مقال لبيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي بـCNN، ونائب رئيس مؤسسة "أمريكا الجديدة" وأستاذ في جامعة أريزونا الأمريكية.. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- يقول المدعون الفرنسيون إن القنابل التي استخدمت في الهجمات الإرهابية في باريس، الجمعة، كانت مصنوعة من بيروكسيد الأسيتون أو "TATP"، الأمر الذي يشير إلى دلالات مهمة حول الطريقة التي تم بها تخطيط وتنفيذ المؤامرة.
وتُبنى قنابل "TATP" باستخدام مادة بيروكسيد الهيدروجين وهو مكوّن موجود بالمنزل، ويستخدم لتبييض الشعر قبل صبغه.. وكانت مثل هذه القنابل بمثابة علامة تجارية تُميز عمليات الإرهابيين الجهاديين في الغرب لأكثر من عقد من الزمان، لأنها مادة من السهل جداً الحصول عليها، على عكس المتفجرات ذات المستوى العسكري، التي تشدد السلطات رقابتها في معظم الدول الغربية.
ويوجب استخدام تلك المادة في هجمات باريس، وكذلك في مؤامرات إرهابية في لندن والولايات المتحدة على مدى العقد الماضي، أن يُذكر مؤسسات إنفاذ القانون في الغرب أن هذه هي القنابل التي قد يستخدمها الإرهابيون الجهاديون في المستقبل.
ومن الصعب صُنع قنابل "TATP" بسبب مكوناتها، التي تتفاعل بشكل غير مستقر ويُصبح من السهل انفجارها عن طريق الخطأ في حال التعامل معها بشكل خاطئ.. ويتطلب صُنع قنبلة من هذا النوع خبرة وتدريباً حقيقياً، مما يُشير إلى وجود خبير متفجرات على مستوى عال نسبياً في مخطط هجمات باريس، إذ فجر الإرهابيون عدداً من تلك القنابل.
ويقترح ذلك أيضاً وجود نوع من مصانع القنابل غير المكتشفة، لأن تجميع هذه القنابل يتطلب نوعاً من المساحة المخصصة لصنعها.. ويشير أيضاً إلى أرجحية إجراء اختبارات القنابل في مكان معزول للتأكد من أنها تعمل.
ويُمكن رؤية مخاطر قنابل "TATP" في حادثة ماثيو روغو وكورتيس جيتون، رفقاء في السكن من ولاية تكساس الأمريكية، يبلغان من العمر 21 عاماً، حاولا صنع واحدة من تلك القنابل في عام 2006، ولكن بسبب قلة خبرتهما انفجر خليط المُبيّض المركز الذي كانا يستخدمانه، مما أسفر عن مقتل روغو وإصابة جيتون.. ولم يكن لهما أي خطط سياسية، وإنما أرادا تفجير السيارات للمتعة فحسب.
وحاول آخرون في أمريكا صُنع تلك القنابل، ولكن كانت نواياهم أكثر شراً، وكان أحد هؤلاء نجيب الله زازي، الذي نشأ في مدينة نيويورك، وأراد إصابة أكبر عدد ممكن من المسافرين بتفجير مترو الأنفاق في مانهاتن.
ودرّب تنظيم "القاعدة" زازي على صنع قنابل "TATP" في باكستان، وخلال صيف 2009 اشترى زازي كميات بالجملة من مُبيّض الشعر في ضاحية دنفر السكنية، وأقام مصنعه في غرفة فندق قريب.
وخلط عدة دفعات من مُبيّض الشعر في مطبخ غرفة الفندق الصغير، وفي ليلة السادس من سبتمبر/ أيلول عام 2009، أرسل زازي عدة رسائل إلكترونية إلى أحد عناصر القاعدة، يُدعى أحمد.
وتضمنت رسائل البريد الإلكتروني رمزاً معروفاً لتنظيم "القاعدة"، يُستخدم حين تكون هناك عملية إرهابية وشيكة، وهي عبارة "الزواج جاهز"، وطلب زازي أيضاً الحصول على تعليمات محددة "على الفور" حول المكونات الأخرى اللازمة للمتفجرات.
وفي حين أتقن زازي صناعة القنابل القائمة على مُبيض الشعر، نسي النسب المحددة لتلك المكونات اللازمة لتفجير الخليط.
وإذا أرسل زازي هذه الرسائل إلى أي حساب بريد إلكتروني عادي في باكستان، لظن أي شخص رصدها أنها تستعلم حول صنع كعكة زفاف.. ولكن عنوان البريد الإلكتروني الذي استخدمه زازي للتواصل مع القاعدة كان "sana_pakhtana@yahoo.com"، وهو حساب كانت المخابرات البريطانية تُراقبه بسبب استخدام شخص ما نفس العنوان للتواصل مع مجندي تنظيم "القاعدة" في بريطانيا.
وشاركت السلطات البريطانية تلك المعلومات مع مسؤولين أمريكيين، وبدأت وكالة الأمن القومي الأمريكية مراقبة حساب البريد الإلكتروني.
وأدرك مكتب التحقيقات الفيدرالي أن مجنداً لتنظيم "القاعدة" يعيش في دنفر ويصنع قنابل "TATP"، وبدأوا مراقبته عن كثب، وعندما سافر من دنفر إلى نيويورك لتنفيذ خطته بالتزامن مع الذكرى الثامنة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أُلقي القبض عليه مع اثنين من المتآمرين معه، وصدر بحقهم جميعا أحكام بالسجن لمدد طويلة.
وكانت خلية الانتحاريين البريطانيين لتنظيم "القاعدة" أكثر نجاحاً، عندما نفذوا تفجيرات "7/7" في لندن في السابع من يوليو/ تموز عام 2005.. إذ استخدموا تدريبهم لتسخين وتقطير مُبيّض الشعر العادي، وخلطه مع غيره من المكونات لصنع مزيج متفجر فعال.
وصنع هذه القنابل التي تستخدم المبيّضات هي عملية معقدة، وليس أمراً يمكن تعلمه من خلال قراءة وصفات لصنع القنابل على شبكة الإنترنت.. إذ تلقى زعيمهم تدريباً في صنع القنابل من تنظيم "القاعدة" في باكستان.
واستأجر المتآمرون شقة في لندن لتكون بمثابة مصنع للقنابل يخلطون فيها المواد الكيميائية، وفي تلك الأثناء ارتدوا أقنعة بسبب خطورة المواد، والتي تسببت في تفتيح لون شعرهم بدرجة ملحوظة. كما استخدموا ثلاجة من طراز متقدم للحفاظ على مكونات القنبلة غير المستقرة في محيط بارد للغاية، وفي تلك الشقة صنعوا أربعة أجهزة متفجرة.
وقتل 54 مسافر عندما انفجرت القنابل في ثلاثة قطارات في مترو أنفاق لندن وحافلة ذات طابقين. وبعد أسبوعين من الهجمات، في الـ21 من يوليو/ تموز 2005، فُجرت موجة ثانية من القنابل القائمة على بيروكسيد الهيدروجين خارج لندن، وهي عملية نظمتها خلية من الصوماليين والإريتريين الذين كانوا من الجيل الأول من المهاجرين إلى بريطانيا. ولحسن الحظ، في حين كانت القنابل الأربع مجهزة للانفجار يوم 21 يوليو/ تموز، ثلاثة منها تحت الأرض وواحدة على متن حافلة في محاكاة للعملية السابقة، فشلت العملية بسبب الصناعة الخاطئة للقنابل.
وكانت القنابل القائمة على بيروكسيد الهيدروجين مرة أخرى العلامة التجارية لخلية من الباكستانيين البريطانيين، الذين خططوا لإسقاط سبع طائرات ركاب متجهة إلى الولايات المتحدة وكندا من بريطانيا خلال صيف عام 2006.
وكان المتآمرون عازمون على الانتحار خلال الهجمات على طائرات الركاب، إذ صوّر ستة منهم مقاطع فيديو "استشهاد"، اكتشفها المحققون البريطانيون.
وكانت السلطات البريطانية تراقب بكثافة زعيم الخلية في صيف عام 2006. وعندما ألقي القبض عليه في شرق لندن في الـ10 من أغسطس/ آب 2006، كان يحمل شريحة ذاكرة تخزين وجدوا فيها ملفات تخص مخططات رحلات الطيران لشركة "يونايتد إيرلاينز"، الخطوط الجوية الأمريكية وطائرات شركة طيران "إير كندا" في طريقها من بريطانيا إلى وجهات مثل شيكاغو وواشنطن ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو ومونتريال وتورنتو.
ووجد الباحثون عدة زجاجات تحتوي على بيروكسيد الهيدروجين المركز، حاول أحد المتآمرين التخلص منها عن طريق رميها في حديقة لندن. وكان المتآمرون يخططون لتسريب متفجرات سائلة يتم اخفاؤها في قناني المشروبات الغازية في حقائب اليد على الرحلات الجوية التي استهدفتها الخلية، بالإضافة إلى غيرها من المواد غير ضارة المظهر التي يمكن استخدامها لتفجير القنابل التي كانوا يخططون تجميعها على متن الطائرات.
وكانت هذه المؤامرة التي أدت إلى حظر شركات الطيران السوائل كلها التي يُسمح بحملها على متن الرحلات الجوية.
في الوقت الذي يحاول فيه المحققون الفرنسيون اكتشاف حقيقية ما حدث في باريس، فإنهم بالتأكيد يبحثون عن موقع تجميع قنابل "TATP"، سواء كان ذلك في شقة كما فعل متآمرو "7/7"، أو في غرفة فندق كما فعل زازي، أو في مواقع أخرى. كما سيحاولن تحديد هوية من صنعها.
هل صنع الإرهابيون القنابل وحدهم، كما كان الحال مع متآمرين "7/7"، أم استعانوا بشخص آخر لصنعها؟ وأين تدرب لبناء هذه القنابل؟ هل تلقى تدريبه في فرنسا، أم في سوريا أم في موقع آخر؟ هذه هي بعض الأسئلة التي يأمل التحقيق كشف إجاباتها في نهاية المطاف.
وبعد حادثة الحاجي عشر من سبتمبر، بدأت إدارة شرطة نيويورك عملية "نيكزس"، حيث زارت الشرطة الآلاف من المتاجر في المدينة التي تبيع أو توزع المواد التي يمكن استخدامها في عملية إرهابية. والتي تشمل أي شيء من أنابيب مفيدة للقنابل الأنبوبية إلى "المسحوق الأسود" الذي يمكن العثور عليه في المفرقعات النارية.
وقيل لكل صاحب متجر: "إذا رأيت أي أمر مريب في عملية الشراء، أخطروا السلطات."
وكان نجيب الله زازي مثالا لذلك الأمر المريب، إلى جانب رجل أفغاني أمريكي ملتحي، داكن الشعر، في العشرينيات من عمره، اشترى ست زجاجات من منتج "كليروكسايد" لتبييض الشعر، خلال رحلة تسوق واحدة في متجر في ضاحية دنفر الأمريكية.
وعاد زازي إلى المتجر في وقت لاحق من الشهر واشترى آخر اثني عشر زجاجة من "مس كاي ليكويد"، والذي هو أيضا منتج لتبييض الشعر قائم على البيروكسيد.
وذلك النوع من عمليات الشراء بالجملة لمنتجات تحتوي على بيروكسيد الهيدروجين، هو الذي يجب أن يؤدي إلى تقرير نشاط مشبوه في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.