هذا المقال بقلم علي شهاب، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
نقل لي مسؤول ايراني التقيته على هامش مشاركتي في مؤتمر عن تقنيات الاعلام الجديد في طهران انه سأل المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي قبل 30 عاما عن عناوين كتب ينصح بها فأشار عليه بمؤلفات الاديب الفرنسي جان جاك روسو.
يعقد الولي الفقيه جلسة اسبوعية ادبية وفنية يتداول خلالها المجتمعون من كتاب وشعراء وادباء مضامين راقية، ولا يخفي خلالها خامنئي تذوقه للشعر العرفاني عموما ولتبحره في الادب الانجليزي خاصة (مؤلفات شكسبير تحديدا.)
يُجيد رجل الدين غير التثثقليدي العزف على آلة موسيقية وترية تراثية فارسية (على الرغم من عدم استساغة رجال الدين التقليديين تداول هذا الأمر، غير أن فتاويه في الموسيقى تؤكد انفتاحه الكبير في هذا المجال)، وهو ناقد للسينما والفنون عموماً، ناهيك عن المواصفات الإدارية والقيادية التي يفرضها عليه واقع تصديه لولاية الفقيه، إذ إن الدستور الإيراني يشترط على أن "ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية في زمن غيبة الإمام المهدي، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية، تكون بيد الفقيه العادل التقي العالم بأمور زمانه، الشجاع والكفؤ في الإدارة والتدبير."
في هذا السياق، يحكى ان امين عام الامم المتحدة السابق كوفي أنان حين التقى بالمرشد الاعلى لايران فوجئ بالشرح المستفيض الذي قدمه له خامنئي لخارطة التحالفات الانتخابية في بلاده غانا.
لم يكن أنان الدبلوماسي الاممي الوحيد الذي يخرج منبهرا من موسوعية الولي الفقيه وشمولية اطلاعه على القضايا الدولية بتفاصيلها.
بالأمس استند الرئيس الاميركي باراك أوباما الى فتوى دينية اصدرها خامنئي قبل سنوات بتحريم استخدام السلاح النووي ليبني عليها اطمئنان واشنطن لالتزام طهران بالإطار العام للاتفاق النووي.
فما الذي يميز رجل الدين السبعيني الذي لطالما عكست الصور النمطية عنه رجعية وتشددا غير دقيق بالنسبة لزعيم يتقن بامتياز البراغماتية والنفس الطويل في التفاوض والحزم في اوقات الشدة كما اللين عند الحاجة؟
لا يعلم الكثيرون ان من شروط انتخاب الولي الفقيه بحسب الدستور الايراني مواكبته لمختلف شؤون العصر على جميع الصعد؛ في بند يفرض عليه الالمام بأكثر من علم واحاطته بمجالات المعرفة في اكثر من مجال.
يتقن خامنئي التحدث باكثر من خمس لغات عالمية، وتتقاطع جميع الشهادات في عالِم الدين غير التقليدي على كونه خبيرا عسكريا واستراتيجيا من الطراز الرفيع، الى درجة النقاش في تفاصيل موضعية في النطاقات الجغرافية التي تمتلك بلاده دورا محوريا فيها كفلسطين ولبنان، او في الملفات الاشد حساسية كتلك المتعلقة بالانتشار البحري لقوات بلاده او في قراءة المتغيرات البطيئة للحراك العسكري لدى الطرف المقابل.
وعلى الرغم من النفوذ الواسع الذي يمنحه له دستور البلاد، فهو يحرص على امساك خيوط اللعبة الداخلية الايرانية من موقع الوسط. تشهد الاحداث التي تزامنت مع الحركة الخضراء عقب الانتخابات الرئاسية الاسبق على حنكته واصراره على توزيع مراكز القوى برضا من رموز الدولة والنظام.
في الملف الداخلي وعلى الرغم من تسجيل ملاحظات على اداء بعض مؤسسات الدولة الايرانية فلا يمكن بأي حال تشبيه اداء المرشد الاعلى بما هو معهود لدى انظمة الحكم الاوتوقراطية، مع الاشارة الى ان هذه المقارنة لا تخلو من الظلم؛ خاصة وان نظام الحكم في ايران يعتمد - شئنا أم ابينا - على شكل متفرد من اشكال الديمقراطية ويخضع لآليات انتخابية وقوانين وهيكليات تفتقدها العديد من الدول في الشرق الاوسط والخليج.
خلال المفاوضات النووية الاخيرة، أدار خامنئي العملية عن كثب يعاونه فريق من المستشارين من علماء ذرة وقانونيين وخبراء. وقد نجح في انتزاع حق ايران في تخصيب اليورانيوم ورفع بلاده الى مصاف الدول المؤثرة في اسواق النفط عالميا ورفع العقوبات المفروضة وفتح الباب امام تحالفات جديدة في المنطقة وتسوية النزاعات على قاعدة من الثقة.
في زمن تشويه الاسلام على يد داعش ومن يحمل فكرها غير الانساني، قدم الولي الفقيه نموذجا مختلفا قادرا على مد يد التعايش لكل من يختلف معه.