تقرير: منية غانمي
تونس (CNN)-- تدهورت أوضاع النازحين في ليبيا بشكل متزايد جرّاء استمرار الحرب الأهلية وغياب أي حلول قريبة قد تضع حدا لمعاناتهم. CNN بالعربية سلطت الضوء على ظروف عيش العائلات الليبية النازحة في بلدها، والدعم المقدم لهم.
عبد الله الطياري، رب عائلة تتكون من أربعة أفراد، اضطر إلى ترك بيته في درنة هربا من بطش تنظيم داعش الذي استولى على هذه المدينة منذ أكثر من سنة .
تاريخ 12 نوفمبر 2015 لن يمحى من ذاكرته أبدا لأنه اليوم الذي هُجّرَ فيه وعائلته من أرضه وقريته تاركا كل ما يملك وراءه.. نزوح فُرض عليه بالقوة.
يقول مستعرضا قصته لـCNN بالعربية " دخل المسلحون إلى المدينة وعاثوا فيها فسادا ودمارا، هدمت البيوت وطُرد السكان. استولت العصابات المسلحة على كل ما نملك، هددتنا بالقتل.. حقا إنها ذكرى مؤلمة، المهم عندي أننا نجونا بحياتنا، أحمد الله على كل شيء".
عبد الله وجد نفسه منذ ذلك الوقت عاطلا عن العمل، يعيش مع زوجته وأبنائه الأربعة في إحدى المنازل في مدينة المرج، بيت متداعي للسقوط تغيب فيه أبسط مقومات العيش، به غرفتان ودورة مياه مشتركة ومطبخ صغير يتقاسمونه مع عائلة أخرى، يقتاتون مما توفره هيئات الإغاثة الإنسانية والجمعيات الخيرية من مساعدات غذائية.
أكثر ما يحز في نفسه الآن انعدام الدعم الحكومي لهم وعدم اهتمام السلط بمشاكلهم.
يقول في هذا السياق" لا أحد اهتم بنا، المسؤولون متفرغون لتقاسم كعكة السلطة وتوزيع الكراسي الآن، ليس لديهم وقت ليبالوا بوضعنا، في حين كان من المفترض أن يتحملوا المسؤولية لأنهم سبب مآسينا، حقيقة لم أعد أرغب بالبقاء هنا لأنني أشعر باختناق شديد، أصبحت أحلم بالهجرة إلى بلد آخر تتوفر فيه مقومات العيش وتحترم فيه حقوق الإنسان".
وكانت الحكومة الليبية التي تتخذ من شرق ليبيا مقرا لها شكلت منذ أشهر لجنة خاصة للإطلاع على الظروف المحيطة بالنازحين في المدن الشرقية وسبل تذليل الصعوبات التي يتعرضون إليها واتخذت جملة من القرارات من أهمها بناء مساكن اجتماعية لفائدة النازحين.
عبدا لله اعتبر هذه الإجراءات الحكومية مجرد كلام ووعود زائفة يسوقها المسؤولين من منابرهم ومكاتبهم.
قال" ستبقى مجرد حبر على ورق ، يتاجرون بقضية النازحين في وسائل الإعلام من أجل مكاسب سياسية لا أكثر، نحن على الحال نفسه منذ أن أتينا وأضحى لدينا قناعة بأن معاناتنا لن تنتهي قريبا في ظل هذه الوعود الكاذبة التي لم يتحقق منها شيء".
وخلّص عبد لله أن مطلب جميع النازحين هو إيجاد حلول لهم للعيش بسلام في أماكن تحفظ كرامتهم وتوفر احتياجاتهم من سكن وغذاء وماء ورعاية صحية وتعليم وشغل وأمن.
حكاية عائلة عبد الله الطياري مجرد مثال يجسّد معاناة آلاف العائلات الليبية النازحة التي اضطرتها ظروف الحرب في بلدها إلى ترك أماكن إقامتها نحو مصير مجهول.
وفي ظل استمرار المعارك في المنطقة الغربية وعودة التوترات القبلية بين التبو والطوارق، وتواصل الاشتباكات بين قوات الجيش الليبي ومجلس شورى مدينة بنغازي شرق ليبيا، بالتوازي مع غياب حل سياسي، تبقى مسألة النزوح مهددة بأن تتحول إلى وضع طويل الأمد في ليبيا.
مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أحمد عبد الحكيم حمزة، توقع حدوث كارثة إنسانية للنازحين الليبيين في صورة استمرار الصراع وتواصل إهمال السلط لهذه الفئة.
وقال في تصريح خاص لـCNN بالعربية، إن عدد النازحين داخل ليبيا بلغ 519 ألف نسمة يتوزعون خاصة على مدن طرابلس وبنغازي وترهونة وغريان، مشيرا إلى أنهم يعيشون في أوضاع حياتية صعبة.
وأضاف أن السلطات الليبية المتعاقبة لم تقم على مدار الأربع سنوات الماضية والسنة الحالية بأي إجراءات فعلية ناجعة للتخفيف من معاناة النازحين.
الحياة الصعبة التي يعيشها النازحون وانعدام الحيل والفرص، عوامل تسببت في ظهور مشكلات نفسية وصحية وسلوكية لدى النازحين.
في هذا الجانب،أظهرت دراسة أجراها مستشفى بنغازي ونشرت نتائجها مؤخرا، أن 87% من النازحين يعانون الاكتئاب والقلق والخوف والاضطراب النفسي والكوابيس.
وقالت عضو فريق الدعم النفسي خديجة العمامي في تصريح صحفي، إن الدراسة أثبتت أن المعونات التي تقدمها منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني من أكل وشرب ودواء إلى النازحين لا تكفي، مؤكدة على أن الحالة في تدهور مستمر، وأن أي إنسان يعيش نفس ظروفهم القاسية يفقد الأمل في الحياة ولا يريد الاستمرار فيها.