دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يكبر بعض الأطفال وهم يحلمون بأن يصبحوا طيّارين، إلا أن سيلفا ماكليود لم تكن واحدة منهم. وخلال طفولتها على جزيرة فافاو في تونغا، لم تكن تعرف حتى أن العمل كطيار كان مهنة ممكنة.
ولكن كلما حلقت طائرة فوق الكوخ المسقوف الذي عاشت فيه مع عائلتها، كانت ماكليود الصغيرة تركض إلى الخارج لتشاهدها.
وتقول: "لقد كان شغفا في طفولتي، فكلما حلقت طائرة فوقنا، كنت دائمًا أهرع إلى الخارج وأشير إلى السماء".
وتابعت:"لن أقول إنني أردت أن أصبح طيّارة، ولكن كان ذلك السحر والفضول داخلي يدفعني لأتساءل: من العباقرة الذين يمكنهم تشغيل هذه الآلات؟".
ومنذ ذلك الحين، تغيرت الكثير من الأمور بالنسبة لماكليود، إذ تزوجت وهاجرت إلى أستراليا، وأصبحت في نهاية المطاف واحدة من أولئك العباقرة الذين يقودون الطائرات.
بذلك، أصبحت واحدة من القلة فقط من الشعب التونغي الذين حصلوا على رخصة قيادة الطائرات، وأول امرأة تونغية تحصل عليها.
الطريق الطويل نحو السماء
وكانت أول مرة لماكليود على متن طائرة في عام 1981، بعد وقت قصير من زواجها من زوجها الأسترالي كين، الذي التقت به عندما جاء إلى تونغا للمساعدة في بناء مستشفى.
للوصول إلى مسقط رأسه في ولاية فيكتوريا، كان عليهما أولاً السفر في طائرة صغيرة من موطن ماكليود في فافاو إلى الجزيرة الرئيسية نوكوالوفا، ثم السفر من نوكوالوفا إلى مدينة أوكلاند بنيوزيلندا، وأخيراً السفر من هناك إلى ملبورن، عاصمة ولاية فيكتوريا.
كانت الرحلة الأولى كارثية، إذ كانت الظروف الجوية سيئة، وتسرّبت المياه خلال بضع شقوق صغيرة في جسم الطائرة.
قام الطياران - وهما رجلان من أصحاب البشرة البيضاء - بإصدار إعلان باللغة الإنجليزية، والذي لم يستطع معظم الركاب فهمه.
ورغم أن ماكليود كانت تحلم منذ فترة طويلة بتعلم الطيران، إلا أن الحياة عرقلت طريقها. تطلب انتقالها إلى أستراليا أكثر من مجرد الانتقال، إذ اضطرت لتعلم كيفية فتح حساب مصرفي، واستخدام غسالة الملابس، وقراءة الخرائط، وقيادة السيارة وغير ذلك.
وسرعان ما أصبحت تربية الأطفال جزءا من هذا المزيج.
في عيد ميلادها الثاني والثلاثين، قدم كين لزوجته هدية، أي شهادة لرحلة تدريب تمهيدية أساسية، وسألها: "هل ما زلت ترغبين في تعلم الطيران؟" وكانت هناك إجابة واحدة فقط: نعم.
وعامًا بعد عام، بطبيعة الحال، شقت ماكليود طريقها ببطء نحو أن تصبح طيّارة.
في البداية حصلت على رخصة الطالب، ثم رخصة محدودة، تلتها رخصة تجارية. وفي النهاية، تمكنت من تعليم طلبة الطيران، وقيادة طائرات صغيرة بنفسها.
وحصلت ماكليود على رخصة طيار في عام 1992. وفقًا لهيئة سلامة الطيران المدني الأسترالية، هذا يجعلها أول امرأة تونغية تصبح طيّارة مرخّصة.
وربما مرت ماكليود بمسار غير تقليدي نحو مقعد الطيار، لكنها تعتز بكل لحظة تقضيها في السماء.
وفي سن الـ37، أصبحت طيارةً بدوام كامل لشركة الخطوط الجوية الملكية التونغية.
وكانت هذه اللحظة التي تمكنت فيها من تخفيف ذكرى تلك الرحلة المرعبة التي غادرت فيها جزيرتها للمرة الأولى.
تقول: "عندما قدمت خطاب الطيارين باللغة التونغية، وعندما كنت أطير في تونغا، شعرت أن مهمتي قد أُنجزت، أي شيء أتى بعد ذلك كان مكافأة. إذا مت أثناء تحليقي الطائرة في تونغا، فسأكون أسعد طيارة على الإطلاق".
لكن هذا الحلم لم يدم طويلاً. وفي عام 2004، أُغلقت الشركة الطيران. وبالنسبة لـماكليود، كان انهيار الخطوط الجوية الملكية التونغية أكثر من مجرّد فقدان وظيفة. ولكي يستطيع الشباب السعي وراء مهن في مجال الطيران، هم حتاجون إلى مكان للتدرب والعمل.
ويشكّل عدم وجود شركة طيران وطنية ضربة قاضية لأمة مهمشة وغير مخدومة مثل تونغا.
ولو لم تلتقِ ماكليود بزوجها ولم تستطع العيش والعمل في الخارج، فمن المحتمل أنها ما كانت ستقدر على تحقيق حلمها، أما الطيارون التونغيون الآخرون الذين تعرفهم، فقد تلقوا التدريب في الخارج أيضا. ولا توجد مدرسة طيران في تونغا يمكنهم العودة إليها وتوجيه الجيل القادم.
ومع ذلك، ستظل ماكليود تفكر دائمًا في نفسها كفتاة صغيرة نشأت بدون كهرباء، تركض حافية القدمين على جزيرة إستوائية.
وبعد فقدانها زوجها كين بسبب السرطان، تكيّفت التونغية من خلال كتابة مذكراتها بعنوان "Island Girl to Airline Pilot: A story of love, sacrifice and taking flight"، والتي نُشِرَت في عام 2023.
وتأمل أن يمنح الكتاب الأمل لأشخاص آخرين قادمين من خلفيات مهمشة يرغبون في العمل في قطاع الطيران.
وتقول على سبيل النصيحة: "لا تنظر أبدًا إلى قمة الجبل، لأنك حينها تستسلم. إنها مرتفعة جدًا وصعبة للغاية. ولكن إذا ركزت فقط على الخطوة التي أمامك، وتجاوزتها شيئًا فشيئًا، قبل أن تدرك، ستكون قد اجتزت منتصف الطريق نحو الجبل".