دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عرفت #حياة_العربة (#vanlife) رواجًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، بعدما اختار عدد كبير من المسافرين الترحال في منازل صغيرة مزودّة بعجلات.
أما عيش مغامرة العمر داخل عربة كبيرة خضعت للتعديل فهو ليس بالأمر الجديد، ذلك أنّ هذه الممارسة قائمة منذ خمسينيات القرن الماضي.
لكن كيف كانت تجربة الترحال حول العالم، عندما لم تكن هناك أنظمة GPS، أو هواتف محمولة، أو منصّات تواصل اجتماعي؟
سافر الثنائي أليك وجان فورمان، من المملكة المتحدة، عبر أوروبا، وأفريقيا، وآسيا في سيارة لاند روفر من السلسلة الثالثة عام 1977، واستعانا ببوصلة وخرائط مختلفة لإرشادهما عبر 29 دولة مختلفة، ضمنًا أفغانستان وإيران.
المغامرة البرية
وقال الزوجان اللذان التقيا في حانة داخل مستشفى عسكري بريطاني، في ألمانيا عام 1972، وتزوجا بعد ذلك بعامين، إنهما أمضيا حوالي خمس سنوات يدخران المال من أجل تحقيق هذه الرحلة المذهلة التي استمرت 14 شهرًا.
وبعد البحث عن سيارة مناسبة للشروع بالرحلة، رسا قرارهما على سيارة لاند روفر جديدة نسبيًا يملكها عمّ أليك فورمان، وكان يستخدمها لنقل الخنازير والبطاطس في مزرعته. وما كان من الثنائي إلا أن حوّلا هذه العربة الإنكليزية الشهيرة المصنّعة للطرق الوعرة إلى كارافان.
وقال أليك فورمان، الذي تدرّب كميكانيكي طائرات في الجيش البريطاني، لـCNN إنّ "الأمر بقي بسيطًا". لافتًا إلى أنها "لا تشبه المركبات التي يتم السفر فيها حاليًا، المزودة بالخصائص المتطورة. كانت بدائية للغاية".
وقبل الانطلاق، قصد الزوجان وكيل السفر البريطاني Trailfinders لاستشارته بشأن الحصول على دفتر مرور جمركي (Carnet de Passages)، يسمح من خلاله للمسافرين بعبور الحدود الدولية بمركبة من دون دفع رسوم جمركية. كما أنهما عمدا إلى قراءة كتابين يتعلقان بأجزاء معينة من الرحلة.
وأضاف أليك أن "المعلومات كانت قليلة هناك، ولا شيء مماثل لما هي الحال عليه اليوم".
وقام الثنائي فورمان بتأليف كتاب حمل عنوان "غرباء مثل الملائكة"، نُشر عام 2014، لسرد تفاصيل الرحلة.
وقبل انطلاقهما، تزودا بالأطعمة المعلبة حتى تكفيهما لأشهر طويلة، ضمنًا اللحوم المجففة، وغادرا ويست ميدلاندز بإنجلترا في 4 فبراير/ شباط 1977، وعبرا إلى بلجيكا على متن عبارة ثم شقا طريقهما إلى ألمانيا. وكانت إحدى أولى محطاتهما مدينة رنتلن الألمانية حيث التقيا للمرة الأولى.
وقالت جان التي تدربت كممرضة في الجيش البريطاني "أردنا زيارتها مجددًا".
ثم توجه الثنائي من ألمانيا نحو فرنسا، ومنها إلى إسبانيا، حيث عبرا البحر الأبيض المتوسط إلى المغرب.
وأوضحت جان: "تآلفنا مع الكثير من الأمور التي اختبرناها خلال تلك الرحلة"، مضيفة: "لم نشعر أن المغامرة بدأت حتى وصلنا إلى المغرب".
وبعدها توجه الثنائي نحو الحدود الجزائرية، وسافرا على طول الساحل نحو الجزائر العاصمة، ومنها انتقلا جنوبا عبر الصحراء الكبرى.
رحلة لا تُنسى
وقبل التوجه إلى الصحراء، خزنّ الثنائي فورمان ما يكفيهما من الوقود والمياه للعبور.
وقالت جان: "كان لدينا 75 غالونًا من الوقود لعبور الصحراء وصولًا إلى تمنراست، جنوبي الجزائر، وهي أول مكان عرفنا أنه يمكننا الحصول فيه على وقود، بالإضافة إلى 20 غالونًا من المياه".
ولسوء الحظ، عندما وصلا لم يتمكنا من الحصول على الوقود فورًا، واضطرا إلى الانتظار أيام عدة قبل أن يتمكنا من المضي قدمًا.
وبينما تولّت جان القيادة أحيانًا في بداية الرحلة، كانت أقل ثقة بشأن المناورات عبر الصحراء. لذلك قرّر الزوجان أن يكون أليك السائق الرئيسي، فيما اضطلعت هي بدور الملاحة.
وخلال هذا الجزء من الرحلة التقيا بواحد من "الملائكة" العديدين الذين قاما بذكرهم في كتابهما: رجل يعتلي جملًا، أعطاهما بعضًا من حليب الإبل، قبل أن ينصحهما بالسير باتجاه مختلف.
وأوضحت جان: "اكتشفنا لاحقًا أننا لو استمرينا بالطريق التي نسلكها فسنسير على رمال عميقة جدًا وناعمة، وربما ستؤخرنا إلى حد كبير".
وتابعت أنّ أيّ تأخير، أو مسار وعر، كان من شأنه أن يعرضهما لخطر نفاد الوقود وربما الفشل بالوصول إلى المدينة التالية.
وتوجه الثنائي فورمان إلى النيجر، وهي دولة غير ساحلية تقع غرب أفريقيا، ثم جنوبًا إلى نيجيريا والكاميرون، حيث زارا الغابات الإستوائية المطيرة.
بعدها عادا إلى أوروبا، عبر إيطاليا والنمسا، قبل التوجه إلى المجر، ومنها إلى رومانيا، وبلغاريا، وصولًا إلى تركيا.
وبعد زيارة إيران، وإدراكهما أنه سيتعين عليهما الانتظار حوالي شهرين للحصول على تأشيرة لدخول العراق، اقترح عليهما ثنائي آخر كانا قد التقيا به، السفر إلى أفغانستان بدلاً من ذلك.
غرباء لطفاء
لكنه لم يُسمح لهما بالسفر إلى أفغانستان إلا ضمن قافلة، فما كان منهما إلا أن شكّلا فريقًا مع ثنائيين آخرين وانطلقوا معًا.
وأُجبر ثنائي على العودة عندما تضررت سيارتهما، لكن تابع الآخرون الرحلة.
وعندما وصلوا إلى أفغانستان، رحب بهم السكان بسهولة، بل وتلقوا دعوة لتناول الشاي في منزل عائلة محلية.
وأشار أليك إلى أن "الناس كانوا بغاية الطيبة والكرم، لذا قضينا وقتًا رائعًا هناك".
أما محطتهما التالية فكانت باكستان، حيث زارا وادي سوات، ولاهور، ثم الهند. بينما حاز التخطيط على جزء كبير من رحلتهما، لكن الزوجان واجها نصيبهما العادل من اللقاءات الصعبة.
وقرّر الثنائي التوجه إلى أعلى نقطة لأعلى طريق في العالم بلاداخ، وهي منطقة جبلية تقع شرقي وادي كشمير.
وشرحت جان أن "أليك وقف عند القطب الجنوبي في القارة القطبية الجنوبية، لذلك اعتقد أنه سيكون من الرائع الذهاب إلى أعلى نقطة في أعلى طريق بالعالم لمطابقة ذلك".
وبينما كانت هناك لافتات تشير إلى طريق القمة، كانت هناك أيضًا رسائل تحذر السائقين من أنه لا يُسمح لهم بالذهاب إلى أبعد من ذلك.
وقرر الثنائي الاستمرار صعودًا، مروراً بحاجز مفتوح، ووصولًا إلى القمة. لكن في طريق عودتهما، كان الحاجز منخفضًا، وواجههما أحد الحراس.
وأشار أليك إلى أن الحارس كان مسلحًا وقال لهما: " إلى أين تذهبان؟ لا يفترض بكما أن تكونا هنا"، فقدّما اعتذارهما، وأكملا طريقهما.
بعدها توجها إلى نيبال، حيث قضيا عيد الميلاد في كاتماندو، قبل العودة إلى المملكة المتحدة.
ورغم أن الثنائي بذلا قصارى جهدهما لإبقاء عائلتيهما على اطلاع متواصل بمغامرتيهما، إلا أن هذا لم يكن سهلاً في ذلك الوقت.
وقالت جان: "لم نتمكن من الاتصال بأسرتينا"، لافتة إلى أنه "كان علينا الاعتماد على الرسائل. ونحاول إخطارهم متى يرسلون رسائل إلى نقاط معينة سنكون فيها في وقت محدد".
وعندما عادا في مارس/ آذار 1978، لم يخبرا عائلتيهما بموعد وصولهما، وتركا الأمر مفاجأة.
وما أن استقرّا في المملكة المتحدة، حتى أنجب الثنائي ابنتين، إستر وهايدي، وقاما بالعديد من الرحلات العائلية في سيارتهما "لاند روفر".
صفحة جديدة
وبعد ذلك أنجبا ابنهما تشارلز، وقررا شراء مقصورة يمكن إرفاقها بمؤخرة السيارة بحيث يكون هناك مساحة كافية لجميع أفراد الأسرة.
وفي عام 1985، انتقلت عائلة فورمان للعيش في مالي مدة 14 عامًا. وولدت ابنتهما الصغرى ماريا في شمال ساحل العاج. وواصلت الأسرة استخدام لاند روفر للسفر داخل المملكة المتحدة كلما عادوا إلى ديارهم.
وقالت جان: "لطالما شكلت جزءًا من حياتنا، حتى تخلينا عنها حرفيًا".
وعندما انتقلت العائلة للعيش في ألمانيا بعام 1999، أعيدت سيارة لاند روفر إلى منزلهم في مقاطعة هيرتفوردشاير في المملكة المتحدة، حيث بقيت لسنوات عدة.
وفي نهاية المطاف، نقلتها العائلة إلى ألمانيا، حيث تُركت في فناء المنزل لمدة 17 عامًا. وفي عام 2018، بدأ أليك بتفكيك القسم الأمامي ولم يتبقّ منها سوى محاور الهيكل والعجلتين فقط.
وفي مايو/ أيار 2021، سحبت السيارة على مقطورة إلى فرنسا من قبل صديق للعائلة، الذي أحضرها إلى حظيرة في مزرعته، حيث تُركت إلى يومنا هذا.
مشروع التمويل الجماعي
ورغم ذلك، أطلق تشارلز فورمان أخيرًا حملة تبرعات Kickstarter في محاولة لجمع الأموال لنشر كتاب صور جديد يحتوي على حوالي 300 صورة من رحلة والديه البرية، وبهدف أن يعيد تأهيل السيارة، لاستعادة مجدها السابق.
كما أطلق موقع explmore.com الإلكتروني في عام 2016، المتمحور حول المغامرة التي غيّرت حياته. ويحظى المشروع بأهمية خاصة بالنسبة لتشارلز، يتضمن ذكريات طفولته الجميلة خلال الترحال في سيارة لاند روفر.