دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تُعتبر القطارات وسيلة النقل الوحيدة، لتلبية احتياجات التنقل المستقبلية.. فهي أسرع، وأقل تلوثًا، وصديقة أكثر للبيئة، ومزودة بالتكنولوجيا المتقدمة.
لكن، رغم أن عددًا قليلاً من المشاريع يعِد بسفر فائق السرعة، فإن جزءًا كبيرًا من الصناعة يركز على إبقاء سكان العالم المتحضرين يقومون بحركة تنقل متزايدة بالتوازي مع الحد من آثار التغير المناخي.
ولكن، عندما دخل العالم عصر جائحة "كوفيد-19" وإسوة بالعديد من قطاعات صناعة السفر الأخرى، واجه مشغلو القطارات في جميع أنحاء العالم، إحدى أصعب المراحل خلال العامين الماضيين.
فقد تراجعت أعداد الركاب بين ليلة وضحاها عام 2020، بعدما منعت عمليات الإغلاق التام المتوجهين إلى مكاتب عملهم والمسافرين بغرض الترفيه على حد سواء، من مغادرة منازلهم.
وشكل هذا الواقع تهديدًا كبيرًا لشركات خطوط السكك الحديدية في العالم، التي اعتمدت على هذا المصدر المربح والمضمون للإيرادات منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وكل هذا يجعل الحديث عن "عصر ذهبي" للسفر بالسكك الحديدية غير وارد راهنًا. لكن مع اقترابنا من الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لأول خط سكة حديد للركاب، عام 2025، بات مهمًا للغاية للقطارات توفير التنقل المستدام في عالم يواجه تحديات تغير المناخ، وزيادة المناطق الحضرية، والنمو السكاني.
واستنادًا إلى تقرير صدر عام 2019، عن المستشار الهندسي "Arup"، فإنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى نحو 9.5 مليار بحلول عام 2050، وسيعيش 75٪ منهم في المدن.
وقدّرت الشركة أن عدد سكان المدن في العالم ينمو بمعدل شخصين في الثانية، أي 172.800 من سكان المدن الجدد يُولدون يوميًا. بينما يتراجع عدد السكان في بعض مناطق العالم، مثل أجزاء من أوروبا واليابان، ويتوقع أن يبلغ النمو السكاني في مدن العالم النامي الكبرى نسبة 90٪.
لذا، فإن وسائل النقل العام الفعالة، ضمنًا القطار، ضرورية للحفاظ على حركة هذه المدن، وتلك الرابطة بين المناطق والمدن الكبيرة سريعة النمو.
القطارات السريعة: ما السرعة التي يمكن أن تصل إليها؟
للقطارات عالية السرعة دورًا كبيرًا تلعبه في هذا المشهد العام.
وتصدرت "القطارات السريعة" الأنيقة عناوين الأخبار مع استمرار نمو شبكة خطوط السكك الحديدية عبر أوروبا وآسيا، ووضعت تصاميم جديدة لها، أو باتت موضع التنفيذ في دول مثل فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، والهند، واليابان، وعلى نطاق أوسع بكثير، في الصين، حيث ستصل الشبكة عالية السرعة إلى 50 ألف كيلومتر بحلول عام 2025.
وعندما اكتمل مسارها عالي السرعة 2 (HS2)، المثير للجدل بسبب الإنفاق الزائد في الموازنة، ومرور الخط عبر مناطق طبيعية حساسة، أوائل عام 2030، فإنه سيكون لدى انكلترا أسرع القطارات التقليدية في العالم، التي تعمل في الخدمة العادية بسرعة 225 ميلاً في الساعة، لكنها قادرة على السير بسرعة 250 ميلاً في الساعة (400 كيلومتر/ الساعة).
وستحدث عملية المزج بين تقنية "القطار السريع" اليابانية مع التصميم البريطاني لبناء خطوط بلغت كلفتها 2.5 مليار دولار، ثورة في السفر بين لندن وميدلاندز في إنجلترا والمدن الشمالية. وسيؤدي نقل حركة المرور لمسافات طويلة إلى المسار عالي السرعة 2، أيضًا إلى توفير القدرة الاستيعابية المطلوبة بشدة على السكك الحديدية الحالية لنقل المزيد من الركاب المحليين والشحن.
ورغم ذلك، على مدى عشرات السنين من التشغيل، خلصت دول مثل فرنسا، واليابان، والصين إلى أن فوائد تشغيل القطارات عالية السرعة التي تزيد عن 200 ميل في الساعة تستوجب تكاليف صيانة وطاقة مرتفعة.
وراهنًا، تتطلع قطارات الأوزان الثقيلة عالية السرعة القائمة في اليابان والصين إلى تكنولوجيا ما بعد "الفولاذ على الفولاذ" لتطوير قطارات تصل سرعتها إلى 373 ميلًا في الساعة (600 كيلومتر/ الساعة).
ويرافق الترويج لمفهوم القطارات فائقة السرعة مع المسارات المخصصة لها من خلال استخدام تقنية الرفع المغناطيسي (maglev) على أنه "مستقبل السفر" لأكثر من 50 عامًا"، لكن، رغم الخطين التجريبيين والطريق الصيني الذي يربط وسط مدينة شنغهاي بمطارها، فقد ظل هذا المفهوم نظريًا إلى حد كبير.
قطارات من دون سائق: هل ستصل إلى مسار بالقرب منك؟
وتحقيقا لهذه الغاية، تستثمر العديد من الدول بكثافة في القطارات ذاتية القيادة، ويرجح أن تصبح مشهدًا مألوفًا خلال عشرينيات القرن العشرين.
والتشغيل التلقائي ليس حديثًا، ذلك أن إطلاقه يعود إلى عقود خلت، مثل خط فيكتوريا في مترو أنفاق لندن الذي يعمل جزئيًا بهذه الطريقة منذ افتتاحه عام 1967، لكنه يقتصر عادةً على الخطوط المستقلة ذات القطارات المماثلة التي تعمل لفترات زمنية محددة.
ومهدت الصين الطريق في مجال القطارات ذاتية القيادة في السنوات الأخيرة، من خلال إدخال القطارات المستقلة عالية السرعة الوحيدة في العالم، التي تصل سرعتها إلى 186 ميلًا في الساعة (300 كيلومتر في الساعة) وتربط بين بكين وأماكن الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت مطلع عام 2022.
وتجري اليابان أيضًا اختبارًا لـ"القطارات السريعة" ذاتية القيادة من المحطات إلى المستودعات.
لكنّ تشغيل القطارات من دون سائق على خطوط قائمة بذاتها متفق عليه. ولكن عملية سيرها بأمان على خطوط السكك الحديدية التقليدية متعدّدة الاستخدامات، حيث تختلط قطارات الركاب والشحن بخصائص وسرعات وأوزان مختلفة للغاية، هو أمر أكثر تعقيدًا.
وستسمح البيانات الضخمة وما يُعرف بإنترنت الأشياء لأنماط النقل بالتواصل مع بعضها البعض ومع البيئة الأوسع، ما يمهد الطريق لرحلات أكثر تكاملاً ومتعددة الوسائط. وستلعب الروبوتات الذكية دورًا أكبر بفحص البنية التحتية مثل الأنفاق والجسور، وفي الصيانة الفعالة للهياكل القديمة.
استبدال محركات الديزل وتقليل أثر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون
ورغم مؤهلاتها الصديقة للبيئة المثبتة عند مقارنتها مع الطيران، لا يزال أمام القطارات طريقًا طويلًا لتقطعه في مجال تقليل انبعاثات الكربون والتلوث، بسبب محركات الديزل. وتماشيًا مع أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بتغير المناخ، التزمت العديد من الدول بإلغاء قطارات الديزل بحلول عام 2050، أو حتى قبل ذلك.
وفي أوروبا وأجزاء كثيرة من آسيا، فإن غالبية المسارات الأكثر ازدحامًا تعمل على الكهرباء، بيد أنّ الوضع متفاوت، حيث تتراوح بين التشغيل الكهربائي بنسبة 100٪ تقريبًا في سويسرا، إلى أدنى من 50٪ في المملكة المتحدة، ويقارب الصفر في بعض البلدان النامية.
ويبدو أن تقنية البطارية ستؤدي دورًا كبيرًا في القضاء على "محركات الديزل الملوثة"، سواء بالنسبة لنقل البضائع الثقيلة، أو لنقل الركاب حيث لا يمكن تبرير تشغيل الكهرباء الكاملة. ويتم حاليًا اختبار العديد من النماذج الأولية التي تعمل على البطاريات أو قيد التطوير، ومع تطور التكنولوجيا، يجب أن تبدأ القطارات بالتخفيف من الاعتماد على الديزل قبل إيقافه بنهاية هذا العقد.
ولكن بالنسبة للآخرين، فإن استخدام الهيدروجين هو الأمل الذي يتم التعويل عليه للحد من انبعاثات الكربون من مركبات السكك الحديدية. ويمكن توزيع الهيدروجين الأخضر، الذي أنشئ في محطات مخصصة باستخدام مصادر الكهرباء المتجددة، لتشغيل خلايا الوقود التي تدير المحركات الكهربائية.
وتمهد شركة بناء القطارات الفرنسية "Alstom" الطريق من خلال تصنيع قطار "Coradia iLint" والذي يعمل على الهيدروجين والكهرباء، والذي نقل ركابها الأوائل عام 2018، ما يؤسس لإنتاج قطارات مماثلة حاليًا للعديد من الدول الأوروبية.
وثمة عوامل أخرى طبيعية تواجهها السكك الحديدية في جميع أنحاء العالم، حيث يتعرض العديد منها في المناطق المنخفضة والساحلية لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر والمزيد من الظواهر المناخية القاسية التي تهدد بجرف البنية التحتية القائمة.
وبعيدًا عن الساحل، تتسبب الرياح القوية، والأمطار الغزيرة، ودرجات الحرارة القصوى بفيضانات مفاجئة، وانزلاقات أرضية، وتعطل في المعدات ما يعيق حركة المسافرين ويكلف ملايين الدولارات لإصلاحها سنويًا.
وأدى الوعي للضرر البيئي الناجم عن السفر الجوي بالفعل إلى نهضة السفر بالقطارات بسرعة في أوروبا.
وتستمر هذه الحركة باكتساب الزخم مع العديد من المسارات الجديدة المخطط لها لعام 2022/23، بالإضافة إلى مشغلين جدد يخططون لدخول السوق.