المساواة في الإرث بالمغرب.. حق أساسي للمرأة أم ضرب لهويّة المجتمع؟

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
المساواة في الإرث بالمغرب.. حق أساسي للمرأة أم ضرب لهويّة المجتمع؟
Credit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images

الرباط، المغرب (CNN)— يعيش المغرب خلال هذه الأيام على وقع تقاطب حاد بعد دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة وطنية مستقلة عن الحكومة، إلى المساواة بين الرجال والنساء على مستوى الإرث، الأمر الذي اعتُبر سابقة من نوعها نظرًا لأن الجهة التي دعت إلى ذلك، هي منظمة استشارية أنشأتها الدولة لحماية حقوق الإنسان، ونظرًا لأن المغرب لا يزال يعمل بقوانين الشريعة الإسلامية في نظام الإرث، ومن ذلك ما يكفل للرجل ضعف ما يخصّص للمرأة.

ورغم أن النقاش حول المساواة بين المرأة والرجل ليس جديدًا في المغرب، وترجع بعض فصوله إلى ما كان يُعرف بـ"خطة إدماج المرأة في التنمية" قبل 15 عامًا عندما حدث انقسام في الشارع بين الحداثيين والإسلاميين على هذا المفهوم، إلّا أن التقرير الذي أصدره المجلس المغربي هذا الأسبوع أعاد النقاش من جديد إلى الواجهة، وذلك في بلد يحثّ دستوره على السعي إلى المناصفة بين الرجال والنساء، كما يؤكد كذلك أن الإسلام هو دين الدولة.

المركز المغربي لحقوق الإنسان، منظمة ديمقراطية مستقلة، انتقد بشكل كبير هذه الدعوة، معتبرًا أن الدستور لم يستهدف المساواة بين المرأة والرجل بمنطق القطع مع الشريعة الإسلامية، وأن الإرث يرتبط بالمنظومة الأسرية والاجتماعية لدى أمة المسلمين، كما أن الرجل مجبر على تحمل مسؤولية أعباء الإنفاق، مطالبًا في بيان له بإعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حتى لا يصير حكرًا على تيار إديولوجي معين.

الشيخ محمد الفزازي، أحد الوجوه الإسلامية المعروفة بالمغرب، ندّد بهذه الدعوة، ووصفها في تصريحات لـCNN بالعربية بـ"وصمة عار" على من أطلقها، معتبرًا أنها "اعتداء على الله وعلى ثوابت الدين الإسلامي، وتعطي الفرصة للإرهاب وللغلو في الدين أن يظهرا ردًا عليها"، مبرزًا أن "المجتمع المغربي آمن ومستقر ولديه مؤسسات خاصة بالإفتاء في الدين، ولا يحتاج لمثل هذه الدعوات التي تحاول تخريب الدين".

وأضاف الفزازي" الإرث يمسّ الأسرة والإخلال به إخلال بها، ولا يمكن أن نجهز على ما تبقى من أحكام الإسلام بمبرّر أننا لم نعد نطبق الشريعة"، متابعًا: " من يقول إن الظروف تغيّرت وإن المرأة أضحت تعمل جاهل بالتاريخ، فالمرأة كانت تشارك على الدوام في الجهاد والتجارة والعلم والحديث والدراسة والتعليم وزرع الحقول ومع ذلك لم تخرج هذه الدعوات، فالمسألة مسألة إيمان بشرع الله وعلمه وأحكامه".

بيدَ أنه في الجانب الآخر، دافع ناس كثر عن دعوة المجلس، ومنهم جمعية أنفاس الديمقراطية، التي قالت إن تقرير المجلس يعدّ بمثابة "انتصار من داخل مؤسسة دستورية رسمية لما ناضلت من أجله الحركة النسائية والحقوقية"، مبرزة في بيان لها أن المساواة الفعلية بين الجنسين أضحت "ضرورة حقوقية واقتصادية وتجسيدًا للواقع الاجتماعي المعاش".

فوزية عسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، تستغرب وقوع كل هذه الضجة على دعوة مؤسسة استشارية حقوقية، بما أن ذلك يدخل في صميم عملها، معتبرة أن من يحلّل الواقع المغربي سيدرك ضرورة تعديل قانون الإرث: "هناك أسر شُرّدت، هناك نساء عملن طول حياتهن رفقة أزواجهن لأجل شراء سكن وعندما توفي الزوج احتل إخوانه جزءًا مهمًا من السكن، هناك نساء أعلن أسرًا بكاملها وفي النهاية رُمين إلى الشارع أو إلى دور العجزة".

وتضيف عسولي لـCNN بالعربية: "أحكام الإرث في الإسلام حكمها العدل وليس التمييز، لأن النساء كن في بدايات الإسلام يعشن في نظام عشائري تحت إمرة الرجال، بينما تغيّر الأمر حاليًا بعد ظهور الأسر النووية التي تنشأ بتعاون الرجل والمرأة وبتراجع فكرة تحمل الرجل لوحده مسؤولية مصاريف العائلة"، متابعة:" من يرفض المساواة في الإرث يسوّق صورة ظالمة للإسلام، فالعدل هو جوهر الدين، والإسلام كان دائمًا مفتوحًا على الاجتهاد بما يتناسب مع المصالح العليا للمجتمع".

جدير بالذكر أنه رغم مصادقة مجلس النواب المغربي مؤخرًا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورغم أن مدونة الأسرة المغربية جرى تعديلها قبل سنوات بما تناسب مع عدد من المطالب الحقوقية، إلّا أن ناشطات الحركات النسائية المغربية لا زلن يطالبن بحقوق أكبر، ومن ذلك رفع كل أشكال التجريم عن الإجهاض، والمساواة الكاملة في الإرث، ومنع التعدد بشكل تام، وتحقيق المناصفة في المناصب السياسية.