"الركاب المشاغبون" كانوا قبل الجائحة.. لكنهم ازدادوا سوءًا بعدها

سياحة
نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- اختبر الراكب فيليب باوم واحدة من أكثر الرحلات الجوية غير المريحة في حياته، في الآونة الأخيرة.

بالنسبة إلى باوم، كان من الواضح أنّ جاره في الرحلة كان ثملاً. 

ورُغم تأكيد الطاقم أنّهم "منعوه من شرب الكحول"، إلا أنّ باوم قال إنّ الراكب "تمكن من تهريب المزيد من الكحول خلسةٍ من عربة (المشروبات)".

وبالنسبة لباوم الذي كان جالسًا في مقصورة الدرجة الاقتصادية، لم يستمتع بالتواجد بالقرب  من هذا الراكب "الجامح" لساعات عدة، وقال لـCNN: "اعتقدت حقًا أنّني سأتقيأ".

وعلاوةً على ذلك، شعر باوم بالقلق من أنّ الراكب "سيفقد السيطرة تمامًا" في أي لحظة.

وطوال الرحلة، شعر باوم بأنّه يعمل بجد للسيطرة على ردة فعله تجاه الموقف، مع شعوره في مراحل عدّة بأنّه على حافة الاستسلام لغضبه وإحباطه.

وكان الأمر الوحيد الذي منعه من التحول لراكبٍ جامح قوله لنفسه: "فيليب، أنت تعرف ما هو الأفضل. لا يمكنك أن تصبح جامحًا فجأة".

وباوم خبير في أمن الطيران، ورئيس التحرير السابق لمجلة Transport Security International Magazine، ومؤسس DISPAX World، المؤتمر الدولي المعني بإدارة وتقييد ركاب الرحلات الجوية الجامحين.

وقبل جائحة كورونا، أشارت الإحصائيات التي سجلها الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) إلى أنّ عدد ركاب الطائرات المشاغبين آخذ بالارتفاع. 

وتزايدت المناقشات حول هذه القضية، وأطلقت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA) مبادرتها #notonmyflight في عام 2019، بهدف زيادة وعي الركاب.

مستوى الشغب

ويصنِّف الاتحاد الدولي للنقل الجوي حوادث السلوكيات الجامحة ضمن 4 مستويات. ينطوي المستوى الأول "البسيط" على حصول سلوك جدلي، أو عدم الامتثال للوائح السلامة، وفقًا لدليل "أفضل ممارسات سلامة عمليات المقصورات" الصادر عن "إياتا"، بينما يُشير المستوى الثاني "المعتدل" إلى السلوك العدواني الجسدي.

ويعني المستوى الثالث "الخطير" وجود "نية أو تهديد لإلحاق الأذى"، على حد تعبير الاتحاد الدولي للنقل الجوي، بينما تصنف المنظمة المستوى الرابع، أي "اختراق سطح الطائرة"، كـ"تهديد حقيقي بالقتل".

وتُشير البيانات المتاحة للمنظمة اعتبارًا من عام 2022، إلى أنّ معظم حوادث الركاب الجامحين تتعلق بعدم الامتثال للأوامر، والإساءة اللفظية، والثمالة.

وهذه الحوادث أقل خطورة، لكن لا يزال يُنظر إليها كمواقف قد تضر بسلامة الرحلات الجوية.

وفي وثيقةٍ صدرت عام 2023 بعنوان "سفر جوي أكثر أمانًا ومتعة للجميع: استراتيجية للحد من حوادث الركاب الجامحة والتخريبية"، ذكرت منظمة "إياتا" أنّه رُغم تصرف "أقلية صغيرة فقط" من الركاب بشكلٍ سيئ، إلا أنّهم يتمتعون بـ"تأثير غير متناسب".

وشرحت أنّ الحوادث يمكن أن "تهدد سلامة وأمن الطائرة، والركاب الآخرين، وأفراد الطاقم".

كما قد تؤثر تصرفاتهم على الصحة العقلية للطاقم والركاب أيضًا، وزيادة احتمال حدوث عمليات تحويل لمسار الطائرة ربما، أو تأخير، أو إلغاء مزعجة.

وقالت مضيفة الطيران السابقة، ليز سيمونز، التي عملت في هذه المهنة مدة 17 عامًا، لـCNN إنّ الركاب الجامحين "قد يؤثرون على قدرة طاقم الطائرة على القيام بواجباتهم المتعلقة بالسلامة".

وتعمل سيمونز الآن، وهي أسترالية، على إعداد رسالة دكتوراه تتناول فيها الرفاهية الجسدية والنفسية الاجتماعية لطاقم الطائرة في أوقيانوسيا، وكيفية تقاطع ذلك مع الأداء وسلوكيات السلامة.

وأوضحت سيمونز أنّ سلوكيات الركاب التخريبية قد تؤدي إلى "إصابة جسدية، أو عاطفية، أو نفسية" لمضيفي الطيران والركاب الآخرين على حدٍ سواء.

تأثير الجائحة

من بين 5،981 من حوادث الركاب الجامحين المبلغ عنها إلى إدارة الطيران الفيدرالية في عام 2021، ارتبطت 4،290 منها بارتداء كمامات الوجه.

وليس مستغربًا افتراض عمّال الطيران والمسؤولون أنّ الوضع سيتحسن مع تراجع الجائحة ورفع تفويضات ارتداء الكمامات.

لكن ذلك لم يتحقق، فكانت الجائحة "نقطة تحوّل" على حد تعبير المضيفة السابقة في الخطوط الجوية اليابانية، ميزوكي أورانو.

وقال جون فرانكلين، رئيس قسم تعزيز السلامة في الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA)، لـCNN إنّه يعتقد أنّ الزيادة المسجلة في سلوك الركاب الجامح يرتبط بتحول سلوك مجتمعي أكثر عمومية حدث في العامين الماضيين.

وأصبحت السلوكيات السيئة في الأماكن العامة موضوعًا تجاوز نطاق قطاع الطيران. 

وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال، كانت هناك زيادة بما أشار إليه اتحاد الفنون المسرحية (Bectu) بـ"السلوك المتطرف المعادي للمجتمع" بين رواد المسرح. وفي الوقت ذاته، شهد عام 2023 عددًا كبيرًا من التقارير بشأن سلوك السياح بشكلٍ سيئ في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى إتلاف المواقع التراثية، وتناول الأنواع المهددة بالانقراض، والسرقة.

وتفترض عالمة النفس في مجال الطيران، ألكساندرا كابيلا، أنّ "العمل المطول عن بُعد والتفاعلات الاجتماعية المحدودة" ربّما أثّر على "مستويات راحتنا في الأماكن المغلقة، مثل الطائرات".

كما تعزو كابيلا أيضًا الزيادة في سلوك الركاب الجامح إلى نظرة البعض إلى السفر الآن "باعتباره حقًا وامتيازًا بعد تحمل حالة من عدم اليقين والقيود".

وتجلب هذه النظرة "توقعات أكبر من رحلاتهم".