كاتب المقال: القس جون برايسون تشاين، تولى منصف الأسقف الثامن للعاصمة الأمريكية واشنطن، وتقاعد في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2011، ولا يزال في خدمة كاتدرائية واشنطن الوطنية كمستشار للعلاقات بين الأديان. (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
إن الهجمات التي تعرضت لها فرنسا مؤخراً وتصاعد العنف من الخلايا الإرهابية في مناطق أخرى باسم الدين، الذي يستخدم كبطاقة للعب من قبل هذه الجماعات أضفى لمحة سوداوية على عالم مظلم في الأصل.
الديمقراطية وحرية اعتناق الديانات وحرية التعبير هي هبات متوفرة لتساعد على تشكيل معنى إنسانيتنا الكاملة، ولكن في إطار أي ديمقراطية يتوجب أن يتوفر إطار للاحترام عند مناقشة أو تحدي القيم الدينية "للطرف الآخر."
فالقيمة الدينية لدى المسلمين بعدم تصوير النبي محمد بأي شكل يعتبر من العناصر المقدسة في الإسلام، ولمن يعمل على مخالفة ذلك، سواء مسلماً أو غير مسلم، فإنه يهين ويقلل من أهمية واحد من أهم قواعد الإيمان.
وما حصل في فرنسا زود الإرهابيين، الذين يستعملون الدين كبطاقة لعب بتصرف نابع من الأنانية والضعف، بدافع للقتل باسم الله، بأن يتسببوا بنتيجة نهائية للمذبحة الأخيرة والتي أسست مفهوماً عالمياً تم فيه رفع حرية التعبير مقابل كيفية تقدير تفهمنا لفكرة النبي محمد حول العالم.
إن من يتنمر أو يجأ للعنف أو السجن أو القتل مستخدمين الدين أساساً لأفعالهم، لا تمت لهم صلة بالدين أو الإيمان بالجذور الإبراهيمية.
فهنالك رغبة بوضع المسلمين والمسيحيين واليهود في مواجهة ضد بعضهم في حرب دينية كفيلة بالقضاء على سنوات من الاحترام والوئام والحوار التي كان من الصعب الحصول عليها بين الديانات الإبراهيمية الثلاث العظيمة، وهو حوار مهد لصنع عالم أكثر سلاماً وتسامحاً.
وهؤلاء هم من يحاولون التقليل من مستوى الديمقراطية وحرية التعبير واعتناق الديانات، ليخلقوا صورة خاطئة عن الإسلام بأنه دين قائم على الحقد والعنف، وهو أمر عار تماماً عن الصحة!
من المهم أن نحيي ذكرى الأرواح التي سلبت في هجومات فرنسا، وأن نتذكر بأن من قتلوا كانوا من اليهود والمسيحيين والمسلمين، الإرهابيون لا يقتلون فقط لدواع شخصية وأنانية فحسب، بل يلجأ الإرهابيون إلى القتل لخلق بيئة يعم فيها العنف والكراهية لتطغى على السلام والوئام بين الأديان، ويحرصون بأن يظهروا للعالم بأن الديمقراطية وحرية التعبير لا مكان لهما في فكرهم المغلق عن العالم الإسلامي.
" Je suis Charlie" (أي "أنا شارلي") هي عبارة شاركها الملايين، لكن يجب علينا أن ندرك بأن حرية التعبير تأتي مع حدود تفرض الاحترام في انتقاد أو إهانة إنسانية وقيم الآخرين، خاصة ديانتهم في هذا الزمن الذي يحاول فيه العنف الطائفي بأن يكون في المقدمة.
إن زملائي من الطائفة الإنجليكية والمطران الحائز على جائزة نوبل ديزموند توتو من جنوب أفريقيا ذكروني بأن جوهر إنسانيتنا يتمثل في الكلمة الأفريقية "Ubuntu"، التي تعني بأن الشخص يمكن أن يكون إنساناً من خلال ارتباطه بالغير، "أنا ما أنا عليه لأنك أنت ما أنت عليه أيضاً!"، يمكن لإنسانيتنا بأن تكتمل عندما نرتبط بغرينا بالثقة والاحترام المتبادلين وتقدير أهمية كرامتهم الإنسانية.
لن يمكننا أن نستشعر لمسة الرب ونشعر بوجودنا الإنساني إن لم نضع أنفسنا مكان "الآخر" ونعانقه، عندها فقط يمكننا أن تجاوز ما تمتد إليه أذرعنا ونبدأ بالعمل على تغيير مستقبل الإنسانية في ظل ثقافة من السلام.
وفي هذا الزمن، توجد فرصة أمام اليهودية والمسيحية والإسلام للعمل معاً بالتعاون مع المنظمات الحكومية والمدنية التي تواجه المصائب، يمكن للديانات الإبراهيمية أن تغير من الفكر الديني حول العالم في ثقافة للسلام ليتغير من وضعه الممزق على يد العنف والتشدد والتدخلات السياسية، ويمكن لهذه الديانات أن تشكل جسراً فوق المياه الهائجة المتجسدة بالنزاعات البشرية.
إن الهرطقة هي التي أدت إلى ولادة السلوك البشري المبني على الخوف والكره عوضاً عن محبة الرب، وحب النفس وحب الجار، إن الهرطقة هي التي سلبت حب الرب غير المشروط من جميع البشر، وسرقت هذا الحب ومزقته لأجزاء فسرها البشر لتخلو من أي صلة لها بالتعليمات الأساسية الصادرة عن الرب الموحد لدى المسيحيين والمسلمين واليهود.
لا يملك أي إنسان الحق بسلب حياة آخر باسم الرب، والأشخاص الذين يدعون بأنهم يمثلون اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، ويقتلون "الآخرين" دون تمييز، فقد فقدوا إحدى أهم أيدولوجياتهم، لقد فقدوا حس التعاطف وحب الرب.
يمكن للمسيحيين أن يستدلوا على هذا الكلام في العهد الجديد من إنجيل يوحنا برسالته الأولى 4:18: " لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج لأن الخوف له عذاب. وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة، نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا، إن قال أحد: إني أحب الله وأبغض أخاه، فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره، ولنا هذه الوصية منه: أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً."
كتب الحبر جوناثان ساكس قائلاً: "أؤمن يأن الخلق سيلتقي الرب ليرى في (الآخر) وجهاً لإيمان (الآخر)، والاختبار الذي يتوجب على من يعيش في القرن العشرين مواجهته هو كيف يمكنهم رؤية الوجود الإلهي في وجه الغريب، وأن يسمع بكاء الضعفاء في عصر تتصارع فيه القوى، أولئك الجوعى والفقراء وغير المتعلمين، الذين منعت قدراتهم الإنسانية من الحصول على فرصة للتعبير، هذا هو الإيمان الذي أتى من إبراهيم وسارة اللذين تركا إرثاً روحياً وواقعياً، من خلال الديانات الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام."
الحروب والعنف الطائفي والإرهاب هي مصطلحات تجسد الفشل البشري، ولكل من يتبع تعاليم الأنبياء، محمد ويسوع، على من ستقع مسؤولية الصمود والالتزام نحو إنهاء جميع أشكال العنف والتشدد باسم الرب؟ إن لم نقم نحن بذلك، فمن سيفعل؟