دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بينما تعرّض بعض المفوضين في مؤتمر قمة المناخ "COP27" لانتقادات بسبب وصولهم على متن طائرات خاصة الأسبوع الماضي، وصل آخرون إلى مدينة شرم الشيخ بمصر على متن رحلات وُصفت بأنها خالية من الانبعاثات، إذ كانت مدعومة بالكامل بوقود طيران مستدام.
وكانت الرحلات جزءًا من برنامج يسمى "جرينلاينر" Greenliner تديره الاتحاد للطيران، الناقل الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، كاختبار لحلول السفر الجوي المستدامة.
وشكّل الطيران التجاري ما يزيد قليلاً عن نسبة 2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021، ما يشير إلى أنه قد يكون مساهماً متواضعاً في تغير المناخ.
لكن الرقم لا يروي القصة كاملة، لأن السفر الجوي يؤثر على المناخ بطرق أكثر تعقيدًا من مجرد انبعاثات الكربون، ومن المتوقع أن يرتفع تأثيره في المستقبل، حيث سيرغب المزيد من الناس في الطيران.
وفي حين أن الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية توفر مسارات واضحة لإزالة الكربون من قطاعات مثل الطاقة والنقل البري، فإن الأمر ليس بهذا الوضوح بالنسبة لقطاع الطيران.
ونتيجة لذلك، فإن القطاع لا يتّبع المسار الصحيح لتحقيق هدفه المتمثل في محايدة الكربون بحلول عام 2050، ويعتمد على ثلثي هذا التحول القادم من وقود الطيران المستدام، المصنوع من منتجات النفايات، ويمكنه الحد من الانبعاثات بنسبة 80% في المتوسط ، إلا أنه يمثل حاليًا نسبة 1% فقط من استخدام وقود الطائرات العالمي.
ولهذا السبب يُعد وقود الطيران المستدام أحد العناصر الرئيسية لبرنامج "Greenliner".
وتقول مريم القبيسي، رئيسة قسم الاستدامة لدى "الاتحاد للطيران": "إنها في الأساس دعوة للعمل. وظهرت الفكرة في أواخر عام 2019 لإطلاق رسالة إلى القطاع مفادها: دعونا نحاول كل ما هو ممكن لإزالة الكربون".
ويعتمد البرنامج على طائرة من طراز بوينغ 787 الملقبة بطائرة الأحلام، لكن لدى الاتحاد للطيران مبادرة مماثلة، تسمى المستدامة 50، مخصصة لطائرة إيرباص A350.
ومنذ إطلاقه، دافع برنامج "Greenliner" عن تبني وقود الطيران المستدام وتناول قضايا مثل النفايات البلاستيكية ومسارات الطيران غير الفعالة.
وغالبًا ما يستخدم لقب "جرينلاينر" للإشارة إلى طائرة 787 محددة، والتي تسميها القبيسي "التميمة" الخاصة بالبرنامج.
وكما هو متوقع، فإن الطائرات مطلية باللون الأخضر، كوسيلة استباق للاتهامات بظاهرة الغسل الأخضر.
وتشرح القبيسي قائلة: "أي مشروع ستطلقه أي شركة طيران سيخضع دائمًا للتدقيق تحت مظلة الغسل الأخضر".
وتتابع: "كان طلاء الطائرة باللون الأخضر وسيلة لتحدي ذلك والقول إنها مخصصة لغرض ما، ونحن نعترف بانبعاثاتنا ونقول نعم، نحن مصدر رئيسي للانبعاثات، لكننا نفعل شيئًا حيال ذلك".
حل سريع
ونقل طيران الاتحاد المفوضين إلى شرم الشيخ في مصر، حيث انعقد مؤتمر قمة المناخ COP27، من خلال إضافة محطة توقف إلى أبوظبي خلال وجهتها إلى مطار واشنطن دولس الدولي.
وتم وصف الرحلة بأنها "خالية من الانبعاثات" نظرًا لأنها تعمل بالكامل بوقود الطيران المستدام - ولكن المربك أن الطائرات استخدمت الوقود التقليدي، ما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه كل من البنية التحتية الخاصة بوقود الطيران المستدام والمبادرات الخضراء.
ولم يكن لدى الطائرة وقود الطيران المستدام على متنها لأن اللوائح الحالية تحظر على الرحلات الجوية التجارية استخدام أكثر من 50% من وقود الطيران المستدام، حيث لم يتم اعتماد جميع المحركات لتركيزات أعلى.
وبالإضافة إلى ذلك، لا تمتلك جميع المطارات البنية التحتية اللازمة لاستخدامها، ويجب أن يأتي الوقود الأخضر من منشأة إنتاج قريبة نسبيًا من المطار.
لذلك، اشترت الاتحاد للطيران ما يكفي من وقود الطيران المستدام لتشغيل الرحلة، وسلّمت الوقود إلى مطار لوس أنجلوس الدولي، الذي يتمتع بالبنية التحتية والمرافق اللازمة. وهناك، دُمج وقود الطيران المستدام في نظام التزود بالوقود بالمطار، واستخدمته أي طائرة كانت تزوّد بالوقود في ذلك اليوم.
وتسمي القبيسي هذه الطريقة "حلاً سريعًا" حتى يتم تغيير اللوائح، ولكن بهدف أن يصبح وقود الطيران المستدام أكثر انتشارًا، هناك حاجة إلى مزيد من التقدّم.
وتقول: "سعر وقود الطيران المستدام يعادل أربعة إلى خمسة أضعاف سعر وقود الطائرات التقليدي وهو محدود. ولا يُسمح إلا لهيئتين فقط بالتصديق عليه، لذلك إلى أن يتوفر لدينا المزيد وتتدخل الحكومات لتحفيز الإنتاج، سيظل وقود الطيران المستدام محدودًا".
واستخدمت الاتحاد للطيران وقود الطيران المستدام على نطاق واسع في سلسلة رحلات "EcoFlights"، التي تستخدم أسطول الناقلة من طراز 787 وA350 لتقييم مبادرات الاستدامة الجديدة.
وكانت الرحلة الأكثر صداقة للبيئة على الإطلاق، هي رحلة من لندن هيثرو إلى أبوظبي بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وتقول الاتحاد للطيران، إن الرحلة حققت انخفاضًا إجماليًا بنسبة 72% في الانبعاثات باستخدام 38% من وقود الطيران المستدام، واعتمدت مجموعة من الإجراءات الأخرى، مثل تقليل البلاستيك أحادي الاستخدام بنسبة 80% وتسليم الأمتعة عبر الجرارات الكهربائية.
وكانت أيضًا أول رحلة تجارية تختبر طريقة جديدة لمكافحة الانبعاثات، باستخدام الملاحة والذكاء الاصطناعي لتجنب تكون مسار التكاثف، (أي الخطوط التي تتشكل وراء الطائرات المحلّقة)، ويتألف من بلورات جليدية ناتجة عن عادم محرك الطائرة، وتؤدي تلك البلورات إلى غيوم مؤقتة تحبس الحرارة، ما يساهم بشكل كبير في تأثير الاحتباس الحراري للسفر الجوي.
مع ذلك، يمكن أن يساهم تعديل مسار الطائرة أو ارتفاعها في حل هذه المشكلة بشكل كبير.
مستقبل أكثر اخضرارًا
وجربت رحلات "EcoFlights" التابعة للاتحاد للطيران مجموعة من التقنيات التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات، مثل بدء تشغيل المحرك في اللحظة الأخيرة، وغسل المحرك برغوة خاصة الذي يحسن الكفاءة عن طريق الحد من تراكم الرواسب.
ومنذ ذلك الحين، دخلت العديد من هذه التقنيات في عمليات التشغيل اليومية، واعترافاً بهذه الجهود، حصلت شركة الاتحاد للطيران على لقب "شركة الطيران البيئية لعام 2022" من خلال جوائز تقييم شركات الطيران السنوية.
وبحسب ما ذكره رئيس تحرير موقع "Airline Ratings"، جيفري توماس، أظهرت الاتحاد للطيران "قيادة واضحة في الدفع من أجل رحلة مستدامة".
وتقول القبيسي: "لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، هذا القطاع كان مصدر التلوث لسنوات عديدة، وقد حان الوقت لأن نتحمل مسؤوليتنا في إزالة الكربون".