دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- فيلا هاو بار (Haw Par) في سنغافورة، عبارة عن مجمّع مترامي الأطراف تتوزّع فيه منحوتات، وتخطّه الممرات التي تصطف على جانب كل منها الأشجار، وتُقام فيه المعارض التي تركّز على المعتقدات البوذية. لكن رغم ذلك، ثمة جزء واحد فقط يرغب كل زائر بالتحدث عنه: الجحيم.. وتحديدًا محاكم الجحيم العشر.
وعلى مدى أجيال، نُظمت رحلات مدرسية ميدانية لأطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أو سبعة أعوام إلى المعرض. وكان من الواضح أن أكثر أمر حُفر في ذاكرتهم هو محاكم الجحيم العشر، التي تصوّر تجربة البوذية بعد الموت حيث تصدر أحكامًا على الناس بناء على أفعالهم على الأرض، ثم يُحكم عليهم بالولادة من جديد بشكل آخر، سواء كحيوان أو إنسان آخر.
وتصوّر المنحوتات الرسومية العقوبات المحتملة ما بعد الموت بحسب ما يراها المعرض، مثل الأجساد الموضوعة على مذراة، ورؤوس مقطوعة تبكي دموعًا، وشياطين بعيون متوحشة تتغذى من تناول الأعضاء الداخلية.
والآن، بعد ثمانية عقود، تم الاعتراف أخيرًا بالمحاكم الـ10 كنجمة المعرض، وأنها تشكل عامل الجذب الرئيسي في متحف الجحيم الجديد داخل المجمّع.
لكن الرحلة من معرض إلى متحف مستقل لم تكن تلقائية.
أبواب الجحيم فُتحت
وقال جيا أيادوراي، المؤرخ الذي أعاد وضع تصور المتحف أخيرًا، إنّه "في كل مرة أتحدث فيها عن Haw Par Villa، يرغب الناس بالتحدث عن المحاكم العشر".
وأيادوراي هو أيضَا مدير استشارات التاريخ السنغافوري (SHC)، وهي مجموعة غير حكومية تولت إدارة بعض المواقع التاريخية في البلاد وتحديثها للجيل الجديد. وفي السابق، كانت الشركة العقل المدبر لتحويل Battlebox، ملجأ الحرب العالمية الثانية ومركز القيادة العسكرية، إلى منطقة جذب سياحي.
أما المهمة التالية لشركة استشارات التاريخ السنغافوري، فكانت فيلا هاو بار.
وفي الأصل، خطط أيادوراي وفريقه لافتتاح متحف ازدهار آسيا الطموح (ROAM)، الذي يركز على التاريخ الآسيوي والقوة، في الموقع. ولا يزال هذا المشروع قائمًا، ولكن مع إغلاق العالم نتيجة جائحة "كوفيد-19"، وتأخر مشاريع التنمية في كل مكان، تم تخفيف وتيرة العمل عليه.
وهذا الأمر سمح للناس بالحصول على ما يريدون. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، افتتح متحف الجحيم كمنطقة جذب مستقلة داخل مجمع هاو بار.
وبُنيت فيلا هاو بار في الثلاثينيات من قبل الأخوين آو بوون هاو وآو بوون بار، اللذين ولدا في بورما، وقاما بابتكار Tiger Balm، مسكّن الآلام الشمعي برائحة الكافور الذي تجده في كل صيدليات آسيا.
وتقول الأسطورة المحلية إنه أثناء القيادة على طول طريق تاجونغ باغار في سنغافورة بعد ظهر أحد الأيام، ثُقب إطار سيارة بوون هاو. وفيما كان ينتظر إصلاحه، أعجب بالبقعة التي تقطّعت به السبل فيها، واشترى الأرض.
وبنى فيها قصرًا فخمًا على طراز فن الآرت ديكو، محاطًا بحدائق على الطراز الصيني. وملأ الحدائق بحوالي 1000 منحوتة، تُصوّر غالبيتها شخصيات ومشاهد من الفولكلور الصيني.
وتقطعت السبل بالشقيقين في الخارج خلال الحرب العالمية الثانية واستولى اليابانيون على القصر. وتُوفي بوون بار من دون رؤية الفيلا مرة أخرى، وأمر بوون هاو بهدمها بعد انتهاء الحرب.
وحتى الوقت الراهن، ما زال إسم فيلا هاو بار يُستخدم رغم اندثارها. كما لم يعد Tiger Balm مملوكًا لأحفاد الأخوين، وسُلّمت الحدائق إلى الحكومة الوطنية في سنغافورة.
لماذا سنغافورة تعتبر موطنًا ملائمًا للجحيم؟
وبالنسبة لدولة صغيرة، تُعتبر سنغافورة متنوعة للغاية. ويتم إصدار إعلانات مترو الأنفاق بلغات الماندرين، والإنجليزية، والماليزية، والتاميلية، ما يعكس حضور العديد من المجتمعات العرقية التي تسمي الجزيرة موطنًا لها.
ونشأ أيادوراي في سنغافورة، وأكمل دراساته العليا في المملكة المتحدة. وخلافًا للعديد من السنغافوريين، زار هاو بار المتحف للمرة الأولى كشخص بالغ، لكنه خرج مصدومًا بعدد عناصر اللاهوت البوذي التي كانت مشابهة لتلك الموجودة في الديانات الأخرى التي درسها.
وقال: "ما فعلناه اليوم هو وضع كل منها في إطارها الخاص، كما لو كانت حصرية الواحدة للأخرى، بدلاً من رؤية كيفية تأثير إحداها على الأخرى".
وكان أيادوراي يُدرك أن محاكم الجحيم العشر من أكثر المواقع شعبية في فيلا هاو بار. وهذا الأمر أعطاه فكرة استخدام المحاكم العشر كنوع من حصان طروادة لجعل الناس يتحدثون عن الموت والحياة ما بعد الموت ومفاهيم أخرى أعمق.
وأوضح: "أردنا أن نزيل المحرمات (الموت) وأن ننظر أيضًا إلى المحاكم العشر بعيون جديدة".
رحلة إلى الجحيم والعودة منه
ويأمل أيادوراي أن يسلط متحف الجحيم المعاد تصميمه الضوء على القواسم المشتركة بين المعتقدات، سواء كانت صينية أم لا.
وبالنسبة لافتتاح المتحف، كلف المجتمع المكسيكي المحلي ببناء مذبح Dia De Los Muertos التقليدي، الذي عرض بجوار مذبح بوذي لمهرجان الشبح الجائع (Hungry Ghost) لإظهار مدى تشابه الاثنين.
واعتُمدت الفكاهة كإحدى طرق تكوين المجتمع مجددًا. وتمكّن متحف الجحيم من أن يكون غير منطقي وممتع، لكن مع حفاظه على الاحترام.
وحتى قسم الأسئلة الشائعة على موقعه على الويب يساعد بتحديد الأمور. وهذه عينة مما نشر عليه: "يُرجى ملاحظة أن الحيوانات الأليفة غير مسموح بها في مجمع متحف الجحيم، من أجل الحفاظ على معروضاتنا آمنة. بكل الأحوال فإن جميع الحيوانات الأليفة ستذهب إلى الجنة".
وهدف أيادوري إلى تثقيف الناس على نظرة الأديان المختلفة لمواضيع مثل الحياة والموت، مع الاستمرار في كونها مكانًا ممتعًا للزيارة.
وحتى الآن، حقّق المتحف نجاحًا، وصُنّف بالمرتبة 11 بين أفضل مناطق الجذب في سنغافورة على موقع TripAdvisor.