دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- داخل هذا المطار، الذي يمتد على مساحة 1،614 قدم مربع فقط، تستعد طائرة من طراز "إيرباص A380" للإقلاع والتحليق بين السحاب.
ولكن هذا ليس مطارًا حقيقيًا، فالطائرات هنا مزيفة والغيوم مطلية.
إنه عالم العجائب المصغر، الذي يعد أكبر نموذج للسكك الحديدية في العالم، وليس فقط موطنًا لأكبر نموذج مطار في العالم.
ويحتضن عالم العجائب الصغير نسخًا مصغرة لبعض الوجهات الأكثر شعبية في العالم مثل البندقية، ماتشو بيتشو، ولاس فيغاس، وغيرها.
ويمتد عالم العجائب المصغّر "Miniatur Wunderland" عبر عدة طوابق داخل مستودعٍ قديمٍ في مدينة هامبورغ بألمانيا، ويُعد بمثابة أعجوبة هندسية وأحد أكثر مناطق الجذب السياحي المحبوبة في المدينة الألمانية.
ويُعد المطار بمثابة جوهرة التاج في هذا العالم المصغّر، إذ يجسد مركز النقل الحقيقي في هامبورغ، ويضم 52 طائرة متحرّكة صممت بعناية لتتناسب مع نظيراتها الواقعية الأكبر حجمًا.
ويُعد عالم العجائب المصغّر من بنات أفكار الأخوين التوأم فريدريك وجيريت براون،
ويتذكر فريدريك أنه اتصل بأخيه وأخبره أن لديه "فكرةً عظيمة"، ورحّب جيريت بالفكرة على الفور.
ويقول جيريت لـCNN: "كان لدينا حلم بناء نموذج مصغر من عالم كبير في مرحلة الطفولة، لكننا نسينا هذا الحلم عندما كنا في عمر الـ15 أو الـ16 عامًا".
وبمجرد ما أن نطق فريدريك بالفكرة بصوت عالٍ، عادت رؤية الطفولة هذه لجيريت.
ويتابع: "لقد استغرق الأمر ثوانٍ، كل الصور من طفولتنا - وما يمكننا فعله - خطرت ببالي. ولم تكن هذه الصور ثابتة، بل كانت مليئة بالحركة والحياة، الأضواء فيها تضيء وتنطفئ، القطارات تعمل، والطائرات تحلّق ..."
وفي غضون أسابيع، كان الأخوان يرسمان مخططًا لرؤيتهما، وفي غضون أشهر، وقّعا عقد إيجار مبنى في منطقة ميناء هامبورغ.
وحظي عالم العجائب المصغر بجاذبية جماهيرية، وأصبح على كل لسان عند افتتاحه في أغسطس/ آب عام 2000.
ويشير فريدريك إلى أنه معرض لجميع أفراد الأسرة، ولكل شخص، من عمر عام إلى 100 عام، للنساء وللرجال".
تصميم نسخة مصغرة من عالمنا
وقبل أن يفتح عالم العجائب المصغر أبوابه أمام الجمهور، جلس الأخوان مع شريكهما المؤسس الثالث، وهو صديقهما ستيفان هيرتز، وأعدّوا قائمة بجميع المشاهد التي يرغبون بمشاهدتها في شكل مصغّر.
وكانت الخطوة التالية هي البحث عن شخص يبني نموذج يمكنه المساعدة في تحقيق حلمهم، وقادهم بحث عبر الإنترنت إلى عارض الأزياء الألماني الماهر، غيرهارد داوشر.
ورفض داوشر في البداية هذه الفرصة بسبب انشغال جدول أعماله بالكامل.
ومع ذلك، يتذكر فريدريك أن داوشر اتصل به بعد يومين، قائلًا/ "لم يستطع داوشر أن يبعد الفكرة من عقله، لذا أعاد تنظيم جدول أعماله وانضم إلى فريقنا".
وفي حديثه إلى CNN، قال داوشر إن مشروع عالم العجائب المصغر ناشد شغفه الطويل بالسكك الحديدية، كما كان متحمسًا أيضًا لإمكانية إنشاء مصغرات خيالية من واقعنا.
وخلال العقدين الماضيين، نما فريق عالم العجائب المصغر إلى أكثر من 250 موظف، بينهم فريق ماهر من بناة النماذج الذين يخططون باستمرار لطرق جديدة لإثارة وإسعاد الزوار.
ويتواجد أيضًا كهربائيون في متناول اليد، وفريق من الفنيين يراقبون الأحداث اليومية من غرفة التحكم الداخلية.
وسرعان ما انضم سيباستيان دريشسلر، الأخ الأصغر لفريدريك وجيريت، إلى الفريق.
ويصغر دريشسلر أخويه التوأم بعشر سنوات، ويتذكر أنه قضى غالبية فترة طفولته في تدمير نماذج السكك الحديدية الخاصة بأخوية الأكبر سناً، عن طريق الخطأ.
واليوم، يتولى دريشسلر مسؤولية التسويق لعالم العجائب المصغر.
بناء نموذج مطار
وربما كانت فكرة فريدريك الأكثر طموحًا هي مطار عالم العجائب المصغر، الذي افتتح في عام 2011، واستغرق هذا التوسّع نحو 6 أعوام لتشييده، بتكلفة بلغت ما يقرب من 400 ألف دولار.
وتتضمن النتيجة النهائية 62 ميلاً من الأسلاك و75 مبنى و40 ألف مصباح LED.
وعلى عكس غالبية المناظر الطبيعية في عالم العجائب المصغر، والتي تُعد تقريبية لنظيراتها في الحياة الواقعية، يُعد المطار نسخة طبق الأصل من المطار الحقيقي في هامبورغ.
ويوضح جيريت أن هذا يرجع جزئيًا إلى أنه كان من الأسهل نسخ مخطط المطار ثم تصغيره بدلاً من "تعلم كل شيء عن الطائرات، وكيف تتحرك على الأرض، وما هي المساحات التي تحتاج إليها".
وأمضى جيريت أربعة أشهر في القيام بزيارات منتظمة إلى مطار هامبورغ، والتحدث إلى العمال والتقاط آلاف الصور لاستخدامها كمصدر إلهام.
وكان إنشاء طائرة واقعية ومحاكاة الإقلاع والهبوط محورًا رئيسيًا، لكن جيريت تحدث أيضًا إلى فرقة إطفاء المطار وعمال نظافة المطار والفريق المسؤول عن إزالة الجليد عن الطائرة.
ويوضح داوشر: "أردنا أن يتمتع المطار بجو حقيقي".
وعندما زارت CNN معلم الجذب، اندلع "حريقٌ" في المطار، وتدخلت سيارات إطفاء المطار، وكل ذلك كان جزءً من تجربة المحاكاة، لكن كان الأمر مقلقًا للحظات رؤية طائرة تحترق ويتصاعد منها الدخان.
وفي عالم العجائب المصغر، تحلق طائرات من طراز "إيرباص إيه 380" و"سيسنا"، وقد صُممت للإقلاع والهبوط بطريقة تبدو "حقيقية" قدر الإمكان.
ويوضح داوشر أن العملية معقدة وتقنية للغاية، إذ تتم أتمتة الكثير من الأحداث في عالم العجائب المصغر، بما في ذلك إقلاع الطائرة وهبوطها وتحوّل الإضاءة المنتظم لمحاكاة تبدّل النهار إلى الليل.
ويشير داوشر إلى أن الفنيين في غرفة التحكم، يركزون غالبًا على التحقق من الأخطاء وإصلاحها.
أما عن السبب الأكثر شيوعا لحدوث الأخطاء، فإنه يتمثل بالغبار ببساطة، و"كلما زاد الغبار الموجود على السطح، تتوقف القطارات والطائرات".
وبعد مرور أكثر من عقد منذ إطلاقه، لا يزال المطار أبرز معالم عالم العجائب المصغر.
أما المشكلة الوحيدة، فتتمثل بأنه كلما طرأ تغيّر على مطار هامبورغ الحقيقي، يشعر الفريق بالضغط لتغيير النموذج ليتناسب مع ذلك التغيير.
ومع ذلك، يُعد عالم العجائب المصغر بمثابة عامل جذبٍ دائم التطور.
ويستمر توسع عالم العجائب المصغر في النمو، ومن المقرر أن يكتمل بناء مصغر عن أمريكا الجنوبية في غضون السنوات الخمس المقبلة مع إضافة غابات الأمازون المطيرة الصغيرة وسلسلة جبال الأنديز.
وهناك خطط للتوسع إلى مبنى آخر للمساعدة في النمو المستقبلي لنموذج العالم المصغر.
وبالإضافة إلى تسجيله أكبر نموذج للسكك الحديدية في العالم وأكبر مطار نموذجي في العالم على موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، سجل عالم العجائب المصغّر أيضًا رقمًا قياسيًا في عام 2021 لأطول لحن يُعزف بواسطة نموذج قطار.
ويعتقد جيريت أن جاذبية عالم العجائب المصغر تتمثل في كونه نموذج العالم الذي حلم الكثير منا بإنشائه كأطفال، وليس فقط كونه تتويج لطموحات طفولته هو وشقيقه.
ويجسد المشي في المبنى تجربة الهروب من الواقع، التي توفرها البراعة التقنية في المشروع.
ويوجد أكثر من ألف قطار تختلف أحجامها وسرعتها بحسب موقعها، وتتواجد أيضًا كهوف التعدين وسفن الرحلات البحرية التي تعبر برك مياه حقيقية ومنطاد هواء ساخن، إضافة إلى الآلاف من الشخصيات الصغيرة.