دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- وصفت الصين منحدرات التزلج المنجزة حديثًا لاستقبال المبارايات الأولمبية الشتوية، بأنّها مثال على التزامها بأن تكون ألعاب بكين الأكثر إخضرارًا ونظافة في التاريخ.. لكن ثمة مشكلة وحيدة هي أنّ هذا المنتجع بُني وسط محميّة طبيعية.
وقال المنظمون الصينيون إنّ مركز التزلج الألبي الوطني "National Alpine Ski Center" في يانكنغ التي تبعد 90 كيلومترًا عن وسط بكين، سيتم تشغيله على الهواء والطاقة الشمسية بنسبة 100%.
ووفق صور الأقمار الصناعية والخرائط الرسميّة التي حلّلتها CNN، يمتد مركز التزلج إلى وسط المنطقة الأساسية من محمية سونغشان الطبيعية الوطنية السابقة، وهي منتزه تأسّس عام 1985، من أجل حماية الغابات الكثيفة، ومراعي جبال الألب، والتنوّع البيولوجي الغني فيها.
ومع فوز بكين عام 2015 بإقامة الألعاب الشتوية لعام 2022 على أرضها، تمّت إعادة رسم حدود المحميّة لاستثناء منطقة التزلج منها، حيث بُني المركز حاليًا. تضم الحدود الجديدة للمحمية منطقة أوسع، لكن النقاد وجدوا أنه يصعب تعويض خسارة مواطن الحياة البرية، والضرر الذي لحق بالنظام البيئي الدقيق، جرّاء بناء هذا المركز.
والصراع الظاهر حول رواية بكين الخضراء يدور وسط تصاعد العديد من الأسئلة حول الكلفة البيئيّة للألعاب الأولمبية. ونظرًا لمناخ المدينة الجاف، فهي ستستند بالكامل على الثلج الصناعي، الذي يحذّر من استخدامه الخبراء لأنه سيستنزف الطاقة والموارد المائية.
ولن تنتهي هذه الهواجس بانتهاء الأولمبياد. ذلك أنّ الحكومة الصينية تسعى لجعل منتجع يانكنغ مركزًا جاذبًا للتزلج الدولي، وبناء المزيد من منحدرات التزلّج، ويخاف المهتمون بالبيئة من أن يتسبّب ذلك بمزيد من الضرر على البيئة المحلية.
المحمية الطبيعية
لعقود، شكّلت محميّة سونغشان الطبيعية الوطنية ملاذًا للعديد من الفصائل الحيوانية والنباتية، ضمنها النسر الذهبي، وزهور الأوركيد النادرة.
وبموجب القانون الصيني، لا يُسمح لأحد بدخول المنطقة الأساسية، إلا لإجراء بحث علمي بعد أخذ موافقة الحكومة. واستنادًا إلى ملف تخطيطي يعود للعام 2007 حصلت عليه CNN، ورد فيه بوضوح أنّ أي تطوير في المنطقة الأساسية من سونغشان ممنوع.
فحين فازت بيكين بالمناقصة لاستقبال الألعاب الأولمبية لعام 2022، صُدم المحافظون البيئيون وعشاق الطبيعة لدى اكتشافهم أنّ موقع منحدر التزلج المقترح يقع تحديدًا في منطقة المحمية الرئيسة على جبل كزايو هايتو، ثاني أعلى قمة في بكين.
وأثار هذا الاكتشاف غضبًا على مواقع التواصل الاجتماعي وطرح العديد من المستخدمين أسئلة مثل لِمَ علي مركز التزلج أن يشيّد داخل محمية طبيعية. ثم تحرّكت الرقابة ومحت كل المنشورات التي حصدت مئات آلاف النقرات.. ما عزّز الغضب.
مع ارتفاع الضغط، قال زانغ سوزهي، نائب رئيس مقاطعة يانكيغ التنفيذي لصحيفة "بيكين دايلي" عام 2015، إنّه أُعيد رسم الحدود الفاصلة من محمية سونغهان الطبيعية الوطنية، وبالتالي مواقع الألعاب الأولمبية الشتوية لا تقع داخلها.
وهذا ما قاله المنظمون الصينيون للجنة الأولمبية الدولية، على ما يبدو، أيضًا. وفي التقرير التقويمي لمناقصة بكين من أجل أولمبياد 2022، في يونيو/حزيران 2015، قالت اللجنة الأولمبية الدولية إنّ المنطقة المقترحة ستكون "ملاصقة" للمحمية.
لكن أُشير إلى أنّ الموقع المقترح هو "جزء من نفس النظام البيئي للجبل عينه" الخاص بالمحمية، مضيفين أنّ "تطوير منتجع للتزلج في هذه المنطقة قد يتطلب دراسة بيئية كبيرة وتدابير متعلقة بتخفيف الأثر البيئي".
وبالنسبة إلى زانغ، مسؤول في يانكنغ، فإن الحدود الجديدة وسّعت مجمل مساحة المحمية الطبيعية بنسبة 31%، وأضافت مزيدًا من أنواع النباتات.
وقال لصحيفة "بيكين دايلي" إنه "بعد التعديل، باتت المحمية الطبيعية أغنى بالموارد البيولوجية، وأكثر اكتمالًا كنظام بيئي، وأغنى بالمياه الحافظة، وقيمتها أعلى لجهة المحافظة على البيئة".
لكنّ زانغ تجاهل عنصرًا أساسيًا: المنطقة الأساسية الأصلية التي تضم أعلى قمة، والتي يصفها الخبراء بأنّها تضمّ أبرز تنوّع بيئي، وأنّها لم تعد ضمن الأراضي المحمية.
إنّه لأمر مثير للشفقة حقيقة
ورأى خبراء صينيون وناشطون بيئيون أنّ توسيع المحمية لا يعوّض خسارة المنطقة الأساسية الأصلية.
وقال الخبير البيئي الصيني، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، خوفًا من الملاحقة "إنه لأمر يثير الشفقة حقيقة لأن المنطقة الأساسية الأصلية هي إحدى الأماكن القليلة شمال بيكين التي تملك مراع جبلية". وتابع: "فرادة هذا النظام البيئي التي أدخلته ضمن المحميّة الطبيعيّة الأساسيّة بداية".
ومقارنة مع مناطق أخرى من المحميّة، فإنّ المنطقة الأساسية لديها معدلات عالية من مشاهدات للحياة البرية، وفق دراسة مراقبة التنوع البيولوجي التي قادها باحثون بين مارس/آذار 2013 وفبراير/ شباط 2014، في مكتب إدارة المحمية.
وانتقد العالم البيئي الصيني النقص بالشفافية لدى صنّاع القرار في الحكومة. وقال إنهم "لم يصدروا أي تقويم للأثر البيئي لإجراء استشارة عامة".
عند بدء تشييد مركز التزلج الألبي الوطني عام 2017، حاول البيئيون الحصول على إجابات.
حثّ المناصر البيئي، شي ديانشو، الحكومة على إصدار معلومات تفصيليّة حول تغيير الحدود. رفضت الحكومة طلبه استنادًا إلى أن المعلومات "تتضمّن أسرار دولة"، وفق بلاغ صادر عن وزارة حماية البيئة المنشور على الإنترنت.
لم يقتنع شي بذلك وتقدم بدعوى ضد الوزارة لإلغاء هذا القرار.
وحُدد موعد المحكمة أساسًا في فبراير/شباط 2018، لكن مصدرًا مطّلعًا على القضية قال لـCNN إن الجلسة لم تعقد، ولم تعترف بها الحكومة، أو نشر عنها في وسائل الإعلام الرسمية. ورفض شي طلب CNN إجراء مقابلة معه.
وبغية مراقبة أثر بناء منحدرات التزلّج المدمرة للحياة البرية، وزّع الخبراء في مكتب إدارة المحمية آلات تصوير على كل المحمية الجديدة عام 2017، لمراقبة نشاط الحيوانات.
وأشارت الدراسة إلى أنه "بحكم ملاصقة المحمية لمنطقة يانكنغ للمباريات، زادت الأنشطة البشرية بشكل كبير، وأثّر النقل البري والبناء على الحجم والوتيرة السلوكية لسكان المنطقة من الحيوانات البرية".
ووجد الباحثون أنّ الحيوانات الليلية، مثل الفهد من سلالة القطط، والغرير أكبر الخنازير، باتت أكثر نشاطًا خلال النهار، على الأرجح تفاديًا لأعمال البناء على منحدرات التزلج.
وسلّط مسؤولو الأولمبياد الصينيون في تقرير الاستدامة الذي يسبق الألعاب، الصادر هذا الشهر، على الجهود المبذولة لحماية البيئة خلال عملية بناء موقع المباريات في نانكنغ.
لكن الخبراء أشاروا إلى أن محمية سونغشان الطبيعية الوطنية لم يؤتَ على ذكرها في التقرير الذي يتألف من 130 صفحة.
وقالت كارمن دي جونغ، العالمة الجغرافية في جامعة ستراسبورغ الفرنسية، إنّه "لم تُذكر عبارة محمية طبيعية في أي مكان، ولم يُذكر في أي صفحة من هذا التقرير أن المنطقة الأساسية ألغي تصنيفها وتحوّلت إلى منطقة جديدة".
وأضافت: "إذا كنتم تدمرون الأجزاء العليا من أعلى جبل، فلا داعي للمحاولة والإشارة إلى الأجزاء السفلى، لأنكم ألحقتم ضررًا في أكثر منطقة حساسة بالنظام البيئي".
ولم ترد وزارة الإيكولوجيا والبيئة على طلب CNN حول تغيير الحدود.
إحدى أكثر المنحدرات حدّة في العالم
واضح السبب الكامن وراء اختيار جبل كزايو هايتو في المحمية كي يكون موقع مباريات الألعاب الأولمبية الشتوية للتزلج، فهو ينحدر عموديًا بنسة 900 متر، ما يجعله الموقع المثالي لما هو معروف بأحد منحدرات التزلج الأكثر حدة في العالم.
من أجل استضافة الألعاب الأولمبية، يفترض بموقع التزلج أن يكون لديه انحدار مسافة 800 متر في الحد الأدنى، وهذه قاعدة تسري على معظم الجبال في بكين. وعبر الحدود الإقليمية مع هيبي، تكثر هذه المواقع التي تتوافق مع معايير الألعاب الأولمبية، بحسب الخبراء الصينيين.
فمدينة زانغجياكو على سبيل المثال، مجهزة للألعاب الرياضية الشتوية، ومعروفة كمقصد للتزلج في الصين. وقال العالم البيئي الصيني: "إذا كان السبب فقط إقامة الألعاب الأولمبية، فهناك الكثير من منتجعات التزلج في إقليم هيبي وهي جيدة بما يكفي ولا ضرورة للتعدي على المحمية الطبيعية".
بالمقابل، يشك بأنّ ثمة اعتبارات اقتصادية في الساحة، فـ"بكين لا ترغب بأن تتحوّل عائدات الرياضات الشتوية المستقبلية إلى هيبي".
ولم ترد لجنة بكين المنظمة على طلب CNN التعليق على إذا كانوا على دراية في أنّ مركز التزلج بُني في المنطقة الأساسية السابقة من المحمية الطبيعية.
وفي رد من اللجنة الدولية الأولمبية على CNN، قالت إن تطوير منطقة يانكنغ "يحوّل المنطقة من ضاحية ريفية لبكين إلى وجهة سياحية على مدار السنة، ما يحسّن الحياة ويعزز الاقتصاد المحلي فيها".
واللجنة الدولية الأولمبية التي سبق وتعهدت أن تُجرى الألعاب في مناخ إيجابي بحلول عام 2024، أشادت بالصين لوعدها بإجراء الألعاب ب"صفر كربون".