خطوط نفاث الطائرات مضر بالبيئة.. ما مدى خطورته وهل من حل مرتقب لها؟

سياحة
نشر
8 دقائق قراءة
خطوط الطائرات النفاثة
Credit: Dan Kitwood/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في يوم صافٍ وظروف جوية مناسبة، قد يصبح الجزء المزدحم بالرحلات التجارية من الأجواء مخططًا بالنفاث الأبيض الذي يخلّفه تحليق الطائرات النفاثة.

قد يبدو أنها لا تتسبّب بضرر، لكنّ هذا الأمر غير صحيح، ذلك أنّ الكثير من النفاثات تضر بالبيئة. إذ خلصت دراسة نظرت في مساهمة الطيران بتغيّر المناخ بين عامي 2000 و2018، إلى أنّ خطوط النفاث البيضاء تتسبّب بنسبة 57% من أثر الاحترار في القطاع، وهو يفوق بكثير أثر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود. يفعلون ذلك من خلال حبس الحرارة التي كانت ستطلق في الفضاء.

ورغم ذلك، ربما ثمة حل مباشر لهذه المشكلة. "الكونتريل" أو النفاث، اختصار لمسارات التكثيف التي تتكوّن عندما يتكثّف بخار الماء ويتحوّل إلى بلورات ثلجية حول الجزيئات الصغيرة المنبعثة من المحركات النفاثة، ويتطلّب ظروفًا جوية باردة ورطبة، ولا تبقى لفترة طويلة. ويرى الباحثون أنه من خلال استهداف رحلات طيران محددة لديها فرصة كبيرة لإنتاج النفاث، وتغيير مسار رحلاتها بشكل طفيف جدًا، في الإمكان حدّ الكثير من الضرر.

يهدف آدم ديورانت، عالم البراكين ورجل الأعمال المقيم في المملكة المتحدة، إلى القيام بذلك تحديدًا. وقال: "يمكننا نظريًا حل مشكلة الطيران هذه خلال عام أو اثنين".

درس ديورانت منذ فترة طويلة كيف تؤثر ملوثات الغلاف الجوي على صحة محركات الطائرات، وبعد ثوران بركان أيسلندي عام 2010، تسبّب بتوقّف الملاحة الجوية، استهلّ مشروعًا مع إيرباص وإيزي جيت للبحث في الرماد البركاني. عام 2013، أسّس شركته الخاصة، Satavia ، التي ركزت بداية على حماية المحركات من الملوثات الضارة مثل الغبار، والجليد، والرماد البركاني. وقال "بعد ذلك، حوّلت جائحة كورونا أولويات الصناعة بأكملها نحو الاستدامة". 

أثر كبير

خطوط الطائرات النفاثة
Credit: FABRICE COFFRINI/AFP via Getty Images

ركزت شركة ساتافيا على معالجة النفاثات، من خلال تطوير نموذج للتنبؤ بالطقس يمكنه توقّع الظروف التي تؤدي إلى تكوينها. وحول تأثير المناخ على النفاث، أوضح ديورانت أن "80 إلى 90٪ منها ينتج عن 5 إلى 10٪ فقط من جميع الرحلات الجوية". وتابع: "إن مجرد إعادة توجيه نسبة صغيرة من الرحلات الجوية قد يحد من أثر النفاث المناخي".

تتمثّل المقاربة التي تتبعها شركة "ساتافيا" باستهداف 5 إلى 10٪ من الرحلات الجوية في أي يوم معين وتعديل خطط رحلاتها قبل إقلاع الطائرة. وهذا يعني تغيير ارتفاعها أو مسارها لتجنب الطيران عبر أجزاء من الغلاف الجوي قابلة لتشكيل نفاثات ثابتة.

وأشار ديورانت إلى أنّ "شركات الطيران تمضي قدمًا وتضع خطط طيران على جري عادتها. لكن بالتوازي مع ذلك، نقوم بتحليل جدولها الزمني وننظر بعدد من مسارات تدفق النفاث لكل رحلة واحدة". ولفت إلى أنّه "انتهى بنا المطاف بقائمة طويلة من الرحلات الجوية، الأبرز بينها، وتقارب نسبة 5٪ أو نحو ذلك تنتج هذه النفاثات الكثيفة ذات الحرارة طويلة الأمد. وبعد ذلك نعمل عن كثب مع قسم عمليات الطيران في شركة الطيران لاستهدافها".

التحدي يكمن بالعمل على القيود المفروضة خلال وقت الرحلة واستهلاك الوقود. ورأى ديورانت أنّه "من الواضح أن ثمة قيودًا صارمة للغاية على وقت الرحلة: علينا أن نبقى ضمن هامش خمس دقائق من وقت الوصول الأصلي المقصود. وهذا أمر غير قابل للتفاوض".

بالنسبة لاستخدام الوقود، يهدف ديورانت إلى عدم التأثير على الاستهلاك، أو إبقائه ضمن عُشر بالمائة من خطة الطيران العادية. "إذا كان لدى رحلة معينة عقوبة وقود 0.1 أو 0.2٪ لإنقاذ ما يحتمل من مئات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون، فهذا ضئيل إلى حد ما لكنّ فوائده هائلة. ثمة جانب إيجابي كبير لهذا إذا نفّذ بالطريقة الصحيحة".

جهد متضافر

خطوط الطائرات النفاثة
Credit: Etihad

أقلعت أول رحلة تجارية تستخدم تقنية ساتافيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وأدارتها شركة طيران الإمارات العربية المتحدة الاتحاد، كجزء من برنامج يسمى Greenliner، وهو اختبار لمشاريع الاستدامة. ومنذ ذلك الحين، أكملت شركتا الاتحاد وساتافيا عشرات الرحلات الجوية، وتوشك شركة ساتافيا على الشروع بتجربة أخرى مع المشغل الهولندي الرائد KLM. عن هذا التعاون علّق ديورانت: "سنبحث بنشاط عن المزيد من شركات الطيران خلال عام 2023 للعمل معها، حيث نبدأ بتوسيع نطاق الخدمة التي نقدمها".

في عام 2021، قدر العلماء أن معالجة مشكلة النفاث ستكلف أقل من مليار دولار سنويًا، لكنها توفر فوائد تزيد قيمتها عن 1000 مرة. وأظهرت دراسة وضعتها جامعة إمبريال كوليدج لندن أن تحويل نسبة 1.7٪ فقط من الرحلات الجوية قد يقلّل الضرر المناخي للنفاث بنسبة تصل إلى 59٪.

وبحسب مارك ستيتلر، أحد مؤلفي دراسة إمبريال كوليدج، غير المشارك في شركة ساتافيا، أنّ الشركة تسير على الطريق الصحيح. وأكد أنه يؤيّد "إجراء التجارب. ثمة أمور ما زلنا بحاجة إلى تحسينها وتعلمها، لكن الصناعة بدأت بحق في إيلاء هذا الأمر أولوية عالية، لذلك هناك عدد من شركات الطيران النشطة في هذا المجال، ضمن تلك التي تتعامل مع ساتافيا".

لكنّه أضاف أن المشكلة تتطلب جهودا متضافرة، موضحًا أنّ تحقيق ذلك "يحتاج إلى أن يكون تعاونيًا. تقوم ساتافيا بعمل جيد من خلال بدء هذه التجارب ويجب أن تكون قادرة على الحفاظ على نفسها كمنظمة تجارية، لكن القيمين عليها منفتحون للتعاون".

في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، أطلق معهد روكي ماونتن، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية في مجال الطاقة، يتّخذ من الولايات المتحدة مقرًّا له، فريق عمل مشترك بين القطاعات لمعالجة مشكلة النفاث. بوينغ وايرباص وست شركات طيران بينها امريكان ويونايتد تتعاون حاليًا مع باحثين وأكاديميين. والهدف تطوير الحلول ووضع خارطة طريق لتنفيذها.

يتقبل ديورانت فكرة التعاون، "لأننا نحتاج حقًا إلى اتخاذ إجراءات عبر الصناعة، نحتاج إلى أن يجتمع المشغّلون معًا ويعملون معنا. يمكننا أن نحقق نتائج ملموسة. يمكننا أن نقلل بشكل كبير، على سبيل المثال، 50٪ من أثر النفاث على الصناعة بحلول عام 2030. هذا ممكن تحقيقه، من خلال استخدام البرمجيات والتحليلات".

وأضاف ديورانت أنّ التحديات المقبلة لا يمكن حلها من دون مشاركة الهيئات التنظيمية، مؤكّدًا أنّ "الأمر لا يتعلق بالعلم فحسب، بل بكيفية قيامنا بذلك عمليًا. يجب تحديث القواعد للسماح بمزيد من المرونة للجميع من مكان تحليق الطائرات وكيفية تنظيم الحركة الجوية. وستكون هذه أكبر مشكلة يتوجب علينا إيجاد حل لها".