دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في حال تجولك في مدينة الموتى بالعاصمة المصرية القاهرة يمكن أن تستوقفك القباب التي تعلو العديد من المقابر، والزخارف الإسلامية التي تزين أسوارها. لكن، ما هي حكاية هذه المقبرة التاريخية في القاهرة، حيث يسكن الأحياء أضرحتها اليوم؟
ولطالما كانت مدينة الموتى موقعًا ساحرًا وغامضًا يحمل مرآة للتراث غير المادي لمصر.
وتُعد مدينة الموتى جزءًا من مدينة القاهرة التاريخية، المسجلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي منذ عام 1979.
ومن المثير للاهتمام أن الموقع يُعد تجسيدًا لفكرة قديمة أن الموت ليس النهاية، إذ أمضى المصريون القدماء غالبية حياتهم في الاستعداد للحياة الآخرة.
ويعود تاريخ مدينة الموتى إلى الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع، وكان السهل عند سفح جبل المقطم، جنوب شرق القاهرة الحالية، بمثابة موقع دفن مهم للبلاد، وهناك ترقد شخصيات بارزة مثل عمرو بن العاص، الذي قاد فتح مصر وشغل منصب حاكمها لسنوات.
ومن هذا الموقع الأولي، أضاف حكام مصر اللاحقون مناطق جديدة وسعت مقبرة القاهرة إلى الشمال والجنوب. وتتكون "القرافة الكبرى"، المعروفة أيضًا باسم مدينة الموتى، حاليًا من منطقتين رئيسيتين - الجبانات الجنوبية والشمالية - والتي تمتد معًا على مسافة 12 كيلومترًا، وتغطي مساحة تبلغ حوالي 1000 هكتار.
وأشارت جليلة القاضي، مهندسة معمارية ورئيسة قسم الأبحاث في معهد أبحاث التنمية المستدامة في العاصمة الفرنسية باريس، في كتابها بعنوان "Architecture for the Dead: Cairo's Medieval Necropolis" الذي نُشر عام 2007، إلى أن مدينة الموتى لها أهمية تاريخية وقيمة معمارية ورمزية، حيث يرقد السلاطين، والمماليك، وحكام مصر، والشخصيات السياسية والفنية والاقتصادية للبلاد، بالإضافة إلى عدد كبير من المصريين.
وكان الشغف بتصوير فن العمارة الإسلامية، وخاصة المواقع التي لم يتطرق الكثير من المصورين المحترفين إليها هو ما دفع المهندس المصري هشام عبد العاطي إلى استكشاف مدينة الموتى في القاهرة من أجل توثيقها، حسبما ما ذكره لموقع CNN بالعربية.
وأشار عبد العاطي في مقابلة مع موقع CNN بالعربية، والذي يتخذ التصوير كهواية، إلى أن صحراء المماليك أو الجبانة الشرقية في مدينة الموتى تحوي الكثير من الكنوز الحقيقية، والتي تعد مُهمَلة تماماً، حسبما ذكره.
ومن وجهة نظر عبد العاطي، تتميز هذه المقبرة التي تقع في إحدى مناطق القاهرة الشعبية بمساحتها الشاسعة.
وتُعد الجبانة الشرقية من أهم الجبانات الآثرية القديمة، حيث استخدمها ملوك وأمراء مصر منذ نهاية القرن الرابع عشر الميلادي لإنشاء المساجد والخانقاوات وألحقوا بها مدافن لهم. وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي كانت بها مجموعة من النادر أن تُوجد في مكان واحد تمثل روعة وعظمة فن العمارة في العصر المملوكي، وفقًا لموقع وزارة السياحة والآثار المصرية.
وفي هذه الجبانة، يوجد أكثر من عشرين قبة دفن، منها تسعة قباب ملحقة بالمساجد، من بينها خمسة قباب لدفن السلاطين أشهرها: مسجد ومدفن خانقاة فرج بن برقوق، وخانقاه السلطان إينال، وقبة جاني بك الأشرفي، وقبة قرقماس، ومسجد وخانقاه السلطان الأشرف برسباي، وقبة ومدرسة السلطان قايتباي، بحسب موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.
ويصف عبد العاطي مدينة الموتى بأنها مكان مثير للغموض، مفعم بالأجواء الملهِمة، وضارب بجذوره في عمق التاريخ الإسلامي لقاهرة المعز بصورة تسحر الزائر وتثير الشجن والخيال معاً.
وخلال زيارته القصيرة، ركز عبد العاطي على توثيق بعض القباب المملوكية التي تتميز بجمال كبير حتى وهي في حالة مهمله، إلى جانب بعض المساجد التي تُعد بمثابة "تحف معمارية" وأطلال البوابات الأثريه.
وأشار عبد العاطي إلى كيفية تعامل أهالي المنطقة، بسلوك لطيف جدًا مع الزوار.
ويقول: "أتذكر أنه في يوم زيارتي، كان المطر يتساقط بغزارة، فالتجأت إلى أحد الأحواش التي تقطنها إحدى الأسر كي أحتمي من المطر الشديد، وبادروا إلى استضافتي، وأصروا على تقديم الشاي الساخن، وما تيسر من الفاكهة. ومع حالتهم المتواضعة، إلا أنهم في غاية الكرم والرضا بحياتهم البسيطة وسط المقابر".