رأي: عدت لتركيا ولم أجدها كما تم تصويرها لذلك أفكر في الهجرة مجددا

العالم
نشر
6 دقائق قراءة

كاتبة المقال هي بيناز سكتنبر وهي مقيمة سابقة في الولايات المتحدة وطالبة دراسات عليا في جامعة "سيتي" بنيويورك. وتركز أبحاثها على التفاعل بين الإعلام الاجتماعي والسياسات والحركات الاجتماعية. وما يرد في المقال يعبر فقط عن وجهة نظرها ولا يعكس رأي CNN

انتقلت من تركيا إلى نيويورك مباشرة بعد أن أنهيت دراستي الثانوية ومكثت فيها 10 سنوات. لقد وقعت في حبها من الوهلة الأولى وشعرت أنني أنتمي إليها. لقد كنت سعيدة بغض الطرف عن صغر شقتي أو قلة أموالي أو رائحة الشوارع.

لقد أكملت دراساتي العليا وعملت وكان لي الوقت لحياتي الشخصية وأصبحت ناضجة. ورغم أنني اشتقت لعائلتي وأصدقائي وجلساتي على البوسفور، لم أرغب البتة في العودة لبلدي.

لكن للأسف، كان هناك هاجس يلاحقني ويلاحق خطتي التي كانت تستهدف الإقامة للأبد في نيويورك: نظام الاعتماد الدراسي الذي نقلني إلى الولايات المتحدة، كان يفرض علي العودة إلى بلدي لأقيم فيها مجددا سنتين على الأقل. والهدف من هذا الشرط هو تطويق هجرة الأدمغة.

كما كان هناك عامل آخر يتمثل في كون شريكي في الحياة رغب بدوره في العودة قائلا "مهما كان الأمر فإنني أرغب في أن نبني حياتنا في تركيا" ولذلك فقد قمنا بذلك وعدنا وها أنا أكتب لكم هذا من إسطنبول التي أعيش منذ ما يقارب العامين.

و"مهما كان الأمر" هي العبارة التي تشير إلى الأسباب التي تدفع الناس إلى الهجرة أولا: قلة الفرص وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والقمع.

ولكن وبأبعد مما تصورون، لا تبدو تركيا خيارا للهجرة. والطنطنة بنيت على كونها باتت القوة الاقتصادية رقم 16 وتمتعها بقوة عمل شابة ودينامية.

وسارع المحللون إلى الإشادة بتركيا على أنها مثال لديمقراطية علمانية مسلمة سوقها مفتوحة. وبدأت موجة عودة الأصدقاء وبدأت الأسئلة تنهال على من فضلوا البقاء في نيويورك بشأن حكمة بقائهم وما إذا كان ذلك الخيار هو فعلا الأفضل؟

وعندما عدت لم أجد البلد الذي يضرب به المحللون المثل كما تدهورت الأمور في العامين الماضيين. لقد عاينت حكم إردوغان الشمولي الذي لا يطاق واعتماده سياسة الاستقطاب والتشويه وسلوك الميز إزاء كل من هو غير سني أو من أصل غير تركي وعدم احترام كل من لا يدعم حزبه بنسبة 100 بالمائة.

ويشير تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" لعام 2014 إلى أن حزب إردوغان أظهر تناميا في عدم التسامح مع المعارضة والاحتجاجات الشعبية والإعلام الناقد. كما أن القانون المتعلق بجرائم الكراهية لا يعترف بالعرق أو الميول الجنسية صنفين منفصلين. كما أن القوانين لا تعترف بالأكراد أقلية منفصلة أو العلويين كذلك.

ومع تصاعد العنف ضد النساء، صنّف المنتدى الاقتصادي العالمي تركيا في المركز 120 من 136 دولة في تصنيف مؤشر الفجوة بين الجنسين في العالم. واتهمت منظمة العفو الدولية تركيا بارتكاب "انتهاكات خطيرة في حقوق الإنسان" أثناء احتجاجات غيزي.

لقد عاينت كيف أصبحت تركيا "أكبر سجّان للصحفيين" في العالم وكنت شاهدة على انعدام كامل لحرية التعبير--بيناز سكتنبر.

أما بالنسبة إلى مدينتي الجميلة إسطنبول، التي لطالما حملتها بين أحلامي حيثما رحلت وكلما اشتقت إلى منزلي، فقد باتت تفتقر إلى تنمية حضرية مستدامة وقابلة للعيش، مع تدمير نظامها البيئي من قبل مشاريع مثل أكبر مطار في العالم وإنشاء قناة تقسم الجزء الأوروبي من المدينة وبناء جسر ثالث وتغيير بنية وشكل ميدان تقسيم.

كما أن مشاريع العقارات الواسعة قضت على حياة الضواحي وطردت الفقراء خارج المدينة، ولذلك ليس غريبا أن تحتل المركز 117 على لائحة مؤشر العيش الحضري والتي تضم 221 مدينة أوروبية .

أما الاقتصاد فليس كما تم تصويره فوفقا لإحصاءات دولية مستقلة وحديثة تمتاز تركيا بمركزها الثالث على صعيد العالم فيما يتعلق بالفوارق في المداخيل المالية كما أنه يوجد فقير على الأقل من ضمن كل خمسة أتراك. لذلك فقد بدأت أتساءل: هل يمكنني فعلا العيش هنا؟ ألا يتعين عليه الرحيل مجددا؟

ثم جاءت احتجاجات "غيزي" وغطت سحابة من الأمل على تشاؤمنا رغم ما عايناه من حملة قمع وحشي استهدفت المتظاهرين. لقد شعرت بأنني حية وسعيدة لكوني في تركيا وكلي أمل في المستقبل. ولم أكن لأشعر بأنني عشت حياتي لو صادفت أن كنت في الولايات المتحدة أثناء تلك الاحتجاجات.

وعندما قمعت الشرطة المحتجين، أعادت المقاومة تنظيم نفسها في حركة سياسية معارضة. ولكن العنف البدني والسياسي استمر وأصبح إردوغان أكثر استبدادا مع ظهور فضيحة فساد تهدد سلطته، وبلغ به الأمر أن أغلق توتير ويوتيوب.

ومع حلول الاكتئاب محل الأمل، بدأت أطرح على نفسي سؤال هل ينبغي علي الرحيل؟--بيناز سكتنبر

وإنه لأمر صعب أن تبقى حبيس مطرقة العقل وسندان القلب. وبالنسبة إلي، فإنني أعتقد الآن أنني سأبقى في الفترة الحالية. وحتى لو كان عقلي يدفعني إلى ابعد ركن في الكون، إلا أنني أعرف أن قلبي سيظل حاملا بلدي معي إلى حيثما ارتحلت.

كاتبة المقال هي بيناز سكتنبر وهي مقيمة سابقة في الولايات المتحدة وطالبة دراسات عليا في جامعة "سيتي" بنيويورك. وتركز أبحاثها على التفاعل بين الإعلام الاجتماعي والسياسات والحركات الاجتماعية. وما يرد في المقال يعبر فقط عن وجهة نظرها ولا يعكس رأي CNN