جسر يربط بين مدينتين في الصين.. يعكس طموح البلاد ومشاكلها في آن

سياحة
نشر
9 دقائق قراءة
230502121348-lingdingyang-bridge.jpg
Credit: Chen Jimin/China News Service/VCG/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- حتى في بلد يشتهر ببنية تحتية ضخمة تحطم الأرقام القياسية، يلفت هذا المشروع الأنظار، إذ تبلغ كلفة جسر شينزين - تشونغشان الصيني الطموح الذي يضم جزرًا اصطناعية ونفقًا تحت البحر، ما قيمته 6.7 مليار دولار، ويبلغ طوله 15 ميلاً (24 كيلومترًا)، وعرضه ثمانية خطوط.

لكن هذا ليس كل شيء، فقد حقق بناة الجسر رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا من خلال رصف أكثر من 243.200 قدم مربع (22600 متر مربع) من الأسفلت في يوم واحد، أي ما يعادل أكثر من 50 ملعب كرة سلة.. الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الحكومية.

وقد يبدو الأمر غريبًا عند اكتشاف أن هذا ليس أطول جسر بحري في العالم، إنما جسر هونغ كونغ - تشوهاي - ماكاو، الذي يبلغ طوله 34 ميلًا، ويبعد 20 ميلاً فقط عنه.

ويرى بعض المراقبين أن بناء هذه الجسور العملاقة المجاورة لبعضها البعض إلى هذا الحد يشهد على طموحات الصين المتنامية على المسرح العالمي، والمشاكل التي تواجهها لتحقيقها.

وإسوة بالجسر الشقيق في هونغ كونغ، فإن جسر شينزين - تشونغشان لدى افتتاحه العام المقبل بعد ثماني سنوات من البناء، سيشكل ركيزة أساسية في الخطة الرئيسية للصين، الهادفة إلى تطوير منطقة الخليج الكبرى، إحدى أكبر مناطق العالم الحضرية وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، إلى مركز اقتصادي وتكنولوجي يمكن أن ينافس مدن سان فرانسيسكو، أو نيويورك، أو طوكيو.

ويُعتبر هذا الطموح كبير. إذ أن منطقة الخليج الكبرى تشكل موطنًأ لـ68 مليون شخص، وتغطي 21800 ميل مربع وتشمل 11 مدينة: هونغ كونغ، وماكاو، وتسع مدن أخرى ضمنًا تشونغشان وشينزين. ويقطن في شينيزن وحدها أكثر من 12 مليون شخص، وعشرات الشركات التي تُقدّر بمليارات الدولارات مثل صانع الطائرات من دون طيار "DJI"، وشركة وسائل التواصل الاجتماعي "Tencent" التي ساعدت في اكتسابها لقب "وادي سيليكون الصيني".

وتأمل بكين بأن تساعد الجسور في الجمع بين المدن بهذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة من الناحية المادية والمفاهيمية. ويُتوقع أن تنخفض أوقات السفر بين تشونغشان ومطار شينزين باوان الدولي، ثالث أكثر المطارات ازدحامًا في الصين، الذي استضاف أكثر من 37 مليون مسافر في عام 2019، من ساعتين (باستخدام الطرق الحالية) إلى 20 دقيقة.

لكن، يعتقد العديد من المراقبين أن الجسور تهدف أيضًا إلى خدمة غرض سياسي آخر، من خلال إدراج المناطق المتباينة تمامًا في الوقت الحالي: هونغ كونغ مستعمرة بريطانية سابقة، وماكاو مستعمرة برتغالية سابقة، في إطار هوية صينية واحدة. ووفقًا لما ذكره بعض النقاد، فإن حجم هذا التعهد قزّم حتى من حجم الجسور.

تسجيل موقف

وقال أوستن سترينج، المتخصص بالسياسة الخارجية الصينية في جامعة هونغ كونغ، إن الجسر الجديد سيحقق بلا شك "قيمة اقتصادية حقيقية" من خلال تخفيض مدة التنقل بين المدن بشكل كبير، وخفض حركة المرور أيضًا.

لكنه لفت إلى وجود بُعد ثانوي أيضًا، يشبّهه بجهود الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، حيث تنفق بكين المليارات على تمويل مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والطرق في البلدان بجميع أنحاء العالم.

ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه محاولة من الصين لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي على المسرح العالمي، ويتّهمها بعض النقاد باكتساب نفوذ في الدول الأصغر من خلال تقديمها قروض لا تأمل بسدادها.

وأوضح سترينج أنه "من الواضح أن الحكومة الصينية تعلن عن الجسر، الذي لا تُرتب عملية بنائه ديونًا، باعتباره إنجازًا على مستوى عالمي". وتابع أن "البنية التحتية تمثل جزءًا أساسيًا من سمعة الصين في التنمية العالمية، وهي أيضًا رابط رئيسي بين كيفية تعامل الصين مع التنمية المحلية والدولية".

ورغم ذلك، فإن مدى عمق الانطباع الذي سيخلّفه الجسر على بقية العالم سيعتمد جزئيًا ليس فقط على حجمه، لكن على مدى نجاحه وشعبيته بين المسافرين.

ومن ناحية أخرى، فإنها تٌخاطر بفتح باب الانتقادات التي توجه غالبًا إلى بعض مشاريع الحزام والطريق الأكثر تعقيدًا.

جسر شنيزين - تشونغشانغ
Credit: Deng Hua/Xinhua/Getty Images

وقال أستاذ المالية هي تشيجو من جامعة شيكاغو إنه إسوة بالجسور التي تربط سواحل خليج سان فرانسيسكو، فإنه من المرجح أن يخفّض المشروع الصيني الضخم أوقات السفر.

ومع ذلك، رأى أن المواطنين المحليين فقط في تشونغشان هم الأوفر حظًا للنمو، حيث ستعمل المدينة الهادئة التي لا تُعرف كمركز تجاري ولا سياحي، على تقديم بعض الحوافز للآخرين لزيارتها.

وأضاف أنّ التقديرات المتعلقة بالتأثير على أوقات السفر والتكاليف يجب أن تكون مضخمة قليلًا، لأن المشاريع يمكن أن تتضخم بسهولة، موضحًا: "هذا هو قلقي. لكن من دون معرفة المزيد، أعتقد أنها ليست بفكرة سيئة".

جسور فوق مياه مضطربة

ورغم أن رؤية بكين لمنطقة الخليج الكبرى طموحة، إلا أنها واجهت الكثير من المطبات على الطريق.

وطُرحت الفكرة لأول مرة في عام 2009، لكن الخبراء رأوا أنّ النمو تعرقل بسبب الطبيعة المتفاوتة والحواجز بين بعض المدن المعنية.

ويحدّ المنطقة البر الرئيسي الصيني، والمستعمرات السابقة لهونغ كونغ، وماكاو. وتشكل الأخيرتان منطقتين إداريتين خاصتين شبه مستقلتين في الصين راهنًا، وتتمتع كل منهما بأنظمة هجرة منفصلة، وأنظمة قانونية منفصلة، وحتى عملات منفصلة.

وإلى ذلك، يحمل المقيمون ثلاثة جوازات سفر، وبطاقات هوية مختلفة، ويتحدثون بلغتين صينيتين مختلفين: الكانتونية والماندرين. ويقودون سياراتهم على جانبين مختلفين من الطريق.

وهذا الواقع يدلّ على وجود الكثير من العقبات أمام الأشخاص الذين يأملون للقيام برحلة برية هانئة.

وذكر النقاد بعض المشاكل التي برزت عند افتتاح المشروع الشقيق لجسر شينزين - تشونغشان، وهو جسر هونغ كونغ - تشوهاى - ماكاو الذي بلغت كلفته 20 مليار دولار، في عام 2018.

ويربط هذا الجسر مدينة تشوهاي بالبر الصيني مع مركز المقامرة ماكاو والمركز المالي الرائد في هونغ كونغ.

وبحلول عام 2019، أي بعد عام على إطلاقه، كان لا يزال يكافح لجذب حركة المرور، حيث لم يُسجل سوى 4000 رحلة يوميًا، وفقًا لما ذكرته إدارة النقل في هونغ كونع. 

ويعزو الخبراء الاستجابة الفاترة إلى حاجة المسافرين للحصول على تأشيرات مختلفة وتسجيلات المركبات للسفر بين الأماكن الثلاثة، فيما العبّارات عالية السرعة تتقاطع بالفعل مع المدن الثلاث يوميًا، وتغادر من المحطات المركزية التي غالبًا ما يكون الوصول إليها أكثر سهولة من المناطق الحدودية، حيث تبدأ الجسور.

وقد تراجعت حركة المرور على جسر هونغ كونغ إلى مئات المركبات فقط يوميًا خلال جائحة "كوفيد-19"، حيث أغلقت كل منطقة من المناطق الثلاث حدودها كجزء من سياسة "صفر كوفيد" الصارمة، رغم زيادة الاستخدام منذ ذلك الحين. وخلال عطلة عيد العمال هذا الشهر، أفادت وسائل الإعلام الحكومية أن ما يصل إلى 9000 مركبة تعبر يومياً.

وبالتوازي، يتجاوز الجدل حول الجسور الأمور المالية البحتة.

وبينما يرى البعض الجسور على أنها عمل سياسي. انتقد المعارضون جسر هونغ كونغ كوسيلة لفرض الاندماج وفرض السيطرة على المدينة التي هزتها الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية بين عامي 2014 و2019.

لا داعي للقلق.. "سيكون هناك ازدحام مروري"

ومع ذلك، تتمتع الجسور بمعجبيها أيضًا، إذ قال شياو قنغ، مدير معهد السياسة والممارسة في حرم شنزين بالجامعة الصينية في هونغ كونغ، إن جسر شنزين - تشونغشان سيساعد على رفع مستوى المنطقتين.

وتابع شياو: "الجانب الغربي من الساحل ليس متطورًا مثل الجانب الشرقي، ويتواجد تباين كبير في أسعار العقارات بين الجانبين".

وأضاف أن الجسر كان مختلفًا عن سابقه، الذي كان محاطًا بأنظمة "مختلفة جوهريًا" بالنسبة للأماكن الثلاثة، مما أدى إلى إعاقة الناس من خلال زيادة تكلفة السفر.

وأشار إلى أن الجسر الأخير سيربط مدينتين من البر الرئيسي الصيني، كانتا تخضعان بالفعل للأنظمة ذاتها.

وخلص إلى أنه "لا داعي للقلق، إذ سيكون هناك ازدحام مروري".

نشر