إليكم السبب وراء تشغيل شركات الطيران لـ"رحلات الأشباح" الفارغة

سياحة
نشر
11 دقيقة قراءة
هل سنشهد قريبًا نهاية "رحلات الأشباح" الفارغة؟
Credit: Photo by Tom Gandolfini/AFP/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- خلال الأيام الأولى لجائحة فيروس كورونا، عندما توقف الطلب على السفر الجوي فجأة وأُغلقت الحدود الدولية، أصبحت "رحلات الأشباح" ظاهرة شائعة.

كانت هذه طائرات فارغة أو شبه فارغة تحلق في السماء، إذ حافظت جداول شركات الطيران على التزاماتها التعاقدية للطيران.

والمشكلة هي أنه بعد ما يقرب من عامين، ما زالت هذه الطائرات تحلق بالسماء فوقنا.

وفي الواقع، ستُقلع أكثر من 100 ألف "رحلة طيران شبحية" فوق سماء أوروبا هذا الشتاء، وفقًا لتحليل حديث من منظمة السلام الأخضر.

وتدّعي جماعة حماية البيئة أن الأضرار المناخية "تعادل الانبعاثات السنوية لأكثر من 1.4 مليون سيارة".

وتم استقراء أرقام منظمة السلام الأخضر من مقابلة أُجريت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الألمانية "لوفتهانزا"، كارستن سبور، والتي حذر فيها من أن مجموعة "لوفتهانزا" كانت تواجه احتمال تشغيل 18 ألف رحلة طيران زائدة عن الحاجة خلال فصل الشتاء، الذي يستمر ستة أشهر، للاحتفاظ بمواعيدها وفقًا للقواعد الأوروبية.

ومن خلال الحركة الجوية لشركة "لوفتهانزا"، التي تمثل 17% من السوق الأوروبية، تعتقد منظمة السلام الأخضر أن العدد الإجمالي لرحلات الطيران الشبحية في أوروبا سيُولد 2.1 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

وأثار هذا التحليل موجة من الغضب.

وأكدت الناشطة في حملة المناخ جريتا ثونبرج أن "خطوط بروكسل الجوية (جزء من مجموعة لوفتهانزا) تقوم بثلاثة آلاف رحلة غير ضرورية للحفاظ على مواعيد المطار".

وفي المملكة المتحدة، تم إطلاق عريضة تناشد الحكومة بوقف الرحلات الجوية الشاغرة.

وفي غضون ذلك، أعربت "لوفتهانزا" أنها تبذل قصارى جهدها لملء جميع طائراتها، لكنها كانت تكافح لتحقيق التوازن بين فوضى "كوفيد-19" والحاجة إلى التقيد بجدول رحلاتها.

ويقول المتحدث باسم الشركة إن الأزمة "أدت إلى زيادة كبيرة في قيود السفر وحالات المرض بين عامة السكان وبين الموظفين".

وأشار إلى أن "هذا لم يقلل فقط من الاتجاه السابق للانتعاش، ولكنه تسبب أيضًا في حدوث ركود كبير في الطلب".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعهدت صناعة الطيران خلال الاجتماع السنوي لاتحاد النقل الجوي الدولي بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050.

ويقول هيرويغ شوستر، المتحدث باسم حملة "التنقل الأوروبي للجميع" التابعة لمنظمة السلام الأخضر : "نحن في أزمة مناخية، وقطاع النقل لديه الانبعاثات الأسرع نموًا في الاتحاد الأوروبي والرحلات الجوية الشبحية التي لا فائدة منها تُعد مجرد غيض من فيض للجميع"، مضيفًا: "سيكون تصرفًا غير مسؤول من جانب الاتحاد الأوروبي ألا يأخذ الثمرة المتدلية المتمثلة في إنهاء الرحلات الجوية الشبحية وحظر الرحلات الجوية قصيرة المدى حيث يوجد اتصال قطار معقول".

إذا، لماذا لا تزال هذه الرحلات مستمرة - وما الذي يفعله أصحاب المصلحة في مجال الطيران للتخلص من الروتين الذي أوقع شركات الطيران في هذه الفوضى الضارة بالمناخ؟

الأصول الثمينة

هل سنشهد قريبًا نهاية "رحلات الأشباح" الفارغة؟
يقول رئيس شركة لوفتهانزا إن المجموعة سوف تضطر إلى تشغيل 18 ألف رحلة غير ضرورية خلال فصل الشتاء من أجل الاحتفاظ بأماكنها في المطار.Credit: Silas Stein/AFP/Getty Images

والسبب في استمرار شركات الطيران في تشغيل هذه الرحلات الجوية باهظة الثمن، يتمثل بأن الصناعة منخرطة في لعبة تنطوي على مخاطر عالية ومربحة أكثر من لعبة الحظ.

وحتى عندما يبقى الركاب بعيدّا، لا تزال شركات الطيران بحاجة إلى حماية الوقت المحدد لها على مسارات ثمينة.

ومع وجود أكثر من 200 من أكثر المحاور ازدحامًا على كوكب الأرض تعمل بكامل طاقتها، فإن الطلب على الرحلات الجوية يتجاوز توافر مدارج الهبوط والمساحة داخل مباني الركاب.

ولإدارة هذا الأمر، يتم تقسيم السعة دخل المطارات المزدحمة، من خلال توفير منشأة للهبوط، وإعادة التزود بالوقود، واستقبال مجموعة جديدة من الركاب ثم الإقلاع مرة أخرى - كل ذلك في إطار زمني محدد ومنظم. وتقوم شركات النقل بعد ذلك بتخطيط جداولها بناءً على ذلك.

ومن أجل تحقيق أقصى قدر من الإيرادات، يجب أن تتوافق الجداول الزمنية مع الطلب.

وتتمتع المواعيد الصباحية المبكرة للمسافرين من رجال الأعمال الذين يسافرون لمسافات قصيرة ورحلات العودة في اليوم ذاته بقيمة عالية.

نظام محير للعقل

هل سنشهد قريبًا نهاية "رحلات الأشباح" الفارغة؟
مطار هيثرو هو أكثر المطارات ازدحاما في المملكة المتحدة.Credit: Peter Macdiarmid/Getty Images Europe/Getty Images

ومع قيام شركات الطيران بتشغيل مئات المسارات بين المدن، وبعضها متزامن مع الرحلات المتصلة، يجب إدارة هذا النظام المحيرّ، وتخصيص الرحلات مرتين في السنة لجداول الصيف والشتاء.

ويُعد إعادة التخطيط كل ستة أشهر أمرًا معقدًا للغاية، لذلك هناك قاعدة تنص على أنه إذا نجحت شركة الطيران في استخدام جدولها بنسبة 80% على الأقل من الوقت، يُسمح بالاحتفاظ بجدولها في الموسم التالي، وهو نظام يُعرف باسم "حقوق الجَد".

لذلك، هناك القليل جدًا من المرونة لإدخال مسارات جديدة، خاصة في المطارات المزدحمة.

وتشمل الصفقات القياسية التي قامت فيها شركات الطيران بتبادل هذه الخانات، حالة شركة الطيران العُماني، التي ورد أنها دفعت 75 مليون دولار مقابل خانات إقلاع وهبوط في مطار هيثرو في أوائل عام 2016.

ويمكن أيضًا تداول الخانات بطرق أخرى، مثل المقايضات بين الشركات الناقلة، على غرار الطريقة التي تستعير بها فرق كرة القدم اللاعبين.

وبسبب نظام "حقوق الجد"، فإن تقليص شركات الطيران من استخدام خاناتها يعد مخاطرة بفقدان تلك الخانات.

وتهدّد قدرة سعة الرحلات الجوية قبضة شركات الطيران على خاناتها، ولهذا السبب قد يستمر تشغيل الطائرات حتى عندما تكون شبه فارغة تقريبًا.

ومن منظور إحدى أكبر شركات الطيران منخفضة التكلفة في أوروبا ، فإن حل مشكلة رحلات الطيران الشبحية يُعد أمرًا سهلاً.

ويقول رئيس شركة طيران "رايان إير" الإيرلندية، مايكل أوليري، "إذا كانت لوفتهانزا تحتاج حقًا إلى تشغيل هذه الرحلات (فقط لمنع منح هذه الخانات الزمنية لشركات الطيران المنافسة)، فيجب أن يُطلب منها بيع هذه المقاعد الفارغة للمسافرين بأسعار منخفضة".

ويدعي أوليري أن "لوفتهانزا" وشركات الطيران التابعة لها قد استفادت من مليارات المساعدات الحكومية، موضحًا أنه "بدلاً من تشغيل الرحلات الجوية الفارغة فقط حتى تتمكن من سد فترات زمنية محددة، يجب على لوفتهانزا أن تفرج عن المقاعد في هذه الرحلات ببيعها بأسعار منخفضة لمكافأة دافعي الضرائب الألمان والأوروبيين الذين دعموها بمليارات اليورو خلال أزمة كوفيد-19".

ومع ذلك ، يقول المتحدث باسم "لوفتهانزا" إن الوضع مختلف بالنسبة لشركات الطيران الكبرى، مضيفًا: "تعتمد شركات مثل مجموعة لوفتهانزا بشكل أكبر على خانات الرحلات الجوية التي تربط الركاب بمسارات طويلة المدى في محاور المجموعة أكثر من شركات الطيران منخفضة التكلفة التي تميل للسفر إلى المطارات الأصغر حيث لا يوجد عادةً نقص في الخانات الزمنية".

والاستثناء الوحيد لقاعدة "استخدمها أو تفقدها" هو شرط الظروف القهرية. ومع ذلك، لا يتم تفسير هذه الظروف بشكل موحد في جميع أنحاء أوروبا.

وتقترح "لوفتهانزا" أن تُمنح جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استثناءات لقواعد الإقلاع والهبوط حتى يتم معالجة المشكلة بمرونة، مما يقلّل من البيروقراطية لجدول رحلات الشتاء الحالي.

ويقول المتحدث باسم المفوضية الأوروبية: "ينبغي أن تدعو مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى لوائح موحدة بحيث يتم تجنب الرحلات الجوية غير الضرورية، وتكون شركات الطيران قادرة على التخطيط بشكل أفضل".

الحماية والتنافس

وفي الوقت ذاته، أعرب مجلس المطارات الدولي في أوروبا، وهو الرابطة المهنية لمشغلي المطارات التي تمثل أكثر من 500 مطار في 55 دولة، عن استيائه من الصناعة المتصاعدة والخطاب السياسي حول رحلات الأشباح، مشككًا بمنطق الشركات الناقلة المركزية الرئيسية القائل إن رحلات الأشباح لا مفر منها.

ويقول المدير العام لمجلس المطارات الدولي في أوروبا، أوليفييه يانكوفيتش: "تدعي بعض شركات الطيران أنها مجبرة على تشغيل عدد كبير من الرحلات الفارغة من أجل الاحتفاظ بحقوق استخدام خانات المطار. ولا يوجد أي سبب على الإطلاق يجعل هذا الأمر واقعًا"، موضحًا أن "قواعد استخدام الخانات تحتاج إلى تحقيق أمرين في ظل الظروف الحالية: حماية شركات الطيران من أسوأ حالات عدم التنبؤ التي تخرج عن متناول أيدينا، والأهم من ذلك، ضمان أن سعة المطار لا تزال مستخدمة بطريقة تنافسية".

وأشار يانكوفيتش إلى أن التوفيق بين الجدوى التجارية والحاجة إلى الاحتفاظ باتصال أساسي، والحماية من العواقب المنافية للمنافسة مهمة حساسة.

وللمضي قدمًا، أصدر اتحاد النقل الجوي الدولي بيانًا يرحب بالإرشادات المحدثة من رابطة منسقي المطارات الأوروبية، والتي تهدف إلى توفير سياسات أكثر تناسقًا بشأن استخدام خانات المطار.

ومن جانبه، قال المدير العام لاتحاد النقل الجوي الدولي، ويلي والش، إن مثل هذه الخطوة كانت حاسمة من أجل "الحفاظ على الاتصال الجوي الأوروبي المهم" و"تسوية الساحة مع السلطات القضائية التي أدركت الحاجة إلى المرونة الكاملة".

وسيكون هذا الوعد بالمرونة محوريًا لتقليل الرحلات الفارغة. ولكن في نهاية المطاف، لن يتحقق القضاء التام عليها إلا عندما تمكّن رغبة الجمهور في السفر الجوي، المتأثرة بالكامل بفيروس كورونا، شركات الطيران لملء طائراتها بالركاب بدلاً من الأشباح.