الرباط، المغرب (CNN) -- تعود نقاشات نبتة الكيف "الحشيشة" بالمغرب إلى أزيد من قرن من الزمان، إذ سيشهد هذا البلد بعد أربع سنوات من الآن، ذكرى مرور 100 سنة على إصدار ظهير 1919 في عهد الحماية الفرنسية، الذي نصّ على إمكانية زراعة القنب الهندي شرط إعلام السلطات بذلك وفق كمية معيّنة، قبل أن تأتي قوانين أخرى تجرّم هذه الزراعة إلى حد اللحظة.
بيدَ أن النقاش عاد ليطفو على الساحة المغربية مؤخرًا، فقد ارتفعت دعاوى تقنين زراعة الحشيش بما يمكن من استعمالها في الطب والصناعة وليس استهلاكها التقليدي كمخدر. أحزاب وتنظيمات كثيرة تخوض حربًا في السن والعلن للمساهمة في تطوير الاقتصاد المغربي بفوائد هذه الصناعة من جهة، وإنقاذ آلاف الفلاحين من شبح الخوف الدائم من الاعتقال من جهة، بما أنهم لم يجدوا بديلًا عن هذه الزراعة التي تتركز في مناطق معيّنة من الشمال المغربي.
الحكومة ترفض التقنين
ظهر رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حازمًا وهو يرفض خلال هذا الأسبوع مقترحات فرق في المعارضة حول هذه الزراعة، إذ قال في جلسة برلمانية إن زراعة القنب الهندي "أو الكيف" لن تحل مشاكل فلاحي الشمال، وإن تقنين هذه الزراعة ليس سياسة للدولة، متحدثًا أن فقط 2 في المئة من زراعتها هو ما يستعمل لأغراض طبية وصناعية حسب دراسة طَالعها، وأن تقنينها لا يتوافق مع التزامات المغرب الدولية بخصوص مكافحة زراعة المخدرات.
كلام بنكيران أكده بلاغ صادر عن الحزب الذي يتزعمه، أي العدالة والتنمية، إذ لفت إلى أنه "لا يمكن تسويغ تجارة المخدرات تحت أي مبرر، ولا يمكن تبرير استغلال ضعف التكافؤ في التنمية الذي تعاني منه المناطق القروية وعلى رأسها مناطق "الريف وجبالة" في الشمال لتغذية الشعور السلبي بالتهميش، مشيرًا إلى أن التطبيع مع تجارة المخدرات سيكون له أثر وخيم على مستقبل البلاد.
معارضة تطالب بالتقنين
"إذا كان بنكيران يتوفر على هذه الدراسة التي يتحدث عنها، فلينشرها للعموم كي نتأكد من كلامه، لأن ندوة دولية نظمناها قبل مدة وشارك فيها عدة خبراء ، أكدت إمكانية استعمال نبتة الحشيش لخلق اقتصاد بديل قائم على تحويلها لأغراض طبية وصناعية. وإذا كان بنكيران يريد منع زراعة الحشيش، فليعطنا بديلًا في منطقة فقيرة يعاني 50 ألف من سكانها من المتابعات القضائية بسبب زرعهم لهذه النبتة" يقول حكيم بنمشماس، عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض.
ويزيد بنشماس لـ CNN بالعربية: "نحن لا ندعو إلى استهلاك المخدرات، فهذه ممارسة نطالب بالتشدد في محاربتها، لكن نطالب بتقنينه نحو استعمالات مشروعة لتحسين ظروف مزارعين يعيشون في ذل سجن كبير بينما تغتني لوبيات المخدرات. كما نطالب بهذا التقنين كي لا تستمر سمعة بلدنا في التضرر بما أن المغرب يأتي ثانيًا على رأس زارعي الحشيس بعد أفغانستان".
واقع مؤلم
بعيدًا عن قبة البرلمان، يتحدث ساكنة مناطق الريف وجبالة عن واقع مرير لفلاحي نبتة الكيف الذين "يعيشون خوفًا دائمًا من الاعتقال والحبس، بما أن مهنة الفلاحة صارت جريمة، وغالبًا ما تحدث عمليات ابتزاز لهؤلاء الفلاحين من طرف بعض الأطراف في السلطة كي لا يتم اعتقالهم. المواطن هنا متهم على الدوام حتى تثبت براءته، فيكفي أن تكون من المنطقة كي يتم الشك فيك"، يقول محمد أشندير، فاعل حقوقي، من منطقة باب برد بإقليم شفشاون الشمالي.
ويتابع محمد لـCNN بالعربية: " عمليات التفتيش تتم باستمرار ممّا يستفز شباب المنطقة. في كل مرة يريد واحد من المنطقة السفر، يجد نفسه مطالبًا بالإدلاء بالكثير من المعلومات حتى يتم التأكد من أنه غير متابع قانونيًا. النشاط الفلاحي هو الغالب هنا، وغالبية الفلاحين يزرعون الكيف لجني قوت يومهم بما أن الأراضي لا تنبت شيئًا غيره، ولو وجد الكثير منهم بديلًا عن الحشيش، لقاموا به بدل العيش في خوف دائم".
لا حلّ ثالث
"رّد بنكيران كان انفعاليًا وأتى بسبب احتدام الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة حول الانتخابات، لا سيما وأن هناك من ينظر إلى الحشيش كورقة انتخابية. موضوع تقنين الحشيش يتجاوز بنكيران والحكومة، والمغرب ماضِ في تجاه التقنين، لأن الدولة قامت بدراسات قبل خمس سنوات، بينت رغبتها إنهاء معاناة فلاحي الشمال برفع التجريم الجزئي عن زراعة الحشيش" يقول شكيب الخياري، رئيس الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف.
ويضيف الخياري لـCNN بالعربية:" المتابعة بحق الفلاحين تستمر لسنوات طويلة ولا تسقط بعد أربع سنوات كما قال بنكيران، لأن ملكية الأرض تبقى مستمرة والجريمة حاضرة. علينا أن نعلم أن الوضع الحالي يخرق الاتفاقية الدولية الخاصة بتقنين المخدرات لعام 1961، فهي تؤكد على حلين لا ثالث لهما: إما التقنين، وإما إحراق المحاصيل ككل، بينما تسمح الدولة باستمرار الحقول، وفي الوقت نفسه تجرّم كل أشكال زراعة الحشيش".