تقرير: منية غانمي
تونس (CNN)-- أثارت حادثة اعتداء على أحد الطلبة الأجانب من ذوي البشرة السوداء في تونس، موجة استياء وتنديد خاصة في الأوساط الحقوقية، خلّفت مخاوف من تنامي ظاهرة الميز العنصري في البلاد ضد القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ليونيل أومبقا طالب من الكاميرون يدرس في إحدى الجامعات التونسية، تعرض إلى اعتداء بالعنف من قبل مجموعة من الشباب التونسيين في إحدى شوارع منطقة العوينة بتونس العاصمة أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري دون أية أسباب وهو ما تم اعتباره اعتداء عنصريا.
في هذا السياق، نددت عدد من الجمعيات والمنظمات وكذلك مستعملي المواقع الاجتماعية بهذا الاعتداء الوحشي الذي تعرّض له الطالب الكامروني.
ويقطن في تونس الآلاف من الأفارقة بينهم طلبة ولاجئين يتوزعون على عدد من المدن أغلبهم يتواجدون في تونس العاصمة.
وأوضحت المنظمات الحقوقية إنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الطلبة الأفارقة لاعتداءات عنصرية ، حيث وقعت اعتداءات على عشرات الطلبة الأفارقة بمدن تونسية مختلفة بعد إزاحة تونس من كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم في فيفري الماضي.
وهو ما أيّدته الطالبة تيريس لوتشي، كونغولية الجنسية تدرس بإحدى جامعات تونس منذ 3 سنوات، إذ تقول إن الأفارقة السود يتعرضون دائما إلى سوء معاملة من قبل التونسيين فيها احتقار وسخرية خاصة في الأماكن العمومية.
وأضافت لـCNN بالعربية أنها وأصدقاءها منذ أن قدموا إلى تونس للدراسة، يجدون صعوبة في التأقلم والاندماج في المجتمع التونسي بسبب لونهم، وغالبا ما يكونون عرضة للعنف اللفظي في حياتهم اليومية، متحدثة أنأن أصدقاءها من الطلبة التونسيين يتجنبون التعامل معهم في الجامعة وأحيانا يتذمرون، ويتحاشون الخروج معهم إلى الأماكن العامة.
وتابعت أنه حتى عند التقاط صور سلفي في الجامعة، بعضهم يرفض الانضمام إلى الصورة والبعض الآخر يطلب عدم نشرها في المواقع الاجتماعية، موضحة أنها باتت متيقنة أنهم يرفضون إقامة علاقات معهم بسبب لون بشرتهم.
وخلّصت إلى أنهم أدركوا مؤخرا مدى عنصرية فئة من الشعب التونسي التي ما تزال تحمل ثقافة تجعل من الأبيض مواطنًا من درجة أولى ومن الأسود مواطنًا من درجة ثانية، على حد تعبيرها.
وتطالب المنظمات الحقوقية في تونس البرلمان بسن قانون يجرّم بوضوح العنصرية ويضمن حماية ذوي البشرة السوداء، مواطنين تونسيين أو أجانب من التمييز.
في هذا الجانب قالت سعيدة مصباح، رئيسة جمعية “منامتي” لمناهضة كافة أشكال التمييز والعنصرية، إن أصحاب البشرة السوداء يعيشون مختلف أشكال التمييز العنصري في حياتهم اليومية في غياب أي تشريع قانوني دقيق يحميهم.
وأضافت في مؤتمر صحفي، أن عدم استجابة المجلس التأسيسي لدعواتهم بسنّ فصل في الدستور التونسي الجديد، يجرّم أشكال العنصرية التي تتعرض لها هذه الفئة من الشعب، أشعرهم بألم كبير.
وبخصوص ما إذا أصبح الميز العنصري ظاهرة اجتماعية متفاقمة في البلاد تستدعي دراسة معمقة، أقرّ الأستاذ في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد، أن أصحاب البشرة السوداء في تونس سواء أجانب أو تونسيين يعانون من بعض الميز الحقيقي يصل في بعض الأحيان إلى المس بالكرامة والميز العنصري، معتبرا أن هذه الوضعية ليست كارثية.
وأضاف في تصريح لـCNN بالعربية، أنه وإن وجدت النظرة الدونية تجاه ذوي البشرة السوداء فهي لن تكون حائلا أو عائقا دون اندماج طيف كبير منهم في المجتمع سواء عن طريق الزواج أو في الوظائف.
وتابع المتحدث أن تونس في حاجة إلى فتح هذا الموضوع المسكوت عنه للنقاش داخل المجتمع عن طريق المنابر الثقافية والإعلامية ومكونات المجتمع المدني بعيدا عن كل الحسابات السياسية لتجنب أي تفرقة اجتماعية وخلق مصالحة مع الهوية.
وتجدر الإشارة إلى أن السود يشكلون حوالي 10 بالمائة من مجموع السكان في تونس وينحدرون أغلبهم من مدن الجنوب خاصة محافظة قابس ومدنين.
سامية مصدق، عاملة بإحدى المحلات التجارية، في أصيلة محافظة مدنين روت لـCNN بالعربية تجربتها، حيث تقول إنها تعودت منذ الصغر الاستماع إلى عبارات ساخرة من لون بشرتها السوداء أينما ذهبت، مضيفة أن أغلب التونسيين يظنون لأول وهلة أنها ليست تونسية، لاعتقاد راسخ لديهم أن ذوي البشرة السوداء هم فقط من مواطني الدول الإفريقية جنوب الصحراء.
وأضافت أن المواقف العنصرية بدأت معها منذ أن كانت في المدرسة أين كان تتلقى نظرات دونية سواء من الإطار التربوي أو من الأولياء الذين كانوا ينصحون أبناءهم بالابتعاد عني وعدم التحدث معي، متابعةً أن هذه المواقف وغيرها خلفت لها آثار نفسية سلبية مما جعلها تصبح منزوية على نفسها وتتفادى الاختلاط مع الناس والخروج إلى الشارع.
وكشفت سامية أن التمييز العنصري اتخذ معها شكلا آخر وانتقل إلى شبكة الانترنيت خاصة المواقع الاجتماعية، موضحة في هذا السياق، أنها أصبحت تتلقى رسائل تتضمن كلمات نابية وساخرة وعنصرية من أشخاص تجهلهم يرسلونها بعد إطلاعهم على ملفها الشخصي.
ومقابل ذلك، اعتبر تونسيون بيض أن الحديث عن التمييز العنصري موجود لكنه ليس بدرجة موحشة وملفتة للانتباه، معتبرين أنها تبقى حالات معزولة لا تنطبق على كافة فئات الشعب التونسي والدولة التونسية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام هذا العام.
محمد الأندلسي، 32 سنة موظف، أكد أن العنصرية موجودة في تونس على أرض الواقع، لكن ليست بالأشكال التي يروج لها ولا يمكن لها أن تمثل مشكلا كبيرا أو تكون سببا للتفرقة.
وتابع لـCNN بالعربية، أن التصنيفات العنصرية على أساس اللون تبقى محسوبة على بعض أصحاب النفوس المريضة ولا تدل إلا على جهل وتخلف فكري ، معتبرا أن القانون التونسي ساوى بين كل التونسيين في الحقوق والواجبات دون تمييز من حيث التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.