رأي: مراقبة تركيا اليوم هي مثل مشاهدة كارثة تحدث أمامك بالتصوير البطيء.. فعلى أنقرة التعامل مع داعش والأسد وروسيا والأحزاب الكردية

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
رأي: مراقبة تركيا اليوم هي مثل مشاهدة كارثة تحدث أمامك بالتصوير البطيء.. فعلى أنقرة التعامل مع داعش والأسد وروسيا والأحزاب الكردية
Credit: Reuters/CNN

مقال لسونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن الأمريكي، ومؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين." المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأيCNN .

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- هجوم السبت في العاصمة التركية هو أقرب ما شهدته تركيا لأحداث التاسع من سبتمبر. تفجيرين في وسط أنقرة، على الجانب الآخر من محطة القطار المركزية في المدينة وعلى بعد دقائق فقط من المباني الحكومية الرئيسية، قتلت 95 شخصا على الأقل وجرحت مئات آخرين. إنه، باختصار، أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ الدولة.

إن المجزرة محزنة وصادمة، ويبرز ذلك لأنه يتعارض مع التصور بأن تركيا دولة مستقرة وسلمية نسبيا. ورغم أنها تقع على حدود منطقة الشرق الأوسط المضطرب، إلا أن تركيا لديها اقتصاد نابض بالحياة، وطبقة وسطى كبيرة وتتمتع بحكم ديمقراطي، والعنف بهذا الحجم لم يسبق له مثيل في السياسة الحديثة للبلاد.

ولكن رغم فجاعة الهجوم في حد ذاته، إلا أنه يأتي أيضا في الوقت الذي يتزايد فيه الاستقطاب، سواء اجتماعيا أو سياسيا - انقسامات تفاقمت بسبب طبيعة حكم الرئيس رجب طيب أردوغان الشخصية.

فمنذ وصوله إلى السلطة في 2003، حكم أردوغان البلاد من خلال حزبه، "العدالة والتنمية"، بعد فوزه بعدة انتخابات متعاقبة. وفي حين أسفر أسلوبه المحافظ المتشدد ونهجه اليميني عن نمو اقتصاد الدولة، إلا أنه كان هناك جانب مظلم لحكمه.

والحقيقة هي أن أردوغان يهاجم بوحشية المعارضة السياسية، إذ يسجن النقاد ويرسل الشرطة لاتخاذ اجراءات صارمة وعنيفة ضد تجمعات المعارضة. ونتيجة لذلك، أنشأ أردوغان قاعدة يمينية قوية، ولكنها ولدت عداء كبير بين عدد السكان الكبير من الذين لا يؤيدونه.

ومع انقسام المعارضة في البلاد، هيمن حزب العدالة والتنمية على السلطة التشريعية، ولكن في انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، خسر حزب أردوغان الأغلبية المطلقة في البرلمان، بينما ارتفع دعم الحزب الديمقراطي للشعوب الموالية للاكراد في استطلاعات الرأي، مما ترك البلاد في حالة من الفوضى.

ولم يكن من المتوقع للانتخابات المبكرة، المقرر عقدها في الأول من نوفمبر/كانون الثاني، أن تخفف من الجمود السياسي، وزاد الهجوم على أنقرة الوضع سوءا، لأن الاستقطاب السياسي حول أردوغان يتخطى كل الاعتبارات الأخرى – فهناك عدد قليل من الناس من المؤيدين والمعارضين لحزبه يُرجّح أن يغيروا أصواتهم، رغم مذابح السبت.

وما يجعل هذه الانقسامات العميقة مقلقة جدا هو وقوعها في وقت تواجه البلاد فيه تحديات أمنية في جوارها، يتمثل بشكل أساسي في النظام السوري الوحشي لبشار الأسد، والدولة الإسلامية في العراق وسوريا، "داعش."

فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية في 2011، حاولت أنقرة عبثا الإطاحة بالأسد، الذي اتهمته بالمسؤولية عن تفجير 2013 في الريحانية، البلدة التركية التي تقع قرب الحدود السورية، والتي راح ضحية الانفجار فيها أكثر من 50 شخصا.

ومع تعزيز روسيا لقوات الأسد حاليا، لدى العاصمة التركية أسبابا أكثر للخوف من سوريا. لكنها تشعر بالقلق أيضا إزاء "داعش"، وخاصة منذ انضمام أنقرة للحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم الصيف الماضي، وهي الخطوة التي تلت هجوم "داعش" على سروج، مدينة تركية أخرى بالقرب من الحدود السورية. وللأسف، ليس الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يهاجم "داعش" تركيا مرة أخرى.

وأخيرا، على أردوغان أيضا التعامل مع حزب العمال الكردستاني، الذي يحارب سلطة أنقرة، إذ اتهم الحزب العاصمة التركية بعدم القيام بما يكفي لمنع التفجيرين اللذين وقعا في سروج، وهو الهجوم الذي كان مشابها بشكل مخيف لهجوم أنقرة، الذي استهدف أيضا تجمعا.

وفي حين تمسك حزب العمال الكردستاني بوقف إطلاق النار الذي أعلن عنه السبت، فإنه لا يزال غير واضح ما إذا كانت القيادة الأكبر سنا في الحزب بإمكانها الحفاظ على سيطرتها على الأعضاء الشباب والأكثر تطرفا.

ولكن في نهاية المطاف، على تركيا أن تخشى نفسها أكثر من أي شيء آخر. فعلى عكس ما حدث في التاسع من سبتمبر، التي أدت إلى تضامن الولايات المتحدة، من المرجح أن تترك تفجيرات أنقرة الدولة منقسمة، إذ تلقي الجماعات المؤيدة لأردوغان اللوم على حزب العمال الكردستاني وتلقي الجماعات المناهضة لأردوغان اللوم على الحكومة.

 ورغم إمكانية تغلب تركيا على الأسد وحزب العمال الكردستاني أو داعش، فإنه لا يمكن أن تكسب معركة ضد نفسها.

ونتيجة لذلك، مراقبة تركيا اليوم هي مثل مشاهدة كارثة تحدث أمامك بالتصوير البطيء، إذ يبدو أن الدولة تتفكك بشكل متزايد. وآمل حقا أن أكون مخطئا، لكن المستقبل يبدو قاتما.