أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- فجرت صحيفة "نيويورك تايمز" قنبلة في تقرير زعم بأن الحكومة الباكستانية كانت، طيلة الوقت، على علم بإقامة زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في أراضيها، منذ سنوات، بمخبئه في مدينة "آبوت أباد" شمالي البلاد، حيث قتلته قوة كوماندوز أمريكية من الثاني من مايو/أيار عام 2011.
وللمقالة المنشورة بعنوان: "ماذا عرفت باكستان عن بن لادن" وزنها، فكاتبتها هي كارلوتا غال، إحدى أبرز المراسلين الصحفيين، غطت أفغانستان وباكستان منذ عام 2001، بعد هجمات 11/9، عندما حطمت الطائرات الأربعة المختطفة شعور أمريكا بالاسترخاء اعتقادا منها بأن المحيطات الشاسعة قد تجعلها بمأمن عن متناول الأعداء.
بمصداقية عالية ورغم التعرض للمخاطر الهائلة، غطت غال الحرب في أفغانستان خلال 12 عاما، التقيتها في ذروة الحرب الأفغانية خلال منتصف التسعينيات عندما كانت تعمل كموظفة إغاثة، وتكررت اللقاءات منذ تلك الفترة، وشجعتها على تأليف كتاب حول تقاريرها من أفغانستان، لاستكشاف ما هو جديد وغائب عن التغطية الشاملة التي وفرها المراسلون الغربيون للمنطقة منذ سقوط حركة طالبان.
مقالة غال عن بن لادن بمجلة نيويورك تايمز" عبارة عن مقتطفات من كتابها المقبل "العدو الخطأ: أمريكا في أفغانستان 2001-2014" وقد اشتملت على ادعاءين مثيرين للدهشة:
الأول: بأن هناك مسوؤلا باكستانيا، لم تسمه، أطلعها وبالاستناد إلى ما سمعه عن مسؤول أمريكي بارز لم يكشف عن شخصيته كذلك: "بأن للولايات المتحدة دليل مباشر بأن الجنرال أحمد شوجا باشا، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية النافذ، كان على علم بوجود بن لادن في آبوت أباد."
الثاني: وجود وحدة خاصة بالجهاز الاستخباراتي مسؤوليتها تنحصر في التعامل مع بن لادن، وهي وحدة مستقلة بذاتها يقودها ضابط يملك حرية اتخاذ القرارات دون وجود ضابط مشرف عليه, مهمته الوحيدة هي التعامل مع بن لادن، وبمعرفة كبار القادة العسكريين...هكذا اخبرت."
من الصعوبة اثبات غير ذلك، لكني أمضيت نحو عام في إعداد تقارير مكثفة عن مطاردة زعيم القاعدة لأجل كتابي "المطاردة: عشر سنوات بحث عن بن لادن من 11/9 حتى أبوت آباد" الذي صدر عام 2002، وأنا على قناعة تامة بأنه ما من أدلة تثبت إيواء الحكومة الباكستانية، أو المؤسسات العسكرية أو الاستخباراتية، لبن لادن.
كيف توصلت لهذا الاستنتاج؟
خلال رحلاتي الثلاثة إلى باكستان، حاورت كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، وجمعيهم نفوا إيواء بن لادن سراء، لكن بالطبع ستبادر للقول بأنه من البديهي أن يدحضوا تلك الادعاءات، لكن أيضا، كان هذا نفس رد عشرات المسؤولين الأمريكيين في المؤسسات الاستخباراتيةوالعسكرية ووزارة الخارجية والبيت الأبيض، إذ كان لديهم رأي واضح مفاده: "باكستان لم يكن لديها أدنى فكرة باختباء بن لادن في آبوت أباد."
في فترة الإعداد لكتابي، قابلت جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أيه" حاليا وكبير مستشاري الرئيس لمكافحة الإرهاب سابقا، ثم الرئيس السابق للجهاز، ليون بانيتا، ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، الأدميرال مايك كولن، ونائبه السابق، جيمس كارترايت، ثم مدير مركز مكافحة الإرهاب السابق، مايكل ليتر، ثم مدير مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي، نيك راسموسن، ورئيسة القسم السياسي بالبنتاغون، ميشيل فلورنوي، مايكل فيكرز، الذي أشرف على وحدة "العمليات الخاصة بالبنتاغون، وتوني بلينكين، نائب مستشار الأمن القومي الحالي.
هؤلاء أمضوا عقودا يعملون لغاية تدمير القاعدة، وللعديد منهم شكوكا عميقة تجاه باكستان، نظرا لدعمها المتواصل لعناصر طالبان، لكنهم اتفقوا جميعا، على نحو أو آخر، بأن المسؤولين الباكستانيين لم يعلموا مطلقا بإقامة بن لادن داخل البلاد، وسبق لمسؤولين بارزين بالأمن القومي أن قالوا بأن "سي آي أيه" رجحت اختباء بن لادن في "آبوت أباد" وإمكانية القيام بعملية دهم أمريكية-باكستانية مشتركة للمخبأ المشتبه به.
ألغيت الخطة لاعتبارين لجهة أن العملية المشتركة ستكشف عن متابعة استخباراتية لزعيم القاعدة، كما أنها ستكون غير ذات جدوى إذا كان الباكستانيون بالفعل على علم بإقامته في "آبوت أباد."
وهناك نقطة أخرى، فإذا كان بيد الإدارة الأمريكية دليل على إختفاء بن لادن بباكستان بعلم حكومتها، كما تزعم غال، فلما تتستر على ذلك.؟"
تردت العلاقات بين أمريكا وباكستان إلى أدنى مستوياتها في 2011، بعدما قتل متعاقد من وكالة الاستخبارات الأمريكية باكستانيين اثنين بمدينة لاهور مطلع ذلك العام، وتبادل الطرفان الإتهامات إبان أوج برنامج الهجمات بالطائرات دون طيار، الذي تديره وكالة الاستخبارات المركزية، والذي يعارضه معظم الباكستانيين، فماذا كان سيخسر المسؤولون الأمريكيون ان اتهموا باكستان بإيواء بن لادن، إذا كان هو واقع الحال؟.
الحقيقة بأن المسؤولين الباكستانيين البارزين، الذين تزعم غال أنهم وفروا الغطاء لبن لادن، أصابهم الذهول لدى الكشف بأنه كان يقيم في "آبوت أباد"، وذلك بالاستناد إلى ردة فعل كبار المسؤولين لدى العلم بمقتله هناك، لقد بدا الأمر واضحا للغاية للسفير الأمريكي بباكستان، كاميرون مونتر، والمسؤولين الأمريكيين من يراقبون الاتصالات بباكستان.. الباكستانيون لم يعرفوا مطلقا بإقامة زعيم القاعدة داخل البلاد.
وبحسب ما اكتشفته أثناء إعداد كتابي، فإن بن لادن كان متخفيا حتى عن بعض المقيمين بالمجمع، فإحدى زوجات القائمين على حراسته لم تكن تعلم بأن "الأجنبي طويل القامة" هو زعيم القاعدة.
وحتى أكون منصفا لغال، لقد سمعت الكثير من المسؤولين السابقين والحاليين بالاستخبارات والجيش الأمريكي، بأن آلاف المستندات التي جمعتها فرقة الكوماندوز من مقر بن لادن، ولم يتم نشرها، قد تشير إلى تواطؤ مسؤولين باكستانيين، وفي هذه الحالة على البيت الأبيض الكشف عن أي وثائق ذات صلة، حتى يتسنى للشارع الأمريكي الحكم إذا ما كان أحد حلفائنا علم بإقامة بن لادن طيلة هذه المدة، وحتى اللحظة ما من دليل يصب في هذا الاتجاه.
كاتب هذه المقالة بيتر بيرغن، محلل الأمن القومي بـCNN ومدير مؤسسة أمريكا الجديدة ومؤلف كتاب "المطاردة: عشر سنوات بحثا عن بن لادن من 11/9 إلى آبوت أباد".. ولا تمثل الآراء الواردة سوى رأي الكاتب.