دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بحضارتها العريقة، لا تزال عظمة مصر القديمة تسيطر على الأذهان، رافضة البقاء مدفونًة تحت رمال الماضي.
لكن الكثير مما نعرفه الآن حول هذه الحضارة الفرعونية من مومياواتها وأهراماتها بقي محاطًا بالغموض، حتى عثر جنود فرنسيون، في عام 1799، على لوح حجري مكسور يحمل نقوش، أي حجر رشيد.
وتصوّر القطعة الأثرية ثلاثة نصوص قديمة مختلفة.
وعُثر على حجر رشيد بينما كان جيش نابليون بونابرت يحفر أساسات أحد الحصون في مدينة رشيد بمصر، وقد وفّر الحجر مفتاح فك رموز الهيروغليفية، أي نظام الكتابة الخاص بالمصري القديم، وكشف أسرار إحدى أقدم الحضارات في العالم.
وآنذاك، لم يكن أحد يستطيع قراءة الصور والرموز الأنيقة المنحوتة في الحجر، والمرسومة على لفائف ورق البردي المكتشفة في المعابد على طول نهر النيل، رغم أنّ العلماء العرب في العصور الوسطى والمسافرين في عصر النهضة كانوا يجدونها منذ فترة طويلة مصدر إعجاب.
وأشارت عالمة المصريات إيلونا ريغولسكي، إلى أن أهمية اللوح المنقوش عرفت على الفور، حتى من قبل الجنود.
وريغولسكي هي المنسقة لمعرض جديد بالمتحف البريطاني في لندن، يستكشف السباق لفك رموز حجر رشيد ويحتفل بمرور 200 عام على هذا الإنجاز.
وبموجب شروط هزيمة نابليون في المنطقة، قامت القوات البريطانية بشحن الحجر، المصنوع من حجر غامق اللون يشبه الجرانيت ويُعرف باسم الجرانوديوريت، إلى بريطانيا، وتحديدًا إلى المتحف البريطاني في عام 1802.
وتم تصنيع نسخ من الحجر وشحنها إلى علماء المصريات في جميع أنحاء أوروبا، في محاولة مبكرة للتعهيد الجماعي.
وقالت ريغولسكي: "في غضون عامين بعد اكتشاف الحجر، كان لدى كل دولة أوروبية نسخة منه. وكانت تلك عملية واعية من قبل العلماء لتوزيع النص، لأن الجميع أراد تسريع العملية".
وتضيف: "بالنسبة للعديد من العلماء في ذلك الوقت، لم يهم من سيكون الأول في فك رموزه، إذ كان هناك أمل في أن يعطي الكثير من المعلومات حول مصر القديمة، وقد تبين أنه صحيح بالفعل".
ومع ذلك، فإن السعي لفك ألغاز النص القديم استغرق عقدين من الانعطافات اللغوية.
وتبرز على الحجر المكسور نقوش لثلاثة نصوص بلغتين، 14 سطراً من الكتابة الهيروغليفية الرسمية، و32 سطراً باللغة الديموطيقية، وهي الكتابة اليومية المبسطة السائدة في مصر القديمة، إضافة إلى 54 سطراً من اليونانية القديمة، وهي الوحيدة من بين الثلاثة التي كانت مفهومة في ذلك الوقت.
ويتضمن الحجر مرسوماً من الكهنة المجتمعين في عام 196 قبل الميلاد، للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لتتويج الملك البطلمي بطليموس الخامس إبيفانس، البالغ من العمر آنذاك 13 عامًا.
وكان الشاب الفرنسي، جان-فرانسوا شامبليون، هو من حقق الإنجاز، إذ درس النص من نسخة حصل عليها لأول مرة بعمر الـ17 عامًا، واختار التركيز على الكتابة الهيروغليفية المحاطة بدائرة، والتي يُعتقد أنها أسماء لشخصيات مصرية مهمة.
وبسبب شعوره بالإحباط، توقف شامبليون عن جهوده، واختار الانغماس في اللغة القبطية، وهي لغة حية مشتقة من اللغة المصرية القديمة.
وفي إنجلترا، ركز المنافس الرئيسي لشامبليون، في السباق لفك رموز حجر رشيد، جهوده على القسم الديموطيقي من الحجر.
وأوضح الدكتور توماس يونغ، أنّ هذا القسم يتكون من أصوات وعلامات إيديوغرامية (كلمات أو أفكار).
ومع ذلك، ظل غير مقتنع بأنّ الهيروغليفية فيها مكوّن صوتي.
وأعلن شامبليون عن تقدمه الحاسم في سبتمبر/أيلول عام 1822، وفقًا لما ذكرته ريغولسكي، لإثبات أنها لغة صوتية وليست مجرد نص.
وأوضحت ريغولسكي أن "الأمر المهم الذي اكتشفه شامبليون، ويميزه عن أي شخص آخر قبله، هو إدراكه بأنها ليست لغة أبجدية فحسب، بل إنها عبارة عن نظام كتابة هجين أو مختلط".
وأضافت: "هناك إشارات على أّنها كلمات كاملة، ومن ثم هناك إشارات على أنّها أحرف فردية وأنّ جميعها تعمل معًا كوحدة واحدة. وقد تمكن شامبليون من فهم ذلك".
ويُعرض حجر رشيد في المتحف البريطاني منذ عام 1802، رغم فترة استراحة لمدة عامين خلال الحرب العالمية الأولى، حيث احتُفظ به تحت الأرض كإجراء سلامة.
ومع حلول ذكرى فك رموز حجر رشيد، جدّد العلماء المصريون مطالباتهم بإعادته إلى مصر.
ومع ذلك، قالت ريغولسكي إنّ المتحف لم يتلق أي طلب رسمي من مصر.
ويحتفل المعرض أيضًا بالثقافة التي كشفت عنها الكتابة الهيروغليفية، مثل سبب وكيفية تحنيط الموتى، وأنظمة قياس الوقت المتطورة، وكذلك كيف وقع القدماء المصريين العاديين في الحب وكيف تزوجوا، واحتفظوا بالحسابات، وقاموا بأعمال تجارية.