الرباط، المغرب (CNN)— لم يكن فيلم المخرج السينمائي نبيل عيوش حول الدعارة الذي عرض في أسبوع المخرجين ضمن فعاليات مهرجان كان الفرنسي، إلّا إيذانًا بصيف ساخن في ساحة النقاش العمومي بالمغرب، تواترت خلاله نقاط الاستقطاب والانقسام الحاد بين شرائح مختلفة، على صعيد النخب والجماهير العريضة معًا، في ميادين التظاهر أو على صفحات التواصل الاجتماعي.
في مملكة تجمع بين عمقها التقليدي وقوة المرجعية الدينية التي يتجسد طابعها السياسي في إمارة المؤمنين من جهة، وتجذر قيم الانفتاح على عالم الحداثة القريب جغرافيا وتاريخيا، حيث الضفة الجنوبية لأوروبا على مرمى البصر من جهة اخرى، قد لا يكون الجديد في موضوع هذا الاستقطاب حول سؤال الحريات الفردية في مقابل مفاهيم الأخلاق العامة، وإنما في حدته واتساع نطاق التخندق بين معسكر دعاة المحافظة على القيم والمطالبين بحماية الحريات.
فمن فيلم " الزين اللي فيك" وجدل المنع من العرض، إلى حادثة الشاب المثلي الذي تعرّض لمحاولة قصاص جماعية في وسط مدينة فاس، مرورًا باللغط حول بعض حفلات موازين والعري المستفز لجينيفر لوبيز، وليس انتهاء بحادثة التنورتين " الفاضحتين" اللتين جرتا شابتين بمدينة انزكان ( ضاحية أكادير جنوب المغرب) الى المحاكمة بإيعاز من بعض الأهالي، توالت نقاط الاحتكاك الساخنة على مربعات متحركة، لم يكن بعيدا عنها ذلك التدافع المزمن بين الإسلاميين المحافظين والعلمانيين المتحررين.
حالة تعبئة أعلنتها تنظيمات مناصرة للحريات الفردية بمناسبة محاكمة الفتاتين التي انطلقت يوم الاثنين بأكادير وتم تأجيل إصدار الحكم بشأنها وسط إنزال مكثف من قبل محامين وجمعيات ومتظاهرين داعمين للفتاتين المتهمتين بالإخلال بالحياء العام، الأمر الذي اعتبرته أصوات محافظة مجرد ركوب على قضايا معزولة لاستفزاز "أغلبية" متمسكة بقيمها الأخلاقية والدينية.
وقد بادرت شخصيات من دعاة الحريات الفردية إلى إصدار بيان يربط هذه القضايا المتواترة بمسودة مشروع القانون الجنائي الذي أعدته وزارة العدل ، والذي وصفته بأنه "مطبوع بروح محافظة ومناهضة للحريات"، متحدثة عن وجود "انحطاط في النقاش العام، واستغلالٍ للشعور الديني والهوياتي في تجاه فرض نظام أخلاقي متحجر ومتعارض مع الحريات العامة، في أجواء خطيرة ومقلقة مسنودة بالحكومة التي تتصرف كناطق باسم فئة من المجتمع ضد فئات أخرى، متذرعة بتأويلات مغلوطة للديمقراطية، باسم الأغلبية، والإرادة الشعبية".
وشددت الشخصيات التي وقعت البيان الصادر بتنسيق من جمعية " بيت الحكمة" المعروفة بطابعها العلماني على أن "الفضاء العمومي الديمقراطي، بوصفه فضاء للحوار والتواصل، لا يمكنه أن يتلاءم البتة مع أي شكل من أشكال العنف والإكراه، سواء كان رمزيا أو شفهيا أو ماديا. كما أن احترام توسيع هوامش الحريات والحق في الاختلاف يشكلان شرطين أساسيين لتحقيق الديمقراطية الفعلية، وترسيخ دولة القانون".
ويسجل البيان الذي توصل موقع CNN بنسخة منه "تناميا لمد محافظ شرس يخترق حتى الخصوصيات الشخصية والحميمية، واختياراتها الفردية. وهي وضعية تؤسس تدريجيا لإرهاب فكري، وتخلق شعورا بالاضطهاد لدى فئات من المجتمع. ويستوجب التذكير في هذا الصدد بأن المغرب ملك لكل مواطنيه بدون استثناء".
وعبر موقعو " نداء الدفاع عن الحريات" عن قلقهم إزاء الوضع غير السليم الذي يهدد الحريات بالمغرب داعين السلطات العمومية إلى "التحرك بيقظة وحزم ضد كل دعوات الكراهية والعنف". كما طالبوا الحكومة أن تتصرف كحكومة لكل المغاربة في إشارة الى قيادتها من قبل حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية.
هذا الخطاب يقابل بخطاب مضاد يشكك في مصداقيته وخلفياته: " ليست قضية حريات، بل سعي من قبل بعض الجمعيات الحقوقية إلى شرعنة الفساد واستصدار قوانين من المملكة تكرس الحرية الجنسية خارج الإطار الشرعي، وتجيز زواج المثليين في بلد مسلم"، يقول الداعية والناشط الاسلامي المعروف محمد الفزازي.
وقال الفزازي في تصريح للموقع إن "من ينادون بالحريات لا ينقصهم شيء منها. زنا وخمور وأفاعيل، فلا يعترض أحد طريقهم"، مضيفًا:" نحن لسنا ضد الحريات، ولكنا ضد الاستفزاز. من يريد أن يفطر يفعل ذلك لأنه ما من شرطي يتجسس على بيوت الناس، لكنهم يطالبون بحرية الإفطار في الشارع".
وتابع الناشط الدعوي بلهجة ناقمة أن دعاة الحريات الفردية المطلقة يريدون " ان يتزوج عمر بإدريس ويكتب الزواج عند العدول، وان تتزوج خديجة بعائشة ويكتب زواجهما.. يريدون بالتالي قوانين تستفز مشاعر ملايين المغاربة، وتحمي الفساد وترعى المفسدين".
وعاد إلى اعتبار النقاش حول الحريات في البلاد ظاهرة صحية في مجتمع مفتوح، يعرف تدافعا سلميا للأفكار، بخلاف المجتمعات " المكبوتة" حيث لا يسأل حاكم عما يفعل، معربا عن رفضه لردود الأفعال العنيفة الصادرة من أفراد او مجموعات ضد بعض ممارسات الحرية في الشارع المغربي، قائلا " نحن لا نعيش في غابة، هناك قضاء وقانون، عدالة ودولة".
وخلص الشيخ الفزازي إلى أن محاولات الضغط من أجل تشريع قوانين تشرعن ممارسات غير شرعية لن تمر في ظل دولة دينها الاسلام وترعاها مؤسسة إمارة المؤمنين، وأمة متشبثة بدينها وأخلاقها.