دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت سارة تستريح على أرجوحتها الشبكية، منغمسة في مشهد الأشجار أمامها وتستمتع بالهدوء والسكينة.
كان ذلك في أواخر/ مايو عام 2015، حين كانت تقضي عطلة نهاية الأسبوع الطويلة ليوم الذكرى في المشي لمسافات طويلة بدرب الأبالاش الوطني ذو المناظر الطبيعية، والذي يمر عبر شرق الولايات المتحدة.
ذاك العام، كانت سارة قد بلغت لتوها الثلاثين من عمرها، وقد أحببت وظيفتها وحياتها في جزيرة لونغ آيلاند بنيويورك، لكنّها شعرت دائمًا بانجذاب نحو الغابة. وكانت تقضي عطلات نهاية الأسبوع في المشي لمسافات طويلة في شمال الولاية، لتستمتع بالهواء النقي والهدوء.
وفي عطلة نهاية الأسبوع تلك، خطّطت سارة للمشي مسافة طويلة بجزء من درب الأبالاش، ولم تكن وحيدة، إذ أحضرت معها كلب الصيد الخاص بصديقتها، ويدعى أوبي، الذي كانت تجالسه.
وفي اليوم الأخير من الرحلة، نصبت سارة خيمتها في مكان منعزل بالقرب من منطقة William Brien Memorial Shelter، وتسنّت لها الفرصة لتريح ساقيها المتعبتين، بعد مشيها لمسافة تزيد عن 20 ميلاً.
فجأة، انكسر الصمت بنباح أوبي، ونظرت سارة لأعلى ورأت شخصًا يقترب من المخيم.
وعند مقابلة عيني الغريب، شعرت سارة بالراحة على الفور، رغم أنها قابلته للتو في الغابة، لكنها وثقت به، وقد بدا لها ودودًا، وظنت أنّه جذاب، إذ كان يبتسم.
وتتذكر سارة أنها كانت تحاول إخفاء إعجابها التلقائي به.
وسألها الغريب: "هل تعرفين أين يمكنني العثور على مياه؟".
لم يكن لدى سارة أدنى فكرة، مع ذلك أجابته قائلة: "هناك بحيرة ربما على بعد نصف ميل من الدرب الأصفر"، ثم أشارت إلى قارورتها وعرضت عليه "لدي بعض الشراب إذا كنت ترغب؟"
وضحك الغريب، لكنّه رفض عرضها، ثم شرع بإخراج خريطته الورقية، وأشار إلى البقعة التي أقامت فيها أرجوحتها الشبكية على أنها البقعة التي يوجد بها مياه.
وأخرجت سارة هاتفها لمقارنة خريطته بالخريطة التي كانت تستخدمها طوال عطلة نهاية الأسبوع.
ولم تكن هناك مثل هذه العلامات على أي من خرائطها الرقمية، ولا توجد علامة على وجود مياه في الجوار.
وأثناء مقارنة الخرائط، عرّف الغريب نفسه لسارة، ويدعى ترافيس كينج، وكان بمنتصف الثلاثينيات من عمره وقتها وكان يقضي عطلة نهاية الأسبوع، مثل سارة، بالمشي الطويل على درب الأبلاش.
وبعد عدة دقائق من تبادل أطراف الحديث، انطلق ترافيس في سعيه للعثور على نبع أو نهر.
وشغلت سارة نفسها بإعداد العشاء، ثم عادت إلى أرجوحتها لمشاهدة غروب الشمس. وعندما حل الغسق، وجدت نفسها تفكر في ترافيس، وتأمل في عودته.
وبالفعل عاد ترافيس إليها بعد ساعة أو نحو ذلك، وأكمل حديثه معها عن بعض رحلاته السابقة.
وجاء ذكر موضوع الخرائط مرة أخرى، وأدركت سارة أنّ هذا كان العذر المثالي لطلب رقم هاتفه لتشاركه خريطتها الرقمية.
ووافق ترافيس.
ولم تكن هناك خدمة هاتف محمول في الغابة، لذا وعدت سارة بإرسال الخريطة إليه في اليوم التالي.
وهكذا ودّع المتنزهان بعضهما البعض، وانطلق ترافيس في طريقه، بينما استقرّت سارة بخيمتها.
وفي اليوم التالي، أجّلت سارة مغادرة الغابة لأطول فترة ممكنة.
ولكن عندما عادت في النهاية إلى سيارتها، أرسلت رسالة إلى ترافيس، مرفقة بالخريطة، كما وعدت، وتمنت له التوفيق برحلته.
ثم عادت إلى المنزل.
وفي ذلك المساء، أفرغت سارة حقيبتها وحاولت تجنب فحص هاتفها.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى العمل، وعادت إلى منزلها ولم يكن هناك أي رد من ترافيس. وفي وقت متأخر من ذلك المساء، رضخت سارة وأرسلت له رسالة أخرى، معتبرة أنه ربما لم تصله رسالتها الأولى، لتكتشف أن ترافيس لم يعطها الرقم الصحيح.
إذ وصلتها إجابة من صاحبة الرقم تقول: "اسمي كاثي، لا أعرف من الذي تبحثين عنه، لكن من فضلك توقفي عن مراسلتي."
مع ذلك، بقيت سارة تظن أنهما سيجتمعان مرة أخرى.
في هذه الأثناء، كان ترافيس يفكر بسارة، ويتساءل لماذا لم تراسله، حسبما ذكره لـCNN.
وتوالت الأيام، وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، كانت سارة في الخارج مع صديقتها، وتحكي لها قصة ترافيس للمرة المائة، وعندما طلبت صديقتها رؤية الرقم الذي سجلته سارة، نصحتها بمحاولة تغيير إحدى الأرقام.
وفعلت سارة ذلك بالضبط، ثم أرسلت عبارة ترحيب سريعة.
وفي غضون ثوان، أتاها الرد من صاحب الرقم يقول: "من؟"، لتجيبه قائلة: "سارة من الغابة؟".
فأجاب صاحب الرقم: "أين الخريطة التي كنت سترسليها لي؟"، ليتضح أنه ترافيس بالفعل.
ومن ذلك الحين، بقي الثنائي على تواصل عبر الرسائل النصية والمكالمات لفترة حتى قررا أن يلتقيا مجددا في نيويورك لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معا.
وقد أمضيا عطلة نهاية الأسبوع في استكمال المواضيع التي كانا يناقشانها من خلال المراسلات الهاتفية.
وفي صباح اليوم الأخير لترافيس، رتب الاثنان للذهاب إلى مزرعة عنب، وقبل ذلك قام ترافيس بتقبيل سارة للمرة الأولى.
من هناك، تبادلت سارة وترافيس قضاء عطلات نهاية الأسبوع معًا في نيويورك أو فيلادلفيا.
وأحيانًا كانا يتوجهان معًا إلى درب الأبلاش، وكانت إجازتهما الأولى عبارة عن نزهة لمدة أسبوع على طول مسار جبال وايت الصعب.
وقرب نهاية تلك السنة الأولى من علاقتهما، قرر الثنائي أن تنتقل سارة إلى فيلادلفيا.
وتقول سارة إنه كان من الصعب أن تكون بعيدة عن عائلتها وأصدقائها في نيويورك. ولكن بعد فترة، قرر الثنائي سارة وترافيس خوض المجهول معًا، وتركا وظيفتيهما وقضيا عامًا في السفر عبر الولايات المتحدة بالسيارة.
وعلى شاطئ صخري أسود منعزل في جزيرة هاواي الكبيرة في أواخر عام 2016، عرض ترافيس على سارة الزواج.
يتذكر ترافيس: "اختلقت عذرًا للتوقف للحظة، ثم أخرجت الخاتم من حقيبتي ونزلت على ركبتي وعرضت عليها الزواج".
ويضيف: "كانت لحظة رائعة، تمامًا كما كنت أتوقعها وآمل أن يكون".
واحتفل الثنائي في وقت لاحق بهذه المناسبة بجلسة تصوير، حيث ارتدت سارة فستان زفاف، وارتدى ترافيس بدلة أنيقة، في جبال آديرونداك.
اليوم، تعيش سارة وترافيس معًا في كوخ في الغابة في فيرمونت، على بعد أميال من المسارات والغابات الجميلة على أعتاب منازلهما.
ويقول ترافيس إنه اليوم، عندما يسترجع اللحظة التي التقيا بها، يصيبه "بالقشعريرة"، إذ لم يقتصر الأمر على أنهما شخصان غريبان التقيا بالصدفة على درب "الأبلاش"، وذلك بفضل خريطة خاطئة، لكنهما تمكنا أيضًا من العثور على بعضهما واللقاء عبر الرسائل النصية، رغم حادثة الرقم الخطأ.
ويقول ترافيس: "حتى يومنا هذا، لا يزال رقمها مسجّلاً على هاتفي تحت اسم "سارة من الغابة؟"
ويضيف: "أشعر بأنني محظوظ لما حدث، لأن سارة شريكتي مدى الحياة."