دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يستغرق الوصول إلى جزيرة بوزكادا من ميناء جيكلي التركي حوالي نصف ساعة على متن عبّارة، تخوض غمار مياه بحر إيجة المتلألئة.
فيما تقبع هذه الجزيرة الشاعرية في الأفق، غير أنّ قلعة بوزكادا تنتصب من بعيد، معلنة أنّها بطلة رواية تاريخ الجزيرة الطويل، الذي يعود إلى العصور القديمة الكلاسيكية.
فقد مرّ الرومان بها، وكذلك البيزنطيون، وجمهورية البندقية، والعثمانيون. كما أنّ اسمها البديل Tenedos، ورد في "إلياذة" هوميروس.
لم تطرأ تغييرات على هذه الجزيرة على مر القرون، لا سيّما عندما يتعلق الأمر باللجوزء إليها طلبًا للتمتع بالهدوء الذي لم تتسلّل إليه نسبيًا ضوضاء الحياة الحديثة.
ويصعب تجنّب التأثيرات التي خلّفها السكان اليونانيون السابقون، خلال التجوال وسط المدينة المرصوفة بالحصى. تقع في كل مكان على منازل حجرية قديمة، وحانات طاولاتها وكراسيها خشبية، حيث يتم تقديم المأكولات البحرية الطازجة والمقبلات والراكي (مشروب روحي بنكهة اليانسون) أو النبيذ ليلاً.
وينتصب برج جرس كنيسة سانت ماري التي يعود يناؤها للقرن التاسع عشر، وهي إحدى الكنيستين الأرثوذكسيتين المتبقيتين في الجزيرة، بين الأسطح المكسوة بالبلاط البرتقالي.
وفي ساحة المدينة/ الجزيرة الرئيسية، يتحلق الناس، ويستمتعون باحتساء قهوتهم، وتناول معجناتهم الحلوة أو المالحة في Petit Café.
رائحة النبيذ
وبحلول المساء، يتجمّع الناس في الحانات، مثل حانة سالحانة، التي كانت سابقًا مسلخًا، وهي راهنًا مطلية باللون الأصفر الليموني، وتواجه من موقعها البحر والقلعة، للاستمتاع بكؤوس من النبيذ المحلي أو بعض الكوكتيلات.
ويعتبر النبيذ المحلي، بطل الرواية الأخرى لبوزكادا، التي تتمتع بتاريخ سحيق في زراعة الكروم يعود إلى قرابة 3 آلاف عام. ويحافظ صانعو النبيذ القدامى والجدد على هذا التقليد بنجاح، لا سيّما أصناف العنب المستوطنة، ضمنًا كافوش، وفاسيلاكي، وكونترا، وكارالاهنا.
غروب الشمس النجمي
على إحدى أعلى قمم الجزيرة، تطل بيوت العطلات "Sunset Houses"، على البحر الذي يحده الوادي من جهة والغروب الذي يلوّن يوميًا كل المشهد بتوهّجه البرتقالي.
في الليل، تتلألأ السماء بالنجوم، وتذكرنا الرياح المتغيرة، بأنّنا على جزيرة وسط بحر إيجه.
خلال النهار، تمرّ مسارات المشي العديدة في الجزيرة عبر مزارع الكروم والبساتين حيث يزدهر التين والرمان والزيتون. وتنتشر روائح إكليل الجبل، والأوريغانو البري، والمريمية في كل مكان.
لكل هذه الأسباب وأكثر، لا تزال بوزكادا إحدى أكثر الجزر البكر في بحر إيجة. عندما تفشّت الجائحة عام 2020، شكّلت الجزيرة ملجأ للعديد من سكان المدن الذين يتوقون إلى مساحة أكبر وللتواصل مع الطبيعة.
في هذه المرحلة، قرّر سنان سوكمن، المؤسس والرئيس التنفيذي لوكالة السفر البوتيك الحائزة على جوائز Istanbul Tour Studio، وزوجته سيدا دومانيتش، رئيسة التحرير المؤسّس لمجلة فوغ التركية، شراء منزل على هذه الجزيرة.
فبعدما التقيا وتزوجا في الجزيرة، سهّلت علاقتهما العاطفية القوية ببوزكادا قرارهما، بالإضافة إلى شواطئها البكر وعروض الطهي الطازجة.
وقالت دومانيتش: "نحن نحب شاطئ سولوبوتشيه بشكل خاص صباحًا، حيث تشعر وكأنك هبطت للتو على شاطئ منعزل في جزر المالديف". وتنصح بإتباع ذلك بوجبة إفطار تركية طويلة لدى رينغيغول، حيث يعد الشيف توركيام تشيم أوسوك السلطات الخاصة، والمعجنات، ومربيات الجزيرة وفقًا لأفضل منتجات الشهر.
حفلات الشوارع
وتضيف: "نحب أيضًا تناول وجبة غداء من المأكولات البحرية في وقت متأخر أو عشاء مبكر في مطعم يالوفا، فالأطباق التركية محلية الصنع مثل الرافيولي والبوريك الخام وورق العنب بالزيت لدى هانيميلي، وهي قائمة طعام كاملة للطهاة في مزارع كروم مايا، والكوكتيلات لدى سابا، والموسيقى وعروض الدي جي في وقت متأخر من الليل لدى 49 بولينتي، التي غالبًا ما تتحول إلى حفلة ممتعة في الشارع".
وداخل منزل حجري بُني عام 1876، تختبئ إحدى أروع مجموعات الجزيرة خلف باب أحمر فاتح اللون. متحف بوزكادا مليء بأكثر من 15 ألف صورة فوتوغرافية، ووثيقة، وخرائط، ونقوش، وقطع أخرى تروي تاريخ الجزيرة الطويل.
وبعدما عثر على نقش بالأبيض والأسود لتينيدوس وأربع بطاقات بريدية، في مكتبة لبيع الكتب المستعملة في اسطنبول عام 1988، انطلق هاكان غوروني في رحلة مكثفة ومنهجية لجمع كل ما يمكن أن يجده متّصلًا بتاريخ الجزيرة.
وأسس المتحف عام 2005، لعرض المجموعة المجمّعة من قطع وتبرعات سكان الجزر الذين أدركوا أهمية مشاركة حكاياتهم العائلية الشخصية.
في الطبقة العلوية، تسرد كل غرفة الأحداث التاريخية التي شكّلت الجزيرة. في الطبقة السفلية، تمتلئ الأواني الزجاجية بعناصر مستخدمة في يوميات الجزيرة القديمة، من محال البقالة القديمة، إلى الألعاب، وزجاجات النبيذ وغيرها الكثير.
بمجرد انطلاق العبّارة مرة أخرى نحو البر الرئيسي، ينفصل سكان الجزر مرة أخرى عن الزوار.
ومع أفول الصيف، تغلق جميع المتاجر والحانات باستثناء عدد قليل منها، حيث يستعيد السكان المحليون شوارعهم، ويهتمون بأعمالهم الخاصة، أو ربما يفكرون في الماضي، أو يتطلعون إلى المستقبل، عندما تمتلئ الجزيرة مجددًا بأولئك الذين يرغبون بالتمتع بالعزلة لبضعة أيام فقط.