كريس سوكولوفسكي وقت فراغه في تسلق الجبال، والجري، وممارسة فنون الدفاع عن النفس. وفي كل فرصة، ستجده على متن طائرة في طريقه لاستكشاف العالم.
وفي أول موعد غرامي رسمي مع الفتاة التي أصبحت زوجته فيما بعد، حجز سوكولوفسكي رحلة طيران إلى جنوب أفريقيا لمدة أسبوعين.
ولدى سوكولوفسكي وزوجته ابنًا يبلغ من العمر الآن 11 عامًا، والذي ينضم إليهما أيضًا في مغامراتهما.
وساعدت المغامرات التي يخوضها سوكولوفسكي في الحفاظ على صحته. وفي آخر فحص سنوي أجراه في ديسمبر/ كانون الأول 2020، أطلق عليه طبيبه لقب "الرجل الحديدي".
ولكن بعد حوالي ستة أشهر من ذلك الموعد، بدأ سوكولوفسكي يشعر بما وصفه بأنه "شعور غريب" في معدته، قائلًا لـCNN: "كان الأمر أشبه بقرقرة في المعدة وكأنك جائع. ولم يختفِ هذا الشعور لبضعة أيام".
وذهب سوكولوفسكي لإجراء فحوصات، وقيل له إنه من المحتمل أن يكون ذلك نتيجة لارتجاع المريء، وتلقى بعض الأدوية، ثم عاد إلى المنزل.
لكن بعد مضي يومين، كان الإحساس بالقرقرة لا يزال موجودًا، لذلك سعى للحصول على مزيد من المشورة الطبية وإجراء فحصًا بالأشعة، وعندها أخبره الأطباء بأن عليه مقابلة اختصاصي بأمراض الجهاز الهضمي على الفور.
وأخبره الطبيب أن هناك "كتلة كبيرة" في القولون والكبد، مشتبهًا بإصابته بالسرطان في المرحلة الرابعة، وهي المرحلة الأكثر تقدمًا من مرض السرطان.
ويتذكر سوكولوفسكي قائلًا: "كان رد فعلي الأول كيف يمكن أن يحدث هذا؟ لم أفوت أي فحصٍ قط".
لكن في عمر الـ 48، لم يكن سوكولوفسكي كبيرًا بما يكفي لإجراء فحص تنظير القولون المنتظم الموصى به في الولايات المتحدة. ولم يكن قد عانى من أي أعراض قبل الشعور بالقرقرة في معدته.
وأكد فحص التصوير بالرنين المغناطيسي، وتنظير القولون، وعينة الأنسجة السيناريو الأسوأ، كان سوكولوفسكي مصابًا بسرطان القولون في المرحلة الرابعة.
ويُوضح سوكولوفسكي: "أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي انتشار السرطان في ستة أماكن بجسمي في القولون، والكبد، وعظم القص، والعمود الفقري، والعقد الليمفاوية، وجدار البطن".
وأخبره أطباء الأورام أنه لا يوجد علاج لحالته، قائلًا: "قدموا تقييمًا بأنني سأعيش لفترة تتراوح بين سنتين ونصف وخمس سنوات".
حب السفر
ويتخذ سوكولوفسكي من مدينة أتلانتا الأمريكية مقراً له، وهو الابن الأمريكي من الجيل الأول لاثنين من المهاجرين البولنديين. ويشير إلى أن شغفه بالسفر ينبع من فصول الصيف العديدة التي قضاها في بولندا. وفي العشرينات من عمره، بدأ السفر كلما استطاع، واستكشف أوروبا بانتظام.
وعندما التقى سوكولوفسكي بزوجته إليزابيث في الثلاثينيات من عمره، أدرك الاثنان أنهما يتشاركان الشغف ذاته لرؤية العالم خلال الموعد الغرامي الأول لهما في جنوب أفريقيا، وتزوج الثنائي بعد ستة أشهر.
ويشير سوكولوفسكي إلى أنه: "عندما وُلد ابننا بعد عام من الزواج في 2010، تعهدّنا بأننا سنخرجه من البلاد كل عام".
وكان مهمًا بالنسبة للزوجين تعريف ابنهما بالثقافات والتجارب خارج الولايات المتحدة، فمنذ ولادته، انتقلت العائلة إلى 19 دولة، والعدد في ازدياد.
ويقول سولوفسكي إنه وزوجته يتطلعان دائمًا إلى الأمام. ونادرًا ما يعودان إلى المكان ذاته، ويركزان على كيفية تحقيق أقصى استفادة من ظروفهما الحالية، والتخطيط لشيء مثير للمستقبل.
ويتلقى سولوفسكي أعلى جرعة متاحة من العلاج الكيماوي. وقد حذره الأطباء من آثار جانبية مثل التعب، والقيء، وتساقط الشعر، وفقدان الوزن.
وحتى الآن، كانت الآثار الجانبية ضئيلة، واستمر سولوفسكي في ممارسة الرياضة والجري بانتظام.
ويقول سوكولوفسكي: "لم أعان من أعراض هذا المرض، عانيت من التعب قليلاً، لكنني تمكنت من التغلب عليه. لذلك كل ما قالوا لي إنه سيحدث، لم يحدث معي".
وألغى سوكولوفسكي وعائلته رحلة إلى أيسلندا في صيف 2021، ولكن مع مرور الأشهر، تم إخطاره بأن أورامه تتقلص، على عكس المتوقع، وكان بصحة جيدة بما يكفي لتحمل تخطي إحدى جلسات علاجاته الكيماوية، التي يخضع لها كل أسبوعين، للذهاب في إجازة في الخارج.
وحتى إصابته بـ"كوفيد-19" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 لم تضع حداً لخططه، ولحسن الحظ كان سوكولوفسكي مُلقّحًا ضد فيروس كورونا، وأصيب بالمرض بشكل خفيف.
وعندما حصل على الموافقة للسفر مع عائلته خلال فترة عيد الميلاد، شعر سوكولوفسكي بسعادة غامرة.
ويُوضح سوكولوفسكي: "حتى قبل أزمتي الصحية، كان السفر لا يزال يمثل أولوية، لأنه كان التزامًا قطعناه على أنفسنا عندما تزوجنا تجاه ابننا عندما وُلد أننا سنخرجه من البلاد كل عام. لذلك بالنسبة لي، كان ذلك دائمًا أولوية رقم واحد".
وبدأ سوكولوفسكي وزوجته إليزابيث وابنه برادن التخطيط لرحلة لعيد الميلاد ورأس السنة الجديدة. وذهبوا في مغامرة استمرت ثلاثة أسابيع في بولينيزيا الفرنسية، ثم توجهوا إلى بورا بورا، وموريا، وتاهيتي.
وسافر سوكولوفسكي ومعه حبوب العلاج الكيماوي، بالإضافة إلى رسالة احترازية من طبيبه للتأكد من قدرته على العودة إلى الولايات المتحدة - "فقط في حالة وجود نوع من الإغلاق بسبب كوفيد. وتنص هذه الرسالة أساسًا على أن" كريس مصاب بالسرطان في المرحلة الرابعة وهو مرض عضال، وهو يعتمد حقًا على علاجه الكيماوي".
وبينما تجنب سوكولوفسكي العديد من الآثار الجانبية لعلاجه، إلا أنه عند حلول يوم المغادرة كان يعاني من حالة صحية أصابت قدمه، والتي يمكم أن تتسبب بتقرحها وتورمها.
ويُوضح سوكولوفسكي أنه "عندما كنت أركض قبل رحلتنا، تسببت المتلازمة في ظهور بثور على قدمي، وأعتقد أنه كان لدي أربعة في كل قدم وكان من الصعب للغاية أن أتمكن من المشي - كان الأمر أشبه بالسير على شفرات الحلاقة".
ويتابع: "لذلك في اليوم الذي كنا نغادر فيه إلى بولينيزيا الفرنسية، مررنا بثلاثة مطارات مختلفة. مررنا عبر مطار أتلانتا، ومطار لوس أنجلوس الدولي، ثم مطار في تاهيتي، وفي المطارات الثلاثة، كان علي الجلوس على كرسي متحرك لأنني لم أستطع المشي، وشكّل ذلك نوعًا من الصعوبة".
لكن سوكولوفسكي يقول إن الوصول إلى بورا بورا والغوص في المياه الفيروزية كان بمثابة شفاء له على الفور تقريبًا، ويعزي السبب في ذلك إلى المياه المالحة، ويعتقد أيضًا أن السعادة والبهجة التي شعر بها لقضاء إجازة في مكان جميل مع أحبائه رفعت معنوياته، وقدمت رعاية ملطفة لا تُقدر بثمن.
وتحت السماء الزرقاء الدافئة، استمتعت العائلة بالسباحة مع أسماك القرش ذات الرؤوس السوداء والتزلج على سطح المياه، واستكشاف المناظر الطبيعية البركانية والاسترخاء.
عيش اللحظة
وبالنسبة إلى سوكولوفسكي وزوجته، كان من المهم أن يصارحا ابنهما برادن بشأن حالة والده، وخصوصًا أن تركيز الأسرة ينصب على صنع الذكريات، ومواصلة تشجيع ابنهما على اغتنام الفرص، وخوض المغامرات الجديدة.
وكانت إحدى لحظات سوكولوفسكي المفضلة من رحلة بولينيزيا الفرنسية عام 2021، مشاهدة برادن وهو يغوص مع أسماك القرش لأول مرة.
ويقول سوكولوفسكي: "لقد كان قلقًا بعض الشيء بشأن النزول إلى المياه مع أسماك القرش. ولكن بعد أن رآنا نفعل ذلك. قرّر القفز في المياه"، مضيفًا: "وفي المرة الأولى التي ظهرت فيها سمكة قرش أمامه، ثم استدارت وعادت أدراجها - كنت تحت الماء معه ونظرت إليه، وكانت مشاعر الإثارة الخالصة والأدرينالين والفرح ظاهرة على محيّاه".
ولم يصطحب سوكولوفسكي ابنه إلى بولندا بعد، لكنه يقول إن تلك الرحلة ضمن قائمة الرحلات المستقبلية. وكان يريد الانتظار حتى يبلغ برادن من العمر ما يكفي لفهم وتقدير الرحلة تمامًا.
وبينما تقيم العائلة حاليًا في أتلانتا، تفكر عائلة سوكولوفسكي أيضًا بجدية في الانتقال إلى بولينيزيا الفرنسية، إذا كان بإمكانهم جعل ذلك ممكنًا من خلال العمل عن بُعد وتوفر الرعاية الصحية.
ويتحدث سوكولوفسكي عن الوقت الذي قضته العائلة هناك: "لمدة 15 يومًا، كانت ابتسامة كبيرة تعلو وجهي. أعتقد بصدق أنه إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يعالجني من السرطان، فهو عيش حياة مليئة بالإيجابية والسعادة".
وأينما كانوا، سيظل السفر أولوية بالنسبة لعائلة سوكولوفسكي. وهذا العام، تأمل العائلة في السفر إلى بامبلونا بإسبانيا لمشاهدة السباق السنوي لمهرجان الثيران - وهو حلم طويل الأمد بالنسبة إلى سوكولوفسكي.
إعطاء الأولوية للصحة والسفر
ويأمل سوكولوفسكي في تحدي التوقعات والتعافي من مرضه. مهما بقي من الوقت، وقد تعهد بقضاء أكبر قدر ممكن منه، في استكشاف العالم مع أحبائه، مؤكدًا: "لا أعرف كم من الوقت تبقى لي على هذه الأرض، لكني أريد أن أترك ورائي ذكريات جميلة عن السفر وإرثًا حيث يمكن لابني أن يجعل كوكبنا أفضل ولو قليلاً".
ويمتلك سوكولوفسكي مدونة حيث يسترجع تجاربه الخاصة مع مرض السرطان، وقد أصبح شغوفًا بتشجيع الأشخاص المصابين بالمرض على السفر، إذا استطاعوا ذلك، وهو ملتزم بالمثل بتشجيع الأشخاص في الأربعينيات من العمر على إجراء فحص تنظير القولون.
وعندما تم تشخيص حالته، سأل سوكولوفسكي طبيبه عما كان إذا كان يمكن أن يكون هذا هو الحال، لو كان قد خضع لفحص تنظير القولون قبل ثلاث أعوام.
وتابع سوكولوفسكي: "قبل أن أنتهي من جملتي، أجابني كنت سأستأصل المرض، ولم تكن لتجلس هنا، وما كنا لنجري هذه المحادثة"، مضيفًا: "وقد أدهشني ذلك بشدة".
ومع ذلك، يرى سوكولوفسكي أن التفكير في "ماذا لو"، لم يكن مفيدًا له، موضحًا أنه لا يتطلع إلى الوراء، فهذا لا يساعد على الإطلاق، ومضيفًا: "أنا أتطلع فقط إلى الأمام، المرة الوحيدة التي أنظر فيها إلى الوراء هي عندما أخبر الناس بقصتي وأقول هذا ما حدث لي. لا تدع هذا يحدث لك".
وبدلاً من ذلك، ينصب تركيز سوكولوفسكي على البقاء بصحة جيدة قدر الإمكان، والتطلع إلى مغامرات مستقبلية مع عائلته.
ومن جانبها، تؤكد زوجته إليزابيث لـ CNN أن لديها النظرة ذاتها، قائلة: "عليك أن تعيش حياتك، فأنت تحصل فقط على حياة واحدة، والذكريات هي حقًا ما ستجعلك سعيدًا في النهاية".
ويقول سوكولوفسكي: "الشيء الوحيد الذي أنصح به الناس دائمًا هو الخروج من الفقاعة، والمدينة التي يعيشون فيها، والذهاب لاستكشاف العالم".