كاتب المقال: عضو في مجلس الشيوخ تيد بو، ممثل في المجلس عن ولاية تكساس الأمريكية، وعضو في مجلس إدارة اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب، وعضو في الهيئة التجارية التابعة للمجلس، وعضو في لجنة العلاقات الخارجية، الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر ل، CNN.
نصف مليون دولار، هو المبلغ الذي وظفه أسامة بن لادن ومجموعته من المتشددين، لتنفيذ أكبر هجوم على أرض أمريكية بعد بيرل هاربر.
لنتقدم بالزمن إلى 13 عاماً، قد يكون بن لادن ميتاً، لكن تهديدات المتشددين لم تكن بهذا المقدار على الإطلاق، لكن الأسلحة وأجهزة المراقبة والتدريب والطعام والسفر يكلف مبالغ كبيرة، وبهذا فإن أردنا محاربة الإرهاب يتوجب علينا تتبع أن نطبق خطوة ضرورية للغاية: يجب تتبع آثار الأموال التي يكسبونها.
هنالك العديد من الجيوب لدى المنظمات الإرهابية في كافة أنحاء العالم، والإرهاب العالمي تحول إلى عصابات منظمة ومعقدة يعمل على إدارتها عدد من المتشددين، وأحدث الأمثلة على هذا هو تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف باسم "داعش"، وهو جيش إرهابي تمكن من جمع المليارات من خلال الابتزاز والمخدرات وسرقة البنوك وعمليات الاختطاف وتهريب النفط، ورأينا المثال ذاته في مجموعة "بوكو حرام" التي خطفت مئات الفتيات في نيجيريا وقامت، وفقاً للتقارير، ببيع بعضهن مقابل 12 دولاراً للواحدة، المال يمثل السلطة وهي قاعدة لا تتغير في أعمال الإرهاب.
ولكن عندما شاع التركيز مثلاً على قدرة المجموعات مثل "داعش" الكسب من خلال النفط الواقع تحت سيطرتهم، هنالك مصدر آخر لزيادة رأس مال التنظيم، والذي يتم تجاهله في غالب الأحيان: الصيد غير المشروع.
إذ تقوم التجارة غير القانونية للحياة البرية على أرباح تتراوح بين سبع مليارات وعشرة مليارات دولار سنوياً، ويأتي معظم زبائن هذه التجارة غير المشروعة والمربحة من آسيا.
لماذا؟ في الصين، على سبيل المثال، يعتقد البعض بأن العاج وقرون حيوان وحيد القرن يمتلكان قوى علاجية خارقة، وفي فيتنام يرمز قرن وحيد القرن إلى المكانة الاجتماعية، إذ يعد علاجاً لمرحلة ما بعد شرب الكحول، وتشير إحصائيات مركز الأبحاث غير الحزبي والتابع للكونغرس، إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من قرن حيوان وحيد القرن يبلغ 65 ألف دولار، وهذا أغلى من الفضة أو الذهب أو الألماس أو حتى الكوكائين.
ومع توفر مثل هذه الأرباح، إلى جانب الطلب المرتفع على هذه التجارة، أصبحنا نشهد حالات للصيد غير المشروع وبمعدلات بلغت الفضاء، ففي جنوب أفريقيا، حيث تعيش ما نسبته 80 ي المائة من حيوانات وحيد القرن في العالم، ارتفع عدد الحيوانات التي اصطيدت بهذا الشكل من 13 حيواناً عام 2007 إلى 746 حيوان وحيد قرن عام 2013، وفقاً للجمعية الأفريقية للحياة البرية، وفي أفريقيا الوسطى تم مسح ثلثي فيلة الغاب خلال العشر أعوام الماضية.
هذا لا يوجد هنالك داع للاستغراب بأن إرهابيي العالم تبنوا هذه "الصناعة" المربحة بالقتل المنظم للحيوانات الأفريقية، لتعتبر هي الأخرى مصدر دخل لمؤسساتهم الإجرامية.
ويشير تحقيق أجرته رابطة حماية الفيلة عام 2011، ولمدة 18 شهراً، إلى أن المجموعة المرتبة بتنظيم القاعدة باسم "حركة الشباب" تمكنت من كسب أرباح من قرون الفيلة تراوحت ما بين 200 ألف دولار و600 ألف دولار شهرياً، وهذا المبلغ الذي اكتسب بسفك الدماء شكل 40 في المائة من نسبة الميزانية التشغيلية للحركة، ولم يقتصر القتل على الحيوانات فحسب، بل الحركة متهمة أيضاً بقتل 60 من حراس الغابة عام 2012.
وهنالك منظمات إرهابية أخرى استخدمت تجارة الصيد غير المشروع ذاتها، منها جيش الرب للمقاومة في أفريقيا الوسطى بقيادة جوزيف كوني، وبوكو حرام في نيجيريا، وكلها قامت بتحصيل هذه الأموال لتنفيذ المزيد من النشاطات الإجرامية، والمال ليس المشجع الوحيد لهذا بل يساعد في ذلك قلة الإدراك وسهولة التملص من الفعلة التي يتلقى مرتكبوها عقوبات خفيفة.
كما أن الإرهابيين، وبشكل لا يدعو إلى الدهشة، عملوا على استغلال الفوضى والفساد في أفريقيا، إذ لا يمكنهم أن ينفذوا تجارتهم هذه علناً على مستوى الاقتصاد العالمي، لأنهم إن فعلوا ذلك، فمن المرجح أن يتم القبض عليهم، لذا فهم يعملون في أماكن لن يكشفهم الرادار فيها من خلال السوق السوداء، ولهذا أمكننا بأن نرى جماعات إرهابية مثل حزب الله تتعامل مع مهربي مخدرات من فنزويلا.
وتشير معلومات أوردتها الهيئة العالمية للجان السياسية للحفاظ على البيئة، إلى أن "القوانين التي فقدت كافة أسنانها والفساد والنظام القضائي الضعيف والعقوبات المخففة تسمح للشبكات الإجرامية بالازدهار بتجارة الحيوانات البرية كوسيلة، مع التفكير القليل بالمخاطر أو التبعات الناجمة عنها"، والعقوبات المفروضة على من يدان بتهمة الصيد غير المشروع خفيفة، فبالنسبة للإرهابيين الذين يحاولون كسب الأموال والبقاء خارج القضبان والابتعاد عن العواقب المترتبة على قبضهم متلبسين، فإن الصيد غير المشروع يعتبر الخيار الأنسب.
والآن فإن الرابط، الذي لطالما تم تجاهله، بين الإرهاب والصيد غير المشروع، يحظى الآن بالاهتمام، ولكن لا يوجد هنالك ما يتم فعله بشأن هذا الموضوع، إذ يتوجب في بداية الأمر أن يجري العمل بجهد استخباراتي لبناء إدراك أعمق لما يجري بهذا الخصوص، إذ لم تقم بنيتنا الاستخباراتية بتشكيل فكرة واضحة حول أي من المجموعات الإرهابية التي تعتمد أكثر على الصيد غير المشروع، وكيف تتدفق الأموال ومن يدير عمليات نقلها، لا يمكننا أن نواجه مشكلة لا نملك فكرة واضحة حول أبعادها.
ثانياً، يجب على إدارة أوباما أن تحدد بوضوح مسؤولية مؤسساتها، ونوعية الأدوار التي يمكن لمختلف هذه المؤسسات والوكالات تبنيها -بدءاً من وزارة الخارجية ووصولاً إلى الخدمات الأمريكي لحماية الأسماك والحياة البرية- والتي يمكنها أن تعمل على مكافحة الصيد غير المشروع.
وبشكل مماثل أيضاً، فإننا لا نملك صورة محددة عن كم المال الذي يتم إنفاقه لمكافحة هذا النوع من الصيد، لأن هذه الأموال تتوزع لفئات معممة أخرى، مثل الدعم الأمني والتدريب العسكري والحفاظ على البيئة... إلخ، نحتاج إلى ميزانية محددة تملي حجم الإنفاق المطلوب بالضبط، لكي نتمكن من إجراء التقييم اللازم لمدى جاهزية وموائمة المصادر المتوفرة.
وأخيراً، نحتاج لأن نحول أقوالنا إلى أفعال، ففي فبراير/شباط الماضي أصدرت القوة الرئاسية لمكافحة الاتجار بالحياة البرية، استراتيجية وطنية لمحاربة هذا النوع من التجارة، ولكن دون توفير خطة لتطبيق هذه الاستراتيجية، ولا زلنا ننتظر، بعد تسعة أشهر، بينما يتم ذبح حيوانات مهددة بالانقراض، ويقبض الإرهابيون أرباح مبيعات قرون هذه الحيوانات.
إن الحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض يعتبر هدفاً نبيلاً، والحقيقة المتمثلة بأن القائمين على عمليات قتلها حول العالم يربحون ليوظفوا أموالهم بتمويل الإرهاب يدعونا جميعاً لإيقاف هذه المؤسسة الإجرامية القاسية، فالدمج بين أسوأ الشرين-قتل الحيوانات المهددة بالانقراض وقتل المدنيين الأبرياء في سبيل الإرهاب- هي قضية عالمية، إذ لا يجب أن يقف العالم جانياً وأن يسمح لهؤلاء المتشددين بالاستمرار ذبح الفيلة ووحيد القرن لتمويل عهدها من الإرهاب، وهذه ببساطة هي حقيقة الأمور.