كاتب المقال، آرون ديفيد ميللر, نائب رئيس "مركز وودرو ويسلون الدولي للدراسات، شارك في مفاوضات السلام بالشرق الأوسط إبان حكومات ديمقراطية وجمهورية متعاقبة.. وما يرد في المقالة لا يعبر سوى عن الآراء الخاصة به.
لا أدرى بشأن البقية، لكني شخصيا سعدت لانتهاء العام، الذي شعرت فيه، ولأول مرة، بأن عالمنا خارج عن نطاق السيطرة.. أزمات متتالية من إيبولا إلى إعدامات "داعش" لأمريكيين بجز الأعناق، واختفاء طائرات، إلى هجوم كوريا الشمالية الإلكتروني، تبدو مجتمعة وكأن العالم يحترق..
لكن هل هذا حقيقة؟ هل العالم حقا أكثر خطورة، تحديدا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حاليا أكثر مما مضي؟ أم إنه انطباع مخادع تذكيه الأخبار على مدار الساعة التي تتوالى إلى مسامعنا بوتيرة ثابتة داخل غرفنا المعيشية وعبر هواتفنا الذكية.
دعونا ننظر في بعض الأحداث الكارثية التي تخللت ذاك العام وغيرت قواعد اللعبة المزعومة:
ايبولا... أنه ذلك المرض المخيف، الذي فرض تكلفة رهيبة على دول غرب إفريقيا، أصاب 20 ألف شخصا، قتل منهم 7800 .. يرى علماء الأوبئة إنه بالنظر إلى عشرات المرات التي ظهر فيها فيروس المرض، بيد أن نسخة 2014 كانت كارثة، ويعتبر مختصون بالصحة بأنه في حال رصد مبكر للفيروس وتنسيق الجهود المشتركة للتصدي له، لربما ضمن احتوائه بشكل أفضل.
وعند اعتبار الانفلونزا الإسبانية، التي تفشت القرن الماضي، وهي مرض أسهل انتشارا وعدوى من إيبولا، أصيب بها قرابة ثلث البشرية، وتراوح عدد قتلاها ما بين 20 إلى 50 مليون شخص، من بينهم 675 ألف أمريكي.. إنها حصيلة تقل قليلا عن ضحايا القاتل الأول في البلاد – وهو أمراض القلب – في وقتنا الراهن.
الإرهاب... مع بزوغ تنظيم الدولة الإسلامية – المعروف بـ"داعش" – وعمليات قطع الرؤوس الوحشية لأمريكيين وأوروبيين، التي أصابتنا بالصدمة والفزع من أننا على وشك مواجهة تهديدات إرهابية داخل أراضينا.
وصف وزير الدفاع السابق، تشاك هيغل، "داعش" بأنه "يتجاوز كل ما شاهدنا حتى اللحظة وعلينا الاستعداد لكل شيء"، في حين توقع المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مايكل هايدن، بأن مهاجمة التنظيم لأوروبا وأمريكا ليس سوى مجرد مسألة وقت.
هيغل وهايدن ربما على حق.. لا يجب الاستهانة بتهديد الإرهاب، لكن في نفس الوقت، لسنا بحاجة للمبالغة كذلك.
منذ هجمات 11/9 عام 2001 على أمريكا، شهدنا هجمات "ذئاب منفردة" متأثرة بأيديولوجية القاعدة، لكن لم تنجح أي منظمة إرهابية أجنبية في تسديد هجوم ناجح واحد ضد الأراضي الأمريكية.. العام الماضي أوقع الإرهاب الدولي 17958 ضحية، طبقا لجامعة ميريلاند، وقع 82 في المائة منها في الدول الخمسة التالية: العراق، أفغانستان، باكستان، نيجيريا وسوريا.. وبحسب إحصائية للأمم المتحدة فأنه من بين الضحايا من تجاوز عددهم 17 ألف، بينهم 16 أمريكيا فقط.. علما أن الصواعق الرعدية قتلت 33 شخصا في أمريكا عام 2013.
نحن لسنا بمأمن، لكن منذ هجمات 11/9، نحن أكثر أمانا، واستعدادا، ويقظة، فيما يتعلق والتهديدات الإرهابية.
الحرب الباردة الجديدة... بالكاد اقتنعت قلة بأن ضم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جزيرة القرم، وتهديده شرق أوكرانيا، بأننا على شفا حرب باردة جديدة، وأن بوتين إما نسخة جديدة من "هتلر" أو "ستالين"، وتقويض مهندسي ما بعد 1991 إلى دون رجعة.
لكن فكرة العودة إلى حقبة الخمسينات بالقرن الماضي، عندما تصارعت القوتان العظيمتان اللتان وقفتا على نقيضي طرف من الأنظمة الأيدولوجية والنووية وخاضتا حربا بالوكالة ، هو مجرد خيال، قد يستمر بوتين في لعبته لكن روسيا ليست كما بالسابق، إنها ليست في موقف يسمح لها وضع ستار حديدي جديد، أو التنافس عالميا مع الولايات المتحدة وبقية دول الغرب.. ما من شك، العقوبات الغربية بالإضافة إلى تهاوي أسعار النفط، فرضت تكلفة خطيرة على القوى الاقتصادية ورفاه روسيا.
من الواضح نحن نعيش في عالم معقد، فعدم إيلاء الاهتمام الكافي لمشاكل البيئة، كالاحتباس الحراري، نتائجه، في نهاية المطاف، قد تكون كارثية .. ومع ذلك نبدو اليوم وكأننا نعيش في عالم أقل عنفا.
فما من حروب عالمية يقتل فيها عشرات الملايين من البشر، وديكتاتوريات تفتك بملايين إضافية، إذا كنتم تؤمنون بعلماء مثل ستيفن بينكر، الذي يرصد إحصائيات للقتلى، فأن الموت بسبب جرائم القتل، والقتل الجماعي، والمذابح وعمليات الإبادة والحروب بين الدول، فأنها جميعها في تراجع مقارنة بماض أكثر عنفا.
عام سعيد للجميع في 2015، ففي هذا العام أكثر من قراءة التاريخ، وكما نصح بيل كلينتون من قبل، لا تنشغل كثيرا بعناوين الأخبار فقد يجعلك ذلك تشعر أنك أفضل حالا.