دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- من بعيد، يبدو موقع "باموق قلعة" (قلعة القطن) أشبه بمنتجع للتزلج، بسلسلة من المنحدرات البيضاء اللامعة ومجموعة من السياح في الأعلى، يستعدون على ما يبدو للتزلج على المنحدرات إلى الوادي أدناه.
لكن، لماذا لا يذوب الجليد مع اقتراب درجات الحرارة في منتصف الصيف من 37 درجة مئوية؟
السبب أن هذه الأعجوبة الاستثنائية والخلابة، التي تقع في أعماق التلال التي تغمرها أشعة الشمس في جنوب غرب تركيا، ليست ثلجًا. وفي الواقع، تتدفق المياه التي تشكلت منها أحيانًا من الأرض عند نقطة الغليان.
وبالنسبة للزوار الذين يتجولون حول منابعها العليا، فإنهم لا يغادرون بسرعة، إذ أن غالبيتهم يقضون الوقت للاستمتاع بالمناظر الساحرة، إما عن طريق التجديف أو المكوث في بعض من أكثر البرك جاذبية للتصوير على هذا الكوكب.
واليوم، تُعد منحدرات وبرك الحجر الجيري في "باموق قلعة"، المليئة بالمياه المعدنية الزرقاء اللبنية، مثالية لالتقاط الصور لـ"إنستغرام"، خاصة عند غروب الشمس التي تضفي أشعتها الذهبية ظلال من اللون الوردي على سطحها المتعرج.
بوابة إلى الجحيم
لكن هذا المكان كان بمثابة وجهة سياحية تستقطب الناس منذ آلاف السنين قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي، حيث توافد عليه الإغريق أولاً، ثم الرومان للاستمتاع بالمياه الحرارية وتكريم ما كان يُبجل باعتباره بوابة إلى الجحيم.
اليوم، أصبحت "باموق قلعة"ومدينة هيرابوليس القديمة، التي تمتد عبر الهضبة فوق التراسات البيضاء، جزءًا من موقع مدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار. وعادةً ما يزورها العديد من الأشخاص لبضع ساعات، لكن الأمر يستحق قضاء يوم على الأقل في هذه الساحة الجيولوجية والتاريخية.
وإذا دخلت من البوابة الجنوبية من السهل، فقد تشعر بخيبة أمل في البداية. إذ لا يوجد الكثير مما يمكن رؤيته على الفور باستثناء بعض الأعمدة القديمة المنهارة، التي تعد مشهدًا متكررًا في هذا الجزء من تركيا.
ونظرا لأن موقع هيرابوليس و"باموق قلعة" ضخم، يستغرق الوصول إلى المعالم الرائعة بعض الوقت. ولكن هذا يعني أيضًا أن الكشف الكبير سيكون مثيرا.
وبعد 10 دقائق من التجول على طول الممرات المعبدة من البوابة، يظهر صف من الأشجار التي تحد حافة الهضبة. وحتى إذا كنت تعلم ما ينتظرك، فلا يزال هناك عامل الإبهار عندما تصل أخيرًا، وتتكشف أمامك روعة المناظر الطبيعية البيضاء.
وعلى مدى آلاف السنين، أعاد معدن الكالسيت المترسب بواسطة المياه الحرارية المتدفقة من الأرض تشكيل هذا التل، ما شكلّ مدرجات بيضاء تعطي المنطقة اسمها وهو "باموق قلعة"، أي قلعة القطن باللغة التركية.
وكانت هذه المدرجات تحتوي ذات يوم على العديد من البرك الطبيعية الزرقاء. أما الآن فغالبيتها خالية من الماء ومغلقة، ما أدى إلى بعض الشكاوى من أن الموقع لم يعد يرقى إلى المستوى التي تظهره الصور في السنوات الماضية.
وقالت ماري هوانغ، وهي سائحة من مدينة غوانزو في جنوب الصين، وهي تقف لالتقاط صورة على حافة إحدى البرك: "إنها جميلة، لا يوجد الكثير من المياه كما كنت أتوقع. لكن المنظر لا يزال رائعا".
برك هادئة
لا تزال هناك سلسلة رائعة من البرك الهادئة، التي تتدفق أسفل التل. إنها بقعة ممتعة للتجديف أو الاستلقاء في المياه الضحلة والطين الذي يقال إنه يتمتع بخصائص علاجية.
وبهدف استكشاف المدرجات، يحتاج الزوار إلى خلع أحذيتهم، إذ أن الصخرة غير مريحة وزلقة في بعض الأماكن، لكن لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للوصول إلى أول سلسلة من البرك حيث تغوص أصابع القدم في الرواسب الناعمة.
وتُعد الدرجات العلوية هي الأكثر ازدحامًا، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في النزول إلى أسفل، فهناك فرصة كبيرة للاستحواذ على بركة لأنفسهم.
ويُعد منتج الموسيقى من كوريا الجنوبية المعروف باسم "DJ Tiz"، الذي يقوم برحلة برية عبر تركيا مع شريكته المغنية فري ناز، من بين أولئك الذين يستمتعون بالطين في الموقع، تحت أنظار كلب ودود.
وبعدما شاهد بالفعل العديد من المناظر الطبيعية الخلابة في البلاد، أعلن عن حبه لـ"باموق قلعة أكثر من أي مكان آخر".
وللحصول على تجربة منتجع صحي كاملة، يوجد الحوض العتيق، على بعد حوالي خمس دقائق سيرًا على الأقدام من أعلى المدرجات.
كما يمكن للزوار مقابل رسوم إضافية، استخدام غرف تغيير الملابس، والاستحمام، والسباحة في المياه الحرارية الصافية فوق أنقاض معبد "أبولو".
وتمتلئ البركة بفقاعات صغيرة فوارة. ويُقال إن الماء يوفر راحة للجلد، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والروماتيزم. ويُقال أيضًا إن الشرب من مضخة المياه هنا مفيد للمصابين بأمراض الجهاز الهضمي.
ويمكنك قضاء ساعات في التجول حول أنقاض هيرابوليس، مثل سوق الأغورا الواسع الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني، والمسرح الروماني الرائع، ومقابر المدينة.
ويكشف حجم الموقع عن قوة المدينة وشعبيتها في وقت ما، وكان جزء كبير من مكانة هيرابوليس مستمدًا من القوى الحرارية الأرضية الكامنة تحت سطحها.
بينما جاء العديد من الرومان واليونانيين إلى المدينة من أجل المياه الدافئة، كان للمكان أهمية دينية كبيرة كموقع لكهف "بلوتونيوم"، نسبة إلى بلوتو إله العالم السفلي، ويعرف أيضا باسم "مدخل الجحيم".
هنا، كانت الحيوانات التي تقدّم للتضحية بها، مثل الثيران، تسقط نافقة بعد استنشاق أبخرة ثاني أكسيد الكربون السامة المتصاعدة من الأسفل.
أما الكهنة الذين قادوهم إلى الداخل فكانوا يخرجون سالمين، بعدما تعلموا حبس أنفاسهم.
واليوم، يعد "بلوتونيوم"، الواقع بين الحوض العتيق والمسرح الروماني، وجهة بارزة أخرى في جولة هيرابوليس، وواحدًا من العديد من الأماكن في المدينة التي تستحق الزيارة في الأمسيات الباردة، عندما تُضاء بعض المعالم السياحية بشكل كبير بعد حلول الليل.