الرباط، المغرب (CNN)-- يوم 23 يوليو/تموز عام 1999، ودع المغاربة ثاني ملوكهم بعد الاستقلال عن فرنسا، الملك الحسن الثاني الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 38 سنة تميّزت بصراع شديد مع المعارضة لدرجة سجن وتعذيب والإخفاء القسري للكثير من أعضائها، قبل أن يتمكن قبل وفاته من تحقيق توافق مع أحد أكبر أحزابها نتج عنه ما يعرف في المغرب بحكومة التناوب التوافقي.
شهدت فترة الحسن الثاني خمسة دساتير لم تخرج في غالبيتها عن ضمان صلاحيات واسعة للمؤسسة الملكية مقابل تقزيم دور الحكومة، الدستور الأول كان عام 1962، وفُصل على مقاس حكم فردي مطلق للملك الراحل الذي كان يرفض أن يشهد المغرب ملكية برلمانية شبيهة بتلك الموجودة في اسبانيا وبريطانيا، ولم تخرج بقية الدساتير كثيرًا عن هذه الشاكلة، مع الانفراج النسبي الذي وقع في آخرها عام 1996.
صراع الحسن الثاني مع المعارضة، سواء تلك الممثلة في أحزاب "الاستقلال" أو "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، أو غير المنضوية في أحزاب كـ"حركة إلى الأمام" الماركسية، طبع فترته لدرجة أن سميت عقود في عهده بسنوات الرصاص، عندما امتلأت السجون والمعتقلات السرية بعشرات المعتقلين، الكثير منهم توفي تحت التعذيب، كما شهدت فترته اختفاء القيادي الاشتراكي المهدي بن بركة، دون أن يتم الكشف عن جثته إلى حد الآن.
ونجا الحسن الثاني من محاولتي انقلابين عسكريين وقعتا عام 1971 و1972، خاصة الثانية عندما نجت طائرته بأعجوبة من السقوط بعد عملية قادها ذراعه الأمني السابق محمد أوفقير، كما لم تنجح الكثير من محاولات إسقاط نظامه، آخرها عام 1973، عندما تدرّب أعضاء تابعين للجناح العسكري في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على ثورة مسلحة تم قبرها في مهدها.
"صراعنا مع الحسن الثاني كان حول شكل الدولة، هو يريدها استبدادية ونحن أردناها ديمقراطية. وقد استعمل العنف لتكريس استبدادية الدولة، فما كان من الأطراف الأخرى في المعارضة إلّا أن ردت بالمثل. لكن المهم أن الحسن الثاني اعترف في النهاية بفشل هذا الخيار عندما قال إن المغرب صار مهددًا بالسكتة القلبية" يقول محمد اليازغي، وزير دولة سابقًا بالمغرب.
ويضيف اليازغي في تصريحات لـCNN بالعربية: "هذا الاعتراف هو ما قاد المغرب فيما بعد إلى حكومة التناوب التوافقي بزعامة حزب الاتحاد الاشتراكي، التي مكنت المغرب من انتقال ديمقراطي هناك الكثير من الآراء حول أسباب طول مدته، لكن يبقى أن التوافق أدخل المغرب مرحلة جديدة جعلت "الربيع العربي" يمر بسلام، بل وأن يكون فرصة للإصغاء إلى نبض الشارع، وصياغة دستور جديد".
بيدَ أن هناك من يلتمس العذر للحسن الثاني في سنوات الرصاص ضد مخالفيه لكثرة المخططات الرامية إلى إسقاط حكمه، وعلى هذا المعطى يرّد اليازغي: "العنف الرسمي الذي قام به الملك الراحل سبق الجميع، ولولا هذا العنف الكبير ما رّدت الأطراف الأخرى داخل المعارضة، ونستثني هنا محاولتي الانقلاب التي خطط لها ضباط كانوا يعملون معه".
غير أن حكم الملك الراحل لم يخل من إيجابيات تؤكد قولة "ما له وماعليه"، لا سيما تشجيعه لإسلام وسطي منفتح يأخذ بعين الاعتبار هوية المغرب واجتهادات العصر، وتقويته للأدوار الديبلوماسية المغربية في الخارج خاصة العلاقات مع القوى الكبرى، وحفاظه على الاستقرار الاجتماعي للمغاربة الذين يشهدون تنوّعًا ثقافياً كبيرًا.
ويضيف اليازغي نقطة إيجابية أخرى: "كان لديه موقف حازم في قضية الصحراء والوحدة الترابية، واستطاع بدهائه إيقاف مخطط فرانكو الرامي إلى إبعاد المغرب عن صحرائه، خاصة تنظميه للمسيرة الخضراء التي شارك فيه أزيد من 300 ألف مغربي، رغم الأخطاء العديدة التي ظهرت بعد ذلك في تدبير هذا الملف".