نزل بيئي في منطقة نائية بكمبوديا يعرّف الناس على الحياة البدوية الأصيلة

سياحة
نشر
8 دقائق قراءة
نزل بيئي في منطقة نائية بكمبوديا يعرّف الناس على الحياة البدوية الأصيلة
داخل إحدى غرف The Three Camel Lodge Credit: Michael Kleinberg/Courtesy Three Camel Lodge

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تكتسي السماء وهجها البرتقالي مع شروق الشمس البطيء الذي ينير مساحات صحراوية لا متناهية. يتخلّل المشهد كل بضع ساعات، رعاة يقودون مئات الأغنام والماعز نحو بئر المياه القريبة.

الأصوات الوحيدة التي يمكن سماعها هي حفيف الريح، ونهيق ونباح الحيوانات المحلية، وأصوات سيارات الدفع الرباعي التي تجلب الوافدين الجدد، بين حين وآخر.

هذه العناصر تشكل جزءًا من تجربة الحياة البرية المنعزلة التي يقدمها منتجع Three Camel Lodge البيئي في بولجان بمنطقة غوبي بمنغوليا (أي الصحراء)، والتي تعتبر واحدة من أكثر الأماكن النائية على وجه الأرض.

بعيدًا عن الحضارة، يسعى النزُل لمنح الزوار نظرة أصيلة حول نمط الحياة البدوية التقليدية في منغوليا، حيث يعيش مجتمع من الأشخاص على هضبة آسيا الوسطى، ويعتمدون في عيشهم على الماشية الأليفة.

ورغم انتفاء الكثير من الثقافات البدوية في العالم، إلا أنها لا تزال تمثّل جزءًا أساسيًا من الحياة المنغولية، حيث يشكل البدو حوالي ربع سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين نسمة.

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Michael Kleinberg/Courtesy Three Camel Lodge

يتألف النزُل من 24 غرفة، عبارة عن مساكن مستديرة شبيهة بالخيام، ومصنوعة من الخشب، واللباد، والحبال، وهي مواد مرنة بدرجة كافية يمكن حملها، وسهلة التجميع، وقوية بما يكفي لتحمّل هبوب رياح الصحراء القوية.

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Michael Kleinberg/Courtesy Three Camel Lodge

 والتصميم بسيط في الداخل، ويتكون من قطع أثاث خشبية وقطع تزيينية أخرى. لكن كل واحدة منها تحتوي على كماليات لا نجدها في منازل البدو عادةً، مثل الحمام الخاص المزود بالمياه الجارية، والكهرباء التي تعمل بالطاقة الشمسية.

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Michael Kleinberg/Courtesy Three Camel Lodge

يحتوي The Three Camel Lodge أيضًا على مطعم في الموقع وحانة (مع مجموعة واسعة جدًا من الويسكي)، إضافةً لمنتجع صحي فاخر. 

كيف وُلدت فكرة نزُل الجمال الثلاثة؟

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Courtesy Three Camel Lodge

The Three Camel Lodge فكرة رجل الأعمال المنغولي الأمريكي جالسا أوروبشوروف، البالغ من العمر 68 عامًا اليوم.

ترعرع أوروبشوروف منذ طفولته في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين. وكان يحلم بالمناظر الطبيعية المثيرة في منغوليا. وبفضل قصص والده الملونة والمشوقة، تغلغلت ثقافة البلاد في وجدانه.

وفي مقابلة مع CNN، قال أوروبشوروف الذي وُلد والده في كالميكيا، وهي حاليًا منطقة تقع في جنوب روسيا: "يمتلك المنغوليون نظامًا دقيقًا جدًا للتتبّع الجيني.. يمكنك إلى حد كبير تحديد المنطقة الجغرافية التي نشأت فيها قبيلتك وأسلافك ضمن نطاق 100 ميل".

ولفت إلى أنّ "(والدي) روى لي ذلك وأنا أكبر في وسط نيوجيرسي".

وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما فتحت منغوليا حدودها أمام السيّاح الدوليين، تمكن أوروبشوروف من زيارتها للمرة الأولى.

وأشار أوروبشوروف إلى أنّه شارك في "العديد من حفلات الزفاف المنغولية في نيوجيرسي، لكن كان هذا هو الحد الأقصى. في حين أنّ الزيارة أثارت الكثير من الصور المختلفة".

وتابع: "تمكنت من الخروج إلى الريف وألتقي بأحد الرعاة، والإقامة في بعض مخيمات الجير.. لقد كانت تجربة مذهلة".

وبعد فترة وجيزة، كلّفه رئيس وزراء منغوليا بجلب المزيد من السيّاح من الغرب. وفي عام 1992، أسّس شركة لخدمات السفر، Nomadic Expeditions، التي وفّرت  الجولات في منغوليا وبلدان أخرى.

يتذكر أنّ الأمر "استغرق عامين كي أتمكّن من إحضار أي شخص للزيارة".

في عام 2002، قرّر أوروبشوروف بناء شيء أكثر استدامة في منطقة غوبي، ومن هنا نشأ نُزُل Three Camel Lodge.

أرض الديناصورات والمنحدرات المشتعلة

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Michael Kleinberg/Courtesy Three Camel Lodge

تُعرف منطقة غوبي بأنها أرض الديناصورات، وهي جزء لا يتجزأ من الثقافة المنغولية.

يبعد The Three Camel Lodge نصف ساعة فقط بالسيارة عن بايانزاغ، أحد أهم مواقع حفريات الديناصورات في العالم.

ففي بايانزاغ، أُعلن عن أول اكتشاف معترف به علميًا لبيض الديناصورات قبل قرن مضى. وأطلق عالم الحفريات روي أندروز اسم "المنحدرات المشتعلة" على الموقع، أثناء العثور على الأعشاش مع فريقه من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في عشرينيات القرن الماضي، وذلك تيمنًا بالحجارة الرملية الحمراء التي يبدو أنها تنبض بالحياة عند غروب الشمس، فتُحوّل الموقع إلى منطقة ملتهبة تكتسي باللون الأحمر.

وما زالت أعمال الحفر بحثًا عن الديناصورات مستمرة حتى اليوم.

وقال بوياندلغر غانباتار المدير المحلي لـNomadic Expeditions والمرشد السياحي الرئيسي، لـCNN، إنّ "هذا المكان غامض حقًا.. إنه ينطوي على نوع من السرية والعزلة. إنه حقًا مكان خاص بالنسبة لي".

عند الحديث عن الكثبان الرملية، هناك منطقة جذب شهيرة أخرى يمكن الوصول إليها من النزل وهي Moltsog Els التي تبعد 15 دقيقة فقط بالسيارة. ورغم كونها في الصحراء، فهي واحدة من المناطق القليلة في منطقة غوبي المنغولية المغطاة بأكوام الرمال.

هنا، يمكن للضيوف استكشاف الكثبان الرملية سيرًا على الأقدام، أو استئجار جمل من إحدى عائلات الرعي المحلية في جميع أنحاء المنطقة.

بالإضافة إلى الكثبان الرملية والمنحدرات الحجرية الحمراء، تشتهر منطقة غوبي أيضًا بمساحاتها الخضراء. فوادي يول يبعد ساعة بالسيارة عن النزُل، وأنشئ أساسًا للحفاظ على حياة الطيور، وبينها نسر "يول"، أو النسر الملتحي.

يمكن للضيوف أيضًا القيام برحلة إلى منتزه Gobi Gurvan Sakihan الوطني المحمي، والغني بالتنوع البيولوجي، من الغزلان البيضاء، إلى الفهود، والنسور الذهبية. ويمكن استكشاف الوادي سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل، وفي الصيف، يمر جدول صغير عبر المضيق العميق والضيق.

رائدة الاستدامة

نزل الجمال الثلاثة
Credit: Ken Spence/Courtesy Three Camel Lodge

ومع هذه الطبيعة البكر في كل مكان، اعتبر مبدأ الحفاظ عليها أمرًا بالغ الأهمية.

ونظرًا لوجود النزُل في منطقة نائية جدًا، كان مهمًا بالنسبة لأوروبشوروف وفريقه إنشاء البنية التحتية المناسبة.

ولأنه يُعتبر رائدًا في مجال السياحة المستدامة، يتبع Three Camel Lodge اليوم ثلاث ركائز رئيسية: الإدارة المستدامة، والحفظ، وتمكين المجتمع.

بدأ النزُل بالتخلص من الزجاجات البلاستيكية الفردية مستعيضًا عنها بتوزيع أكواب معدنية على ضيوفه، قابلة لإعادة الاستخدام.

كما قاموا ببناء نظام لإدارة النفايات من الصفر، وتحويل النفايات من مكب النفايات عبر إنشاء دفيئة لتحويلها إلى سماد.

وتعمل الألواح الشمسية على تشغيل جميع إضاءة النزُل تقريبًا. ويتم الحصول على مواد البناء، والأثاث، والديكور من مصادر محلية قدر الإمكان، تبعد 50 ميلاً من النزل.

وكان جوهريًا بالنسبة أوروبشوروف الاستثمار في السكان المحليين. ويعمل قرابة 30 موظفًا منغوليًا بدوام كامل في Three Camel Lodge.